اتنرفذ مجدي، ولف ابنه في بطانية صغيرة، ونزل بيه، ركب عربية هيونداي قديمة قدام العمارة، وطلع بيها على العمارة اللي ساكن فيها «أكرم» خال مايسة، وخبط عليه صحاهم من النوم..
أكرم قعد يعظم له
_ صباح الخير يا حاج مجدي، نورت بيتي يا حاج مجدي، اتفضل يا حاج مجدي
_ ادخل صحي الحيوانة اللي جوة قول لها ابنها بيصرخ من الجوع
_ الحيوانة مين لا مؤاخذة يا خاج؟
_ الزفتة مايسة بنت أختك
_ بس مايسة مش هنا، مايسة راحت لابوها
_ طيب خد الولد ده خليه مع مراتك، وتنزل دلوقتي تروح لابوها تجيبها من شعرها
_ بس انا مش بكلم ابوها
_ مليش فيه .. تروح لابوها وتجيب لي الزفتة دي .. واياك ترجع الورشة من غير ما تكون البنت دي معاك .. ملعو ن ابو كم على ابو نسبكم
مشى مجدي، ووقف أكرم يسقف على ايديه، ويلطم على خده زي الولايا، و غصب عنه اضطر يلبس وينزل، وهو بيرطن يقول لمراته.
_ يا ريتنا خليناها تنـــام هنا يا بومة يا بنت البومة
وعند بيت ابو مايسة، كانت المسكينة اتحايلت عليه يدخلها، ودخلت معاه فعلا البيت، وهو بيهرش في دمااغه ويقول لها:
_ طبعا انتي مش تحبي تخربي على أبوكي، وتزعلي مراته منه
_ لا يا بابا مش هينفع
_ طيب انتي لو قعدتي هنا ممكن مراتي ترفض، وتاخد عيالي وتسيب لي البيت
«فجأة طلعت مرات الأب، وعلى وشها مرسوم غضب الحياة كلها، وقالت له:
_ أنا مش من الستات اللي تزعل وتاخد عيالها وتسيب البيت .. ده أنا أطردك وأشردك في الشوارع ..
«مرات الأب بصت لمايسة من فوق ل تحت وقالت لها:
_ شقتي أوضتين وصالة يا حبيبتي .. ما تستحمـــلش قرف تاني أكتر م اللي فيه .. وانتي كلك نظر ..
«الاب اتحرج وبص في الساعة يشوف مواعيد شغله اللي كل مادا وتقرب»
تقول مايسة:
أنا قررت أنتحر! مفيش حل تاني غير إني أتخلص من حياتي..
مليش مكان ارتاح فيه غير القبر، بعد ما مرات أبويا طردتني، ومرات خالي قبلها، وقبل الكل جوزي..
خرجت من عند أبويا وانا سايبة نفسي لرجلي تروح بيا زي ما هي عايزة تروح، كده كده العقل شارد، والمخ واقف، ومفيش أي وسيلة ألجأ لها غير الانتــ..ــحار..
بالصدفة في طريقي لاقيت محل بيبيع فول وعدس وحبوب بالجملة، روحت له، ووقفت شوية، وقلت لنفسي أنه أكيد عنده حبوب غلا ل، أكيد بيستخ****ها علشان يحفظ بضاعته من البوظان..
.
.
ناديت عليه وقال لي أؤمري يا بنتي، كان راجل صعيدي، لابس جلابية وعمة، وعمره حاجة وخمسين سنة.
قلت له:
_ ممكن يا عمو تديني قرص أو قرصين حبوب م اللي بتحفظ بيهم الحبوب اللي بتبيعها..
الراجل قال لي:
_ من عنيا يا بنتي، بس يا ترى عايزاهم لأي نوع حبوب؟
قلت له فول
سألني: نوعه ايه؟
قلت له: بلدي
قال لي: الكمية أد ايه؟
_ قلت له: كتير
سألني: إردب ولا اتنين ولا تلات أرادب؟
أنا مش فاهمة يعني ايه يعني إردب، لكن لازم أجاوبه..
قلت له: تلات أرادب..
راح بص لي من فوق لتحت وقال لي: هو الإردب كام كيلو؟
قلت له: خمسة..
الراجل بص لي بنظرة غضب، وقال لي، انتي مش عايزة الحبوب علشان تحفظي بيها فول ولا حتى قمح، انتي عايزاها لغرض وحش والعياذ بالله، صح ولا لا؟
.
.
حسيت إن الراجل كشفني، وانا أصلا منهارة، وشكلي باين عليه الغلب، ومفيش حيلتي غير البكا والد موع، وانفجرت فعلا..
بكيت لدرجة اني حتى مقدرتش أهرب بعيد م الراجل..
بس قال لي جملة لا يمكن أنساها أبدا..
قال لي:
سكرات الموت أصعب من كل البلاوي اللي شايفاها في حياتك … ولو صبرت على مصايبك ورضيتي بنصيبك، هتلاقي سهلة معاكي، ويمكن تسهل لك سكرات المو ت..
«أنا خفت من المو ت بجد، خفت من المو ت جدا، مرعو بة منه، مش عايزاه»
الراجل فتح درج في ديسك خشب جوة المحل، وطلع ١٠٠ جنيه، وقال لي، ده كل اللي عملته من الصبح، شكلهم كده رزقك ومن نصيبك، وصبري بيهم نفسك لحد ما تتحل مشاكلك..
.
.
مش عارفة ازاي مديت إيدي وأخدتهم، مع إني خجولة جدا ومستحيل آخد حاجة من حد، بس انا مش محتاجة الفلوس أوي، والراجل خطفني بذوقه حسيت إنه أبويا ..
«لا مش أبويا، ده احسن من أبويا، لأن أبويا خذلني»
مشيت على رجلي، وأنا تايهة في البلاد، مش عارفة أروح فين..
دخلت شوارع عمري ما شفتها، وكل ما ألاقي عربيات ماشية في طريق أمشي وراها لحد ما لاقيت نفسي واقفة على الطريق السريع، مصر اسماعيلية الصحراوي..
الشمس غابت، والغروب حضر، والليل بدأ ينزل، والدنيا اسودت في ضهري، ومفيش غير نور الطريق السريع..
شاورت لعربية راجعة المكان اللي انا كنت فيه، لأني خفت أبعد عن المكان اللي اعرفه..
ركبت العربية ورجعت مشي لحد محل الحبوب اللي فيه الراجل الصعيدي..
.
.
ولاقيت فيه شاب واقف، لابس جلابية صعيدي، وكان باين عليه إنه مثقف خالص..
لاقيت ع الديسك لاب توب، وشوية كتب..
سألته:
_ هو الحاج الكبير اللي كان هنا الصبح راح فين؟
قال لي إن ده أبوه، وبيوقف في المحل لحد المغرب ويروح البيت يرتاح..
طلبت منه أروح له البيت، عايزة أقصده في خدمة..
رواية ليلة هروب البائسة. الجزء الثالث
.
.
.
.
.
.