الفصل ال21..
جبر السلسبيل..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم..
دقائق معدودة و كان وصل “عبد الجبار” بسيارته داخل حديقة منزله، تزامنًا مع خروج زوجاته معًا من باب المنزل الداخلي..
بهتت ملامح “خضرا” و شحب وجهها كشحوب الموتى حين رأته مقبلًا عليهما بخطوات أقرب إلى الهرولة، لا يرى أمامه من شدة انفعالاته المضاربة، يرمقها بنظرته المتأججة حتى أصبح الخوف واضحًا عليها لمرآي وجهه الغضوب..
توقف أمامهما مباشرةً، يتنقل بعينيه بينهما، كانت “سلسبيل” مبتعدة بعينيها عنه عن قصد لتتجنب نوبة غضب ضُرتها ، بينما “خضرا” مختبئة خلفها تنظر لزوجها نظرة متوسلة
و هي تقول بصوتٍ جاهدت على جعله طبيعيًا لكنه خرج مرتجف..
“أيه اللي رچعك بدري أكده يا عبد الچبار!!.. إحنا كنا رايحين لدكتور سلسبيل و هنعاود طوالي قبل رچعتك يا خوي”..
نظر لها لدقيقة كاملة بصمتٍ، تعجبت “سلسبيل” من ما يحدث حولها، فرفعت عينيها بستحياء و تنقلت بينهما مرددة بقلق..
“هو في حاجة الدكتور قالها و أنتو مخبين عليا يا أبلة خضرا ؟! “..
أخيرًا وجدت” خضرا ” جحة تفر بها من أعين زوجها، و نظرت ل” سلسبيل ” بابتسامة زائفة و جاوبتها قائلة..
“لا يا خيتي أطمني مافيش حاچة.. متقلقيش واصل”..
نظرت لزوجها و تابعت بتوتر..
” زي ما قولتلك عبد الچبار حدتني و قالي نچهز عشان معاد الكشف بتاعك الليلة.. مش أكده يا خوي”..
.
.
ظل على صمته المريب دون أن يبتعد بعينيه عنها حتى نطق بهدوء رغم غضبه الظاهر على قسماته العابسة بشدة..
” چهزيلي الحمام قوام يا أم فاطمة”..
انصاعت “خضرا” لحديثه في الحال و هرولت عائدة نحو الداخل بخطي راكضة ،و إبتسامة تزين محياها المرتعدة، فزوجها رغم غاضبه منها لم يكسر خاطرها و قدر مشاعرها أمام ضُرتها..
بينما هو أنتظر حتى تأكد أنها أبتعدت عنهما، و مد يده و جذب “سلسبيل” من معصم يدها، جذبها خلفه وسار بها نحو سيارته،فتح الباب و دفعها برفق حتى جلست بالمقعد الخلفي مردفًا بصوته الأجش..
“استنيني أهنه يا سلسبيل.. هغير خلجاتي و أرچعلك”..
حركت رأسها له بالإيجاب ، ليهبط هو بكفه بحركة سريعة حتى قبض على كفها الصغير داخل راحة يده الضخمة، ضغط عليه بحنو، و سحب يده ببطء و هو يتحسس بشرتها الناعمة بشغف أسفل أصابعه الخشنة..
“مش هتأخر عليكِ”..
قالها بابتسامته الجذابه و هو يغلق باب السيارة عليها، و دلف بخطي واسعة لداخل منزله، حيث قصد من فوره الدرج المؤدي للغرفة المتواجدة بها “خضرا”..
.
.
دفع “عبد الجبار” باب الغرفة، و اندفع نحو لداخل غالقًا الباب خلفه بقوة، تسمرت محلها لبرهةً و هي تراه يقتحم عليها الغرفة هكذا و يرمقها بنظرات تطاير منها الشرر..
“أني چهزتلك الحمام “..
نطقت بها بصوتٍ خفيض بعدما ابتلعت لعابها بصعوبة بالغة، تسارعت نبضات قلبها حين لمحته يقترب منها بخطوات هادئه تشبه خطوات فهد يستعد للانقضاض على فريسته..
.
.
كتمت شهقة حادة حين شعرت بذراعه يحيط كتفيها ، و سار بها نحو أقرب مقعد اجلسها عليه،
و جذب مقعد أخر وضعه مقابل لها تمامًا، و جلس عليه، مال بجزعه العلوي عليها مستند بمرفقيه على ركبتيه، نظر لها نظرة جامدة لأول مرة و تحدث بتساؤل قائلاً..
.
.
“من مِتي و أنتي بتخطي برة عتبة الدار بدون علمي يا خضرا ؟!”..
صاح فجأة بصوتٍ جوهري دب الذعر بأوصالها مكملاً..
“من مِتي و أنتي بتفتحي باب للشيطان بنتنا يا بت الناس”..
.
.
“من ساعة ما اللي اعتبرتها زي خيتي سرقتك مِني”.. تمتمت بها بحشرجة مهددة بالبكاء..
رفع” عبد الجبار ” حاجبيه معًا و هو يقول بستهجانٍ..
” سرقتني منك ! مش أنتي بنفسك اللي كنتِ هتحبي على يدي لاچل ما أكتب عليها، و لما أني رفضت و قولتلك معاوزش اتچوز عليكِ رغم أن ده حقي و سلونا في الصعيد إن الراچل مُلزم يتچوز أرملة أخوه،
و إني رافضت لخاطر زعلك أنتِ.. روحتي من چهه تانيه و زنيتي على ودن البنته الصغيرة و طلبتِ يدها لاچل ما تحطيني قدام الأمر الواقع بعد ما سألتي الدكتور و ضمنتي أنها مش هتقدر لا على حمل و لا على خلفه،
و لا حتى تقدر تعطيني حقوقي الشرعية”..
صمت لوهلة، و نظر داخل عينيها المتحجرة بها الدموع، و تابع بأسف..
” مجاش ببالك وقتها أنها بعد ما تبقي مَراتي هيبقي ليها حقوق عندي هتاخدها كاملة حتى لو هي متقدرش تعطيني حقي عنِدها..
اعقلي يا بت الناس و لجمي نار غيرتك بدل ما تتحرقي أنتي أول واحدة منِها.. ويكون في علمك اللي معترض على جوازي عليكي و مقويكي على عمايلك المهببة دي مش هينفعك لو حصل بنتنا حاچة عفشة”.. (??)
مسح على وجهه بعصبية و هو يطرد زفرة نزقة من صدره، و انتصب واقفًا و سار تجاه النافذة وقف خلفها يتابع تلك الجالسة داخل سيارته مكملاً بصوتٍ يحمل بين طياته حزنٍ دفين استطاع إخفاءه لسنوات طويلة..
“كتبت عليكِ و بقيتي على ذمتي يا خضرا من غير ما ألمح طيفك حتى.. كنت ولد 21 سنة و أبوي اختارك ليا لأنك بنت أعز أصحابه و مقدرتش أكسر كلمته.. و اتفاچأت وقتها برفض أمي و حتى رفض كل أهل البلد قريب و غريب”..
كانت قد وقفت هي الأخرى، و سارت نحوه حتى أصبحت خلف ظهره، تستمع له بصمت و أعين تفيض بالدموع، و بهمس متقطع قالت..
” كانوا مستعچبين كيف وافقت تتچوز حرمة تشبه الدكر مافيهاش ريحة الأنوثة، و قالولي أول ما يشوفك هيطلقك و ترچعلنا بالفطير سخن “..
استدار لها، و إحتوي جانب وجهها بكفه مغمغمًا بابتسامة ..
” بس خيبت ظنونهم كلهم و نصفتك عليهم، و من وقتها و طوال 12 سنه چواز و إني شايلك چوه عيني و عمري ما هان على زعلك.. لكن في المقابل هان عليكِ أنتِ زعلي يا خضرا”..
” لع.. كله إلا زعلك يا سيد الرچاله كلهم”..
غمغمت بها و هي تميل على كتفه و تلثمه بعمق مكملة..
“حقك عليا.. حقك عليا يا سيد الناس.. أني مقصدش أزعلك.. الغيرة وچعها واعر على جلب العاشق.. و إني بعشق تراب رچليك يا عبد الچبار”..
أبتلعت غصة مريرة بحلقها و تابعت بابتسامة متألمة..” وأنت بقيت خابر زين غيرة العاشق واعره قد أيه بعد ما جلبك عشق اللي بتقول عنِها متقدارش تعطيك حاچة”..
وضعت راحة يدها على موضع قلبه، و تابعت بقوة مصطنع..
” هي الوحيدة اللي قدرت تاخد جلبك”..
الفصل ال22..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
“سلسبيل”..
تجلس داخل سيارة زوجها بشرود، تشعر أن هناك أمر ما يحدث حولها، لكنها على غير العادة تغمرها الراحة، و السكينة، تشعر بطمأنينة تملئ قلبها فهي على ذمة رجل جعلها خلال فترة زواجهما القصيرة تثق فيه ثقة عمياء حتى أصبحت على يقين إنه لن يخذلها مهما حدث..
وجدت معه الأمان الذي حُرمت منه طيلة عمرها، انبلجت إبتسامة على محياها الحزينة حين داهمتها ذكري تواجدها داخل جلبابه،
كم شعرت بضئلتها بين ضلوعه و جسده العملاق الذي تحرك بها بمنتهي الخفة كأنها لم تزن شيئًا على الإطلاق،أخفاها عن ضُرتها التي كانت وقتها لا تنوي على الخير أبدًا، شعرت بتلك اللحظة أنه سندها، ظهرها، حصنها المنيع الذي يحاوطها بحماية..
تلاشت ابتسامتها حتى اختفت، و حل مكانها الخوف ، تسارعت دقات قلبها بذعر و هي تتخيل أن يأتي عليها اليوم و تجد نفسها بمفردها من دونه ثانيةً ، دون حمايته ، أمانه، نظرة عيناه العاشقه التي أدمنتها !!!
رفعت كف يدها وضعته على قلبها تحاول تهدئة دقاته العنيفة و هي تدعوا بألحاح أن يدوم لها زوجها حتى لو ظلت له زوجة على الورق فقط إلى الأبد ..
وجهت عينيها تجاه باب المنزل بملامح جامدة عكس ما بداخلها من صخب ،تنتظر طالته عليها بلهفة و نفاذ صبر حتى يهدأ ضجيج قلبها كعادته معاها، هامسة بإسمه بتنهيده حارة..
“عبد الجبار”..
……………….. سبحان الله العظيم……
“عبد الجبار”..
متمكن في التحكم في زمام الأمور بجدارة يُحسد عليها، يستطيع السيطرة على مشاعره، و تعابير وجهه، إنما قلبه!!!
لا يملك أي سلطة عليه، لذا قبض على يد زوجته و ابعدها عن موضع قلبه قبل أن تشعر بنبضاته التي تدق كالطبول على صدره حين ذكرت أسم من أستحوذت بعشقها عليه..
رسم الجدية على قسماته الصارمه، و تحدث بصوته الأجش..
” إني عمري ما زعلتك مني في يوم من ساعة ما أتچوزنا “..
صمت لبرهةً و تابع بنبرة محذرة و هو يرفع كف يده الأخرى الذي لم يشفي بعد أمام عينيها، ليظهر أثر جرح السكين التي حاولت “سلسبيل” قتل نفسها بها لولا وصوله بالوقت المناسب..
“حتي بعد اللي حُصل مِنك..و اللي مش هسمح أنك تكرريه مرة تانية.. فبلاش يچي اليوم اللي أزعل منك فيه يا خضرا”..
توحشت نظرته بخطورة مكملاً ..
“أنتي خابرة زين مافيش مخلوق يقدر يزعلك في حياة عيني.. و حقك بچبهولك لحد عندِك لإنك مَراتي و اللي يزعلك كأنه زعلني ..
و سلسبيل كمان مَراتي و اللي يزعلها يزعلني كيفك بالتمام، و عشان أكده من هنا و چاي مهسمحش لمخلوق على وش الكون كله يغلط فيها حتى لو أمي”..
قال الأخيرة بصوتٍ عالِ للغاية متعمد حتى يصل لوالدته الوقفه تتجسس عليهما كعادتها..
وصل غضبه لزروته جعل عروقه تبرز بهيئة مخيفه و علىَ صوته أكثر قائلاً و هو يشتعل غضبًا..
” و لا هسمحلك أنتي كمان تغلطي فيها تاني واصل يا خضرا.. لإنها مش قليلة الرباية و لا خسيسة كيف ما قولتي عليها..
بالعكس أنتي شايفة بعينك من يوم ما كتبت عليها و هي متنازلة ليكِ عن حقها فيا و عامله خاطر لزعلك و ساكته على كل عمايلك معاها، و أنتي غيرتك عمت قلبك كمان بقيتي لا مقدرة سكوتها و لا حتى مرضها”..
هذه المرة وصل صوته لقلب” سلسبيل ” قبل أذنها، اقتحمها أحساسه الصادق بالخوف عليها، و شعرت بمدى وجعه منها بسبب تنازلها عن حقها فيه و بعدها عنه،لا يعلم أنها تتمنى قربه ربما أكثر منه..
ترقرقت العبرات بعينيها و تقطعت نياط قلبها على حين غرة بسبب أخر كلمة تفوه بها مرضها!!!!!!! ربما أدركت
“خضرا” الوضع حاليًا بعد حديث زوجها المنفعل معاها ، و من الجائز أن ترضي بالأمر الواقع و تتقبلها ضُرة لها، لكن سيظل مرضها الحائل بينها و بينه،
إذن لن تكون قادرة على تحقيق حلمه في إنجاب إبنٍ له، سيكون خطورة كبيرة على حياتها حينها..
حياتها!!! لا تهمها بالأساس، ما رأته خلالها جعل حالتها النفسية تسوء إلى أقصى حد، فأصبحت تتمنى لو تحصل على فرصة حتى تتخلص منها، لمعت عينيها ببريق أمل و تهللت أساريرها فجأة حين خطر على بالها فكرة حمقاء، ها قد وجدت تلك الفرصة أخيرًا..
“هحمل منك يا عبد الجبار”..
غمغمت بها بوعيد و إصرار، و أعين تفيض بالدمع رغم سعادتها التي ظهرت على وجهها أشرقت نوره، و عادت الدماء تغزو وجنتيها من جديد..
بينما “خضرا” أجهشت ببكاء حاد حصلت به على عطف زوجها الذي كان يلهث من شدة أنفعاله نافثًا الهواء من فتحتي أنفه بصعوبة ،
أخذ نفس عميق يهدأ به نوبة غضبه، و احتضن وجهها بين كفيه، يزيل عبراتها بأصابعه مكملاً بنبرة هادئة..
“ميهونش عليا دمعك يا غالية.. كفايكِ بكى عاد.. أكده هزعل منكِ صُح”..
“لع.. كله إلا زعلك عندي يا عبد الچبار” ..
همست بها و هي تلثم كف يده المصابة بقبله عميقة مكملة..
“هتحق لسلسبيل مَراتك، و هحب على رأسها كمان بس متزعلش مني و لا جلبك يكون شايل من چهتي أيتها حاچة يا خوي”..
تنهد” عبد الجبار “براحة، و انحني عليها مقبلًا جبهتها بعمق مغمغمًا..
” ربنا يكملك بعقلك يا أم فاطمة”..
………………….. لا حول ولا قوة إلا بالله…….
” سعاد”..
تجلس على الاريكة بجوار” فؤاد” والدها تتحدث معه بصوتٍ خفيض حتى لا يصل لسمع ابنها “جابر”..
” يعني دي تاني جوازة كمان للبت و ابني عايز يطلقها من جوزها و يبقي الراجل التالت في حياتها !!!”..
قالتها بملامح منذهلة، مصدومة و هي تضرب على صدرها بكف يدها..
زفر “فؤاد” بضيق، و تحدثت بتعجب قائلاً..
“هو ده اللي همك يا سعاد و مش همك بنت أختك اللي أكيد أول ما تشوفنا هتسألنا سبناها ليه كل السنين دي؟! “..
تحشرج صوت” سعاد ” بالبكاء مردفة ..
” و إحنا سبناها بمزاجنا يعني.. ما أنت عارف اللي حصل وقتها، و عارف كمان إن أبوها جبروت و ابني كان لسه عضمه طري ميقدرش يقف قدامه..
لكن دلوقتي ربنا يحفظه بقي راجل يسد عين الشمس هيبقي سند ليها و يقف في ضهرها و لو ليها حق هيجبهولها بس من غير جواز.. هي أه بنت أختي و غالية عندي و نفسي أشوفها و أخدها في حضني..
بس مش أغلى من ضنايا يا بابا و مستحيل أرضي إن ابني ياخد واحده خرج بيت واحد مش بيتين كمان حتى لو بنت أختي “..
” بس نوصل للبت الأول يا سعاد”.. قالها” فؤاد ” بضحكة ساخرة مكملاً..
” جوزها طلع تقيل أوي و صاحب أملاك ياما و ابنك داير يلف عليه زي الدبور و مش عارف يوصله لحد ما تعب من كتر اللف و مرمى نايم جوه زي القتيل”..
” و يارب ما يوصله يا حج”..
نطقت بها بتمني شديد، و تابعت بسرها..
” إلا أما أجوزه الأول البت صفا بنت جوزي.. تربية أيدي “..
……………………. صلِ على الحبيب………
” عبد الجبار “..
فرغ للتو من غُسلٍ كامل، هرول مسرعًا تجاه ثيابه المكونه من قميصًا أبيض اللون، و سروال من الجينز الغامق، حذاء كلاسيك أسود بلون الحزام الملتف حول خصره،
وقف مقابل المرآه يمشط شعره بعناية، أرتدي ساعته الفخمه حول رسغه، و خاتم من الفضه بأحدي أصابعه، نثر عطره المميز بكثافه، هندم ذقنه و شاربه بدقه فأصبح مثالًا للغواية و الفتنة..
كانت “خضرا” تتابعه بصمت، نيران قلبها أصبحت هادئة قليلاً الآن، بعد احتواءه لها خاصةً حين قال ..
“أني هفهم الدكتور يقول قدام سلسبيل إن هو اللي قدم معاد المتابعة..
لأنها المفروض الأسبوع الچاي.. بس عشان ميرضنيش يبقي شكلك مش ولا بد قصادها”..
“اللي تشوفه يا خوي”.. قالتها وهي تخفض رأسها و تبتعد عن عينيه التي تتابعها بنظرة متفحصة يقرأ بسهولة ما يدور بذهنها عبر المرآة..
جمع أغراضه المكونه من هواتفه ذات الماركات الشهيرة، و جزدانه الجلدي،نظارته الشمسية، مفاتيح سيارته،و أقترب منها حاوط كتفيها بذراعه هامسًا بأذنها بنبرته المزلزلة..
” في هدية مني ليكي هتعچبك قوي هتوصلك الليلة
بعد صلاة العشاء “..
أشهرت يديها الإثنين الممتلئتين بالاساور الذهبية، و أشارت على القلادات المعلقين برقبتها مرددة بفخر و هي تسير بجواره لخارج الغرفة..
“يخليك ليا و لا يحرمنيش منك واصل.. خيرك مغرقني يا سيد الناس”..
” و اللي خلق الخلق الحُرمة دي عملالك عمل يا ولدي”..
كان هذا صوت “بخيتة” التي جن جنونها حين رأت ابنها الذي كان يتشاجر مع زوجته
كما لو كان جمرة نار من شدة غضبه منذ قليل،الآن يهبط الدرج وهو محتضن رأسها و يبتسم ببشاشة كأن لم يكن شيء..
” أمه….. “.. قالها “عبدالجبار ” ضاغطًا على كل حرف بها، و هو يبتعد عن زوجته و يقترب منها مقبلًا رأسها، و يدها هامسًا برجاء..
“بكفايا نكد لحد أكده انهارده عشان خاطري يا أم عبد الچبار”..
رمقة” خضرا ” بنظرة سامّة مدمدمة..
“اممم.. لاچل خاطرك بس يا ولدي بس بشرط”..
صمتت للحظة و تابعت بخبث..
“تچبلي حفيد.. راچل يشيل اسمك وأسم أبوك و يكون سندك كيف ما أنت سندي و ضهري يا عبد الچبار”..
” كل شيء بأوان يا أم عبد الچبار “..
قالها و هو يرتدي نظارته الشمسية التي ذادت جذبيته أضعاف مضاعفة قبل أن يغادر المنزل بخطوات واسعة..
و بعد طول إنتظار لمحت طيفه يهل عليها، رفرف قلبها بشدة حين رأته مقبلًا عليها بلهفة أخفاها خلف نظارته السوداء، زينت شفتيه العريضة ابتسامة كان لها تأثير السحر عليها، أجبرتها على تأملها ببلاهة، نظرتها له متفحصة لا تخلو أبدًا من الإعجاب..
“عنك يا عبد الچبار بيه”..
أردف بها “حسان” و هو يركض نحوه مسرعًا، و فتح له باب السيارة الخلفي ..
“أيه الأخبار يا حسان؟”..
قالها “عبد الجبار” و هو يجلس بجوار زوجته، علقت أنفاسها بصدرها حين اقتحمتها رائحة عطرة الذي أشعل جميع حواسها دفعة واحده..
أجابه “حسان ” قائلاً..
“كلو تمام زي ما أمرتنا يا كبير”..
كانت “سلسبيل” هائمة بالنظر إليه بابتسامة حالمة، عينيها مثبته على شعره الفاحم الرطب،تتمنى لو تغرس أصابعها بين خصلاته..
لم تنتبه على حركة السيارة التي صدر عنها ضجيجًا عاليًا أثناء مغادرتها عبر البوابة المفتوحة على مصرعيها، تحت نظرات “خضرا ” التي تقف خلف النافذة تتابعهما بأعين يتطاير منها الشرر
بعدما لمحت نظرة الافتتان بأعين غريمتها لزوجها جعلتها تستشيط غيظًا و حقدًا عليها..
بينما “عبدالجبار” يجلس بجوارها المسافة بينهما لا تُذكر لكنهما لا يتلامسان، و رغم هذا كانت تشعر بذبذبات حاره منبعثه من جسده تجاهها إلى أن أحست بكفه قبض على يدها فجأة،
و أصابعه تتخلل بين أصابعها و تشتبك بهم بقوة دفعتها للإنهيار داخليًا فأطلقت أنفاسها المحبوسة برئتيها دون أدنى أرادة منها..
“خابر أني اتأخرت عليكِ.. حقك عليا”..
همس بها بنبرة بدت مدمرة، و هو يرفع يده المحتضنه كفها على شفتيه و لثمه بقبلة رقيقة أيقظت كل مشاعرها الخامدة تجاهه مرةً واحدة، شهقت بصوتٍ خفيض و قد فجأتها فعلته هذه و راقتها كثيرًا أيضًا ..
جاهدت حتى تبتعد بعينيها عنه، و نظرت للجهه الأخرى لتجد أنهم على الطريق السريع المعاكس للطريق المؤدي إلى المستشفى..
” أيه ده.. إحنا رايحين فين!!!!”.. نطقت بها و هي تتلفت حولها بصوتٍ مرتجف يعبر عن خوفها الشديد..
“ليه كل خوفك ده عاد”..تساءل “عبدالجبار” بقلقٍ جم، لترفع “سلسبيل” وجهها و تنظر لعينيه بعينيها الزائغة، و همست بصوتٍ اختنق بالبكاء..
“أوعي تكون موديني عند أهل أمي؟”..
لتستطرد دون أن تمنحه فرصة للرد عليها..
“أنا مش مستعدة أشوفهم دلوقتي خالص .. خايفة من اللحظة اللي هشوفهم فيها يصدموني بحاجة توجع قلبي زيادة وأنا مش حمل أي صدمات تانية تزعلني زيادة وأنا في حالتي دي”..
تنهد” عبد الجبار ” متفهمًا مشاعرها و خوفها، أبتسم لها و هو يبعد نظارته عن وجهه لتظهر عينيه التي تجعلها تمتثل رغمًا عنها للسحر الذي يبثه لها بنظراته،
إزداردت لعابها بتوتر حين وجدته ينظر لها نظرته التي تخطف أنفاسها، جذبها عليه محاوطًا إياها بذراعيه، استكانت بين يديه على الفور..
تنهد “عبد الجبار” بقوة مغمغمًا بخفوتٍ..
“أطمني.. متخفيش من أي حاچة واصل..
أني معاكِ و في ضهرك و مهسمحش لمخلوق يمسك بسوء، و كمان مش ناوي أوديكِ عندهم إلا لما تطيبي و تبقى زينة” ..
“طيب أنت واخدني على فين”.. غمغمت بها بخجل، و هي تتحاشي النظر لعينيه المحاصرة لها، رفع يده و إحتوي ذقنها بين أصابعه أجربها على النظر له مرة أخرى، تعمق النظر بعينيها التي تنجح في هزم كل قوته و عنفوانه و تجعله آسيرًا لها ليمد إبهامه ويلمس شفتها السفلى بحسيه شديدة خرجت من أعماق رجولته،
و أردف مسبلًا عيناه نحو شفتاها الحمراوين و مقربًا وجهه من وجهها ببطء..
” هخطفك أيه قولك”..
أسرعت بدفن وجهها داخل صدره تختبئ منه فيه بخجل حين لمحت نظرته المتلهفة لشفتيها..
“موافقة.. تخطفني يا عبد الجبار “..
دمدمت بها بهمس بالكاد وصل لسمعه، فضمها له بقوة أكبر، و هو يجذب يديها و يلفها حول خصره..
مر عليهما وقت ليس بقليل، ساعة أو أكثر لكنهما لم يشعروا به، كان مكتفيان بقربها لبعضها، منفصلان عن جميع ما حولها حتى توقفت السيارة و صدح صوت ” حسان ” قائلاً ..
” حمدالله على السلامة يا كبير”..
تنحنح “عبد الجبار” كمحاوله منه لإيجاد صوته مردفًا.. “احححم الله يسلمك يا حسان”..
دارت “سلسبيل” بعينيها بالمكان حولها، شهقت بفرحة غامرة حين وقعت عينيها على أمواج البحر تنصدم بالاحجار الضخمة صادرًا عنهما صوتٍ ينعش الروح..
” احنا في إسكندرية صح!!!! “..
تفوهت بها و هي تغادر السيارة، واضعة يدها الصغيرة داخل راحة يده الممدودة لها..
حرك رأسه لها بالايجاب، و سحبها خلفه لداخل منزل حديث الطراز ، يطل مباشرةً على مياه البحر بلونه الأزرق المتلألئ تحت آشعة الشمس الساطعة..
كان بستقبالهما العاملين بالمنزل يقفون بصف واحد، ترأسهم “عفاف” سيدة أنيقة بأواخر عقدها الرابع، تحدثت بابتسامة بشوشة قائلة..
“نورتي بيتك يا ست سلسبيل هانم”..
“بيتي!!!”.. تمتمت بها مذهولة، و هي تتنقل بينها وبين زوجها الذي ينظر لها بإبتسامة حانية مردفًا بتأكيد، و هو يحاوط خصرها و يضمها له و يسير بها بالارجاء..
“أيوه بيتك يا سلسبيل”..
صعد بها على الدرج، و هو يقول..
“چهزوا الوكل يا عفاف.. الهانم معاد علاچها كمان ساعة”..
“عفاف” بعملية.. “دقايق و الأكل يكون عند سيادتك يا عبد الجبار بيه”..
سارت معه داخل ممر طويل حتى توقف أمام إحدي الغرف، و وضع يده على المقبض ، و نظر لها قبل أن يفتح الباب..
كادت أن تصرخ هذه المرة وهي ترى غرفة أقل ما يُقال عنها أنها رائعة الجمال، مملوءة بأجمل الورود بمختلف انواعها و ألوانها،
دلفت معه للداخل بخطوات مرتعشة، لتجده يجذبها برفق نحو منضدة الزينة الموضوع عليها علب مخملية مفتوحة بداخلها أفخم المجوهرات التي صُنعت لها خصيصًا..
أوقفها أمام المرآة، و وقف خلفها و بدأ يخلع حجابها عنها حتى تخلص منه، فك عقدة شعرها لينسدل على ظهرها بنعومة و انسيابية، أمسك عقد من الماس على شكل قلب منقوش عليه حروف إسمها،
و قام بوضعه حول رقبتها ، زاد العقد جمالاً بها، فنحني عليها و عانقها بقوة هامسًا برومانسية..
“شبكتك يا ست البنات”..
قال جملته وهو يشير لها على باقي الذهب أمامها، و أمسك أوراق كانت بداخل مغلف مغلق فتحها أمام عينيها مكملاً..
“و ده عقد البيت بأسمك يا سلسبيل، و في كمان شيك بورثك في حق أخوى الله يرحمه”..
تتطلع حولها بأعين دامعة، مبهورة.. ما تعيشه الآن لم يخطر على بالها بيومٍ من الأيام..
“لمين كل ده يا عبد الجبار!!!”..
تأملها بعينيه الآسرة و نظرته العاشقه لها التي تُذيبها كليًا قائلاً بصوته القوي..
“للست سلسبيل هانم مَرات عبد الچبار المنياوي”..
سالت عبراتها على وجنتيها ببطء، و أبتسمت إبتسامة يملؤها الوجع مغمغمة..
“مراتك!!!”..
قرأ ما يدور بذهنها بشأن مرضها و عدم قدرتها على إعطاءه حقوقه، إحتوي خصرها بذراعيه، و انحني عليها ضمها لصدره بقوة طابعًا على خدها قبلاتٍ عميقة متتالية و هو يهمس من بينهم بحرارةٍ..
“أيوه مَراتي و عشج الجلب و الروح من أول مرة وقعت عينى عليكي فيها، و مكنتش خابر وقتها إنك أرملة أخوى يا سلسبيل”..
حديثه هذا لم تنتبه له جيدًا، فقربه منها بحميمية هكذا يبعثر مشاعرها و يفقدها إدراك ما يحدث حولها، أسبلت أهدابها و تنهدت مطوّلًا، ثم همست دون وعي بصوتٍ إختنق بالبكاء..
” أخوك ده أنا وافقت اتجوزه بسببك أنت يا عبد الجبار!!! “..
ر بااااه ماذا قالت!!!!
و ماذا قال هو!!!
نفس السؤال اقتحم عقلهما بأنٍ واحد، انتزعها من بين أحضانه دون أن يبعدها عنه، لتتقابل أعينهم بنظرة تلهف، و تحدثا بنفس واحد..
“وافقتي على چوازك من أخوى بسببي!!” ..
“شوفتني فين و أمتي؟! “..
انبلجت إبتسامة على محياة و هو يستعيد ذكري أول مرة رأها بها..
.. فلاش باااااااااااك..
بعد إنتهاء مراسم دفن شقيقه، عاد للمنزل و وقف لاستقبال واجب العزاء، كان صراخ و عويل النساء بالداخل يصم أذان الرجال بالخارج مما أغضبه كثيراً، فندفع نحوهم بملامح تشتعل غضبًا، و صاح بصوته الأجش و هو يتنقل بنظره بينهم يبحث عن والدته..
“أخرسي يا حُرمة منك ليها.. بكفاياكِ عاد يا أمه”..
هنا لمحها، وقعت عينيه على فتاة تجلس بإحدى الجوانب بمفردها، وجهها يظهر عليه أثار عنف، و كدمات تاركة بقع حمراء و زرقاء و رغم هذا كانت الفرحة تُشع من ملامحها الدامية، عكس جميع الحضور، سعادة عجيبة،
و غريبة ظاهرة على قسماتها الفاتنة التي شغلت جم انتباهه، لكنها لم تنتبه له على الإطلاق..
“مين دي يا حسان”..
أردف بها بصوتٍ خفيض، و هو يشير تجاهها بنظرة من عينه..
إجابه “حسان” قائلاً ..
“دي سلسبيل أرملة أخوك الله يرحمه يا كبير”..
عقد حاجبيه فأصبح عابسًا بشدة وهو يقول.. “أيه اللي عمل فيها أكده؟!”..
“أخوك الله يرحمه بقي و يسامحه كان شديد قوي قوي عليها”.. غمغم بها “حسان” بأسف..
و من تلك اللحظة، و هي سيطرت على تفكيره، و كأنها ألقت تعويذة سحرية على قلبه..
.. نهاية الفلاش باااااااااااك..
ختم حديثه و اختطفتها ذراعه كالخطاف وهو يحاوط بها خصرها ليجذبها اليه، و انحني بوجهه عليها هامسًا أمام شفتيها..
” كأن صورتك اتوشمت على جلبي”..
أبتسمت له “سلسبيل” و رفعت يديها احتضنت وجهه بين كفيها مغمغمة بستحياء..
“من يوم ما أبويا خدني و رجع بيا على الصعيد، و أنا بسمع عن عبد الجبار المنياوي الراجل اللي كل أهل البلد بتحلف برجولته و أخلاقه، و أد ايه هو صاين مراته و مخليها زي الملكة..
وقتها اتمنيت و دعيت ربنا يرزقني براجل زيك يحميني و ينجدني من جبروت و ظلم أبويا و مراته.. لحد ما عبد الرحيم طلب أيدي، و عرفت انه أخوك.. فرحت و وافقت على طول و قولت أكيد هيبقي زيك في أخلاقه، و افتكرت ان ربنا رحمني أخيراً”..
صمتت قليلاً تلتقط أنفاسها، و تابعت بغصة يملؤها الأسى..” بس للأسف مطلعش زيك يا عبد الجبار.. ده طلع جبروت عن أبويا، و انا من غبائي و سني الصغير وقتها قولتله أني كنت فكراه راجل زيك و هدته أني هشتكيه ليك أول ما أشوفك، ساعتها اتحول لوحش و كان هيقتلني،
و بقي كل ما يعرف إنك جاي البلد يكتفني في اوضتي لحد ما أنت تمشي”..
أنهت حديثها و انفجرت باكية ببكاء مزق قلبه لأشلاء ، بينما هو أخذها في عانق محموم حتى لم تعد قدميها لامسة الأرض، ذراعه ملتف حول خصرها، و ذراعه الأخر يربت به على شعرها بحنو..
كانت تهمس له بصعوبة بالغة من بين شهقاتها الحادة قائلة..
” مافيش ست في الدنيا مبتحلمش براجل يكون سندها، و ضهرها.. يحميها و يحسسها بالأمان “..
رفعت وجهها المتخضب بالحُمرة القانية، و نظرت لعينيه المتلهفة بعينيها الغارقة بالعبرات، و تابعت بتأوه..
“و أنت كنت حلم حياتي اللي متخيلتش أبدًا أنه ممكن يتحقق في يوم من الأيام يا عبد الجبار”..
تعالت وتيرة أنفاسه، و بدأ يلهث بوضوح و قد أشعلت بجسده حمم بركانية باعترافها الذي لم يخطر على باله أبدًا..
يلجم نفسه عنها بشق الأنفس، لصقها به بقوة، و يده تداعب جسدها بحميمية، و اقترب بوجهه منها حتى أصبح يتنفس أنفاسها، تحدث بصوته الأجش و شفتيه تمس شفتيها..
“رايدك.. رايدك يا سلسبيل”..
قالها قبل أن يطبق بشفتيه على فمها يتذوق ذلك الصخب من بين شفتيها و كم تاق لهذا……
انتهي الفصل..
هستني رأيكم يا حبايبي..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
رواية جبر السلسبيل. الجزء ٢٣ و ٢٤ و٢٥
.
.
.
.