رواية ليلة هروب البائسة بقلم سيد داود المطعني
_ امشي اطلعي برة بيتي يا حلوفة، اياك ترجعي هنا تاني .. انتي طالق طالق طالق
_ حــرام عليك، هروح فين بعد نص الليل دلوقتي، أبوس أيدك استنى لحد الصبح
«مشى مجدي ناحيتها بكل قسوة، ومســكها من شعرها يجرجرها قدام اصحابه اللي قاعدين بيحششوا في الصالة»
فتح الباب ورماها برة بدون رحمة..
رفض يخليها تلبس حاجة فوق لبس البيت اللي عليها، رفض يخليها تاخد شنطة أيدها اللي فيها فلوسها وتليفونها واثباتات شخصيتها، ورفض كمان يخليها تاخد ابنها الرضيع اللي بيصرخ جوة ده..
طلعت «مايسة» في عز الليل للشارع، في منطقة عمرانية جديدة قريبة من الصحراء والجبل، مفيش فيها غير كلاب ضالة بتعوي..
مفيش حاجة تسترها، ولا حتى حذاء في رجلها يحميها من وخزات الإسفلت اللي ماشية عليه..
بتبكي وهي هتنفجر من العياط، بتندب حظها وخايفة من ولاد الليل اللي بيرجعوا من القهاوي شاربين مخــدرات ومش شايفين قدامهم غير شياطين بترشدهم..
مفيش مكان لمايسة في المنطقة دي غير بيت خالها «أكرم» هو أكبر منها بسبع سنين، وبيشتغل عند جوزها في ورشة السيارات بتاعته، ومن شلة المخـــدرات اللي بتروح تحشش معاه في البيت..
مشيت المسكينة والرعب حواليها في كل مكان، مش عارفة تروح فين ولا تعمل ايه، وخلت رجليها تسوقها لحد بيت خالها..
الساعة اتنين بعد نص الليل، وكل سكان العمارة نايمين، عمارة خمس أدوار بس وملهاش بوابة ولا بواب، مفتوحة لأي حد يدخل ويخرج زي ما هو عايز..
وقفت مايسة تخبط على شــقة خالها في الدور الخامس، ملهاش جرس، والباب حديد علشان الحــرامية أكتر من السكان في المنطقة دي، خبط كتير على الباب ومفيش حد بيرد، لحد ما كانت هتفقد الأمل وترجع
لكن أخيررا.. .
اتفتح الباب من جوة، وخرجت مرات خالها، بنت شابة عمرها تسعة وعشرين سنة، يعني أكبر منها بتلات سنين بس، شعرها منكوش، ومكشرة، ضاربة بوز ينكد على مديرية كاملة..
أول ما شافت مايسة قدامها اتضايقت، وكشرت في وشها، والمسكينة مش عارفة تتكلم من البكاء ورعشة البرد
_ خالي هنا يا نجلاء؟
_ خالك راجع م الورشة مطحون، وفي سابع نومة دلوقتي..
_ ممكن تصحيه تخليه يلحقني..
_ لا يا مايسة مش هصحيه، ارجعي بيتك بالقرف اللي انتي لابساه ده الله لا يسيئك روحي..
_ حـــرام عليكي يا نجلا، صحي لي خالي يشوف لي حل في المصيبة دي..
_ يا ستي حلي مشاكلك بعيد عنا .. جوزي مش مكفي مشاكلنا لما هيشيل هم مشاكلك
«مايسة بتنزل تبوس أيدها بلهفة وهي بتبكي»
_ أبوس أيدك يا مرات خالي، أبوس أيدك صحيه يجيب لي ابني
_ أوف .. مصيبة تاخدك انتي وابنك في يوم واحد
«خرج خالها على صوتهم، وكانت عيونه غالبها النوم، عمره تلاتة وتلاتين سنة، وشنبه عريض وكبير، بس جسمه رفيع خالص»
شافها واتنرفذ، وكأنها بعصبية:
_ في ايه يا مايسة؟ عايزة ايه؟ ايه اللي جابك دلوقتي؟
.
.
_ إلحقني يا خالي، مجدي طلقني وخد ابني منــي، وطردني باللبــس اللي انت شايفه.
_ وانا هعمل لك ايه؟ ما اهو طلقك سبع مرات قبل كده، وكل مرة كان تاني يوم بيرجعك .. روحي اقعدي عند بيتك للصبح يا مايسة، يكون جوزك فاق م السطلان اللي هو فيه وهيدخلك علشان تعملي له الفطار
_ مش عايزة ارجع له تاني يا خالي، وعايزة ابني
_ اسمعي يا مايسة! أنا بشتغل عند جوزك، ومش حا اتحــمل منه أي شتيمة في الشغل بسببك، روحي اترزعي قدام بيت جوزك لحد ما يفتح لك الباب الصبح زي كل مرة
_ كرامتي يا خالي اتهانت، هان كرامتي قدام المساطيل اصحابه، كان عايزني أسيح لهم حشــيش السهرة .. ولما رفضت ضربنــــي وجرجرني من شعري
_ أووووف .. أمشي من هنا يا مايسة، روحي عند أبوكي، حلي عن سمايا أنا عندي عيال زي أربيهم..
«خالها قفل الباب في وشها ورفض حتى يطلع لها عباية من عبايات مراته تستر بيها نفسها، كل ده علشان يجبرها ترجع لجوزها، ويتجنب التهزئ في الشغل»
مايسة نازلة والليل كل ماله وبيبقى أوحش وأخــطر، وتخويفه أكتر..
ماشية تبكي وتترحم على أمها..
أمها اللي ماتت وسابتها لوحدها تشوف الويل ده كله من صغرها.
.
.
خالها هو اللي رباها، وبسرعة قام مجوزها لسيده وتاج رأسه الحشاش، علشان ينفرد بالشــقة..
الشـــقة اللي هي تورث فيها حق أمها، وكمان حق جدتها اللي كتبت لها نصيبها فيها علشان خالها ميطردهاش منها..
ومن يوم ما مايسة اتجـــوزت الحشاش ده وهي عايشة في عذاب، كل يوم يحشش مع أصحابه في بيتها، ولازم تكون سهرانة، علشان تعمل لهم ساندويتشات الكبدة اللي بيجيبوها، قال ايه الحشــيش بيخليهم يجوعوا..
مستنقع من القرف عايشة فيه مع واحد متخلف مش حاسس بقيمة النعمة اللي هي فيها، وكل يوم يضـــ..ـــربــــها بالحذاء ويشتمها بأهلها، وبخالها اللي شغال مرمطون عنده، وبيروح يشرب حشيـــش عنده ببلاش..
أصوات رياح مرعبة، مختلطة بأصوات كلاب في المنطقة، وهي في قمة الرعب، ماشية تتلفت حواليها، مفيش حتى عريية تعدي تنتشلها من اللي هي فيه..
.
.
مجدي متوقع إنها زي كل مرة هتنتظر برة البيت لحد الصبح، يقوم من النوم يفتح لها، لكن المرة دي كرامتها نقحت عليها، ورافضة أي رجوع..
كلب صغير نايم في الطريق جنب أمه، ومايسة مش واخدة بالها منه، وداست على ديله، الكلب الصغير قام يصرخ، والمسكينة من خوفها اتفزعت وراحت تجري قدامه..
الكلبة الأم جريت وراه، مع صوت نباح وكانت في منتهى السرعة، وكل الكلاب اتجمعوا عليها وكله بيجري ورا المسكينة..
صـــــــ..ـــــــراخ، واستغاثات في قلب الليل، لحد ما شافت راجل متلحف ونازل من عمارة، وقالت إلحقني يا عمووو.
.
.
الراجل جري ناحيتها ورفع طوبة رماها ناحية الكلاب وقفهم، وبدأ يبعدهم عنها، وشاف هدومها..
_ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم .. لو جن ف «سلام قول من رب رحيم» ولو إنس انتي مين؟ وليه عاملة في نفسك كده؟
_ إنس يا عمو والله إنس، وحياة ابني إنس
_ وليه عاملة في نفسك كده يا بنتي؟
_ جوزي طلقني يا عمو وطردني من بيتي بالهدوم اللي عليا
.
.
_ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، شباب أرعن عديم المسؤولية .. ومين جوزك ده يا بنتي؟
_ جوزي مجدي كاوتش، صاحب ورشة الأمانة
_ أعوذ بالله .. ربنا يكفينا شره
«الراجل خلع التلحيفة بتاعته، ومدها لها
_ خدي يا بنتي استري نفسك ب دي، لفي جسمك كله فيها، وقولي لي أهلك فين؟ رايحة فين؟
_ رايحة عند بابا .. بس مش معايا فلوس للمواصلات
_ تمام فهمت
الراجل رجع بيها البيت، وخلاها تاخد عباية من مراته، وأدالها ١٠٠ جنيه في ايدها، ووصلها لحد موقف الميكروباص علشان تركب من هناك، وهو كمان راح شغله..
الميكروباص خد ساعة بالظبط يحـــمل، لحد ما الضحى بدأ يظهر، والركاب اجتمعوا ومشي بيهم، والمسكينة **دمعتها على خدها، ورايحة بيت أبوها تطلب منه يطلقها من جوزها..
أبوها كان يفطر الصبح بدري، علشان نازل شغله، ومرات أبوها «أم صورم» ست عقربة مش بتكره في حياتها أكتر من المسكينة مايسة..
أبوها جبان بيخاف من مراته، ده حتى هو اللي قام فتح لها الباب، ووشه اتغير لما شافها، ومراته كانت نايمة جوة..
مايسة بتقول له صباح الخير يا بابا
رد عليه بكل خوف وجبن، وهو باصص وراه على غرفة مراته يشوفها برة ولا جوة وقال:
_ مش باين إنه صباح الخير يا مايسة خالص..
_ عايزاك تجيب لي ورقة طلاقي منه يا بابا وتجيب لي ابني
_ ورقة طلاقك من مين؟
_ من مجدي جوزي
_ وهو جوزك ده حد يقدر عليه يا بنتي؟ ده راجل بلطجي، ومقتدر..
«مايسة بتحاول تدخل جوة الشـــقة تكمل كلامها، لكن إيد أبوها كانت في نص الباب بتعترض دخولها..
الراجل نفسه يخليها تدخل بس خايف..
وهناك في بيت جوزها، كان مجدي صحي من النوم على صوت صـــ…ــــراخ الطفل، وفضل يزعق ويشتم، وينادي على مايسة..
لكن مفيش مايسة، وافتكر إنه طردها من البيت في نص الليل، وجري على الشارع يفتح الباب يشــ..ــــوفها تكون نايمة قدام الشــ..ــــ..ــقة، لكن المرة دي مفيش مايسة……….
رواية ليلة هروب البائسة. الجزء الثاني
.
.
.
.