رواية جبر السلسبيل. الجزء ٢٩ و ٣٠

.الفصل ال29..
جبر السلسبيل..
✍️نسمة مالك✍️..

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­

بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..

كانت ليلة استثنائية زاخرة بالمشاعر، نسي “عبد الجبار” معاها كل شيء بصورة مؤقتة لينعما معًا بلحظاتٍ من العشق.. عشق فاق كل الحدود حتى وصل حد الجنون..

مرت عليهما ساعات الليل الطويلة كما لو كانت دقائق معدودة، حتى غلبه النعاس و استسلم لنومٍ مجهد، بينما “سلسبيل” استغلت الفرصة و طلبت من العاملين بالمنزل
إحضار أدوات خاصة بالرسم فنصاعوا لها في التو و اللحظة، لتتمكن هي من رسم لوحة فريدة لزوجها أثناء نومه،

رسمت ملامحه بدقه و إتقان مُبهر حتى جسدت هيئته كما لو كانت صورة ملتقطة بأحدث الكاميرات الحديثة، و فور انتهاءها أحضرت هاتفها الذي أهداه إليها ، و ظلت تلتقط برفقته الكثير و الكثير من الصور بأوضاع مختلفة و هي داخل حضنه..

و العديد من الفيديوهات القصيرة لهما سويًا كانت تقبله فيها قبلاتٍ رطبة متعمقة على لحيته الكثيفه، سعادة بالغة تعيشها الآن برفقة الرجل الوحيد الذي كان بالنسبة لها مجرد أمنية لم يُخيل لها بيومٍ أنها تتحقق، و تصبح زوجة “عبد الجبار المنياوي”..

نعمها بفيض من الغرام أهاله عليها بكرمٍ و شغف فلم يسعها سوي الاستسلام الكامل له حتى رضاها و عالج جروحات قلبها الغائرة، تحيا مشاعر جديدة كليًا عليها، أعادت قلبها ينبض بالحياة، جعلت روحها تنتعش، اعطتها ثقه بنفسها كانثي و امرأه مرغوبة..

فالمرأة تستطيع أن تفارق الرجل الغني، وتستطيع أن تفارق الرجل الوسيم، ولكنها لا تستطيع أبدًا أن تفارق الرجل الذي طيب خاطرها، الرجل الذي أشعرها بالأمان وأنه لا يستطيع أن يستغني عنها، الرجل الذي كان سندًا لها،

و مسح دموعها في لحظات ضعفها، الرجل الذي حماها من تدخلات أهله وأهلها في حياته وحياتها، فالقلوب لا تُشترى بالمال ولا بالقوة ولا بالوسامة، القلوب تُشتري بالمعاملة الطيبة و هو قد نجح بجدارة في شراء و امتلاك قلبها حتى أصبح هواه يجري بداخلها مجري الدماء..

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

و برغم كل هذا إلا أنها تشعر بخوف يجعل قلبها ينقبض من آنٍ إلى آخر،شيئًا ما تجهله أو ربما تتجاهله يُسبب لها ريبة و قلق من القادم..

وضعت الهاتف من يدها، اخفت رسمتها أسفل وسادتها، تكومت داخل أحضان زوجها الدافئة الذي احتواها بلهفة مهمهًا بأسمها أثناء نومه العميق، رفرف قلبها بشدة حين وصل لسمعها همسه الحار بأسمها..
“حبيبي يا عبد الجبار”..

ناحت بها من شدة تأثرها، ضمته إليها بكل ما أوتيت من قوة و حب، أغلقت عينيها و اندست أكثر بين ضلوعه مستسلمة هي الأخرى لنومٍ آمن تشعر به و هي بين ذراعيه فقط..

……………………………. صلِ على الحبيب…..

“جابر”..

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

ظل برفقة والدته داخل المستشفى لم يتركهما حتى استعادة “صفا” وعيها بعد وقت ليس بقليل ، فقلة غذائها و حالتها النفسية السيئة عرضوها لضعف شديد أدى إلى فقدانه للوعي بالأخير، فور تحسن حالتها سمح لهم الطبيب بالخروج،

كانت تسير بصعوبة مستندة على زوجة والدها التي تعتبرها بمثابة أم لها، لم تنتبه لوجود “جابر” على الإطلاق، بينما هو اقترب منهما فور خرجهما من غرفة الكشف الخاصة بالنساء، و تحدث بهدوء موجهه حديثه لوالدته..

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

“سبيها.. أنا هشيلها أوديها العربية”..
كان يتحدث دون النظر لتلك التي رفعت وجهها، و من ثم عينيها و رأته لمرتها الأولى، انقطعت أنفاسها لوهلة من هيئته و وسامته الجذابة ،

و شهقت بخفوت حين رأته مقبلًا عليها بعدما أعطى لوالدته أغراضه المكونه من هواتفه و مفاتيح سيارته، و هم بوضع يده حول خصرها و الأخرى أسفل ركبتيها إلا أنها ابتعدت عنه سريعًا و هي تقول بخجل ..
“أيه ده يا أستاذ أنت هتعمل أيه!!!!”..

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

“متخفيش يا صفا..خليه يشيلك ده مش غريب يا حبيبتي.. ده ابني جابر اللي حكيت لك عنه”.. نطقت بها “سعاد” وهي تدفعها برفق نحو “جابر” الواقف أمامها بطوله الفارهه حتى اصتدمت بصدره، تراجعت “صفا” للخلف مبتعده عنه على الفور مرددة بخجل ..
” أنا بقيت كويسه يا ماما سعاد الحمد لله وهقدر أمشي لوحدي”..

ختمت حديثها و سارت بخطوات بطيئه و جسد يترنجح بوضوح، ربتت” سعاد” على ظهرها متمتمة بحنو..
” يا بنتي خليه يساعدك أنتي مش قادرة تمشي”..
نظرت لها “صفا ” برجاء و حركت رأسها بالنفي أكثر من مرة..

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

قدر ” جابر ” حياءها، و سار بجوارهما حتى وصلوا للسياره، فتح لهما الباب فساعدتها والدته على الصعود، و صعدت بجوارهما، أما هو جلس خلف المقود و قاد بهما مرة أخرى للمنزل، كل هذا و هو لم يرى وجهه” صفا” إلى الآن، عقله و قلبه منشغل بصغيرته “سلسبيل” لا و لن يستطيع أن يشغل فكره أحدًا سواها..

بينما “صفا” كانت تسترق النظر له عبر المرآه، ها هو الشاب الذي كانت تحكي لها عنه والدته قصصًا عديدة توصف بها شهامته و رجولته التي ليس لها مثيل من وجهة نظرها و كم تمنت أن تزوجها له و مازالت تتمنى حدوث هذا وتدعو به من صميم قلبها..

أطلقت “سعاد” زفرة نزقه من صدرها و تحدثت بأسف قائله..
“أول مرة تشوفوا بعض فيها توديها المستشفى يا جابر.. كان نفسي تتقابلوا في ظروف أحسن من دي”..

تفهموا مخزي حديثها و ما تقصده، لمحت “صفا” الغضب الذي اعتلي ملامح “جابر” و عينيه التي رمقة والدته بنظره يتطاير منها الشرر، فتحدثت بابتسامة تخفي خلفها حزنها قائلة ..

” إن شاء الله تتعوض في فرح أستاذ جابر.. بس متنسوش تعزموني أنا و بابا عليه”..

كانت تريد أن تصل له رسالة مباشرة أنها لا تفكر فيه مطلقًا، يكفيها ما مرت به و التجربه الصعبة التي عدت عليها و لم تفق منها بعد..

هنا رفع “جابر” عينيه و نظر لها أخيرًا عبر المرآه لتتقابل أعينهما في نظره خاطفه أخبروا بعضهما بها أن قلب كل منهما منشغل بشخص أخر..

رمقتها “سعاد” بنظره عابسة بشدة و هي تقول بعتاب..
“بقي أنتي و أبوكي عايزين عزومه يا صفا و أنتي اللي هتكوني الع!!!”..

“هكلمك على الضهر كده عشان لو هتقدري تيجي معايا عند سلسبيل افوت عليكي في طريقي أنا وجدي”..

هكذا قطع “جابر” حديثها جعلها تصطك على أسنانها بغيظ من أفعاله التي لا تروقها نهائيًا، و تحدثت بغضب قائله..
” أنا مش هعرف أجي معاك و أسيب بنتي و هي تعبانه كده “..

قالتها قبل أن تغادر السيارة برفقة” صفا” بعدما توقف” جابر ” أمام منزلهما، أبتسم لها” جابر” ابتسامة مصطنعه و هو يقول بثقه..
“و سلسبيل كمان زي بنتك و كمان قريب أوي هتبقي مرات ابنك يا أم جابر”..

رمقته” سعاد” بنظرة تحدي مدمدمة..
” امممم.. اللي بتقوله ده على جثتي لو حصل يا جابر”..

…………………….. لا حول ولا قوة إلا بالله….

كان الوقت فجرًا، لحظات ظلام الليل الأخيرة ظلت “سلسبيل” تقاوم رغبتها في النوم كلما غلبها النعاس حتى تظل مستيقظه تملي عينيها برؤيا زوجها، و تتشبع من النظر إليه و حفر ملامحه بقلبها و وجدانها،

أصابعها الصغيره التي تسير على وجهه تداعب لحيته، و شعره الأسود الغزير قابضت على حفنة منه بين أصابعها و ملء راحتها، افاقته من أحلامه التي كانت هي وحدها بطلتها..

فتح عينيه بتكاسل و رمقها بنظراته المُتيمة، و أنامله تجد طريقها إلى خطوط عنقها المساء، حانت منه إلتفاتة نحوها و غمر وجنتها بقبلاته التى خدرتها و أذابتها كليًا..

كانت هي هائمه به تنظر لعينيه الآسرين و شعره المشعث بفوضويه مثيره جعلته مثالاً للغواية و الفتنة..

سحبها عليه محاوطها بجسده العريض و عضلاته القويه ليكرر من جديد لحظاتٍ من الحميمية معاها و صِلة تحكمها الموّدة العميقة المتبادل بينهما..
“عبد الجبار!!!”..

في بادئ الأمر يظن أنه مازال يحلم بها، لكن همسها بأسمه أعاده لواقعه ، تذكر زوجته “خضرا” المتواجدة بالمستشفى بمفردها، أبتعد عنها على مضض و سحبها معه و نهض بجزعه معتدلًا بالفراش،

مد يده و جذب هاتفه ينظر به ليعرف منه الوقت، تنهد براحه حين وجد الوقت مازال باكرًا على موعد افاقتها، لكنه مع ذلك تحدث بإصرار..
“لازم نعاود مصر دلوجيت”..

“ليه عايزنا نرجع بالسرعة دي يا عبد الجبار “..
همست بها بنبرة يملؤها الخوف، ابتلعت لعابها بصعوبة، و تابعت بخجل..
“أنت خطفني يومين بس مينفعش يبقوا أسبوع!!.. أو سبني هنا مع دادة عفاف لو أنت عندك شغل مهم و لما تخلص شغلك أبقى تعالي”..

لثم جبهتها بحب، و تنهد مطوّلًا، ثم قال بأسف..
” مينفعش اهملك اهنه لحالك..مش هبقي مطمن عليكِ، و أنتي ريداني أكون وياكِ وجت ما أهلك يچو صُح؟؟ “..

حركت رأسها له بالايجاب، ليكمل هو بلهفة..
“و عشان أكده أني چيت لاچل ما أخدك و نعاود يا سلسبيل”..

صمت لبرهةً و كاد أن يخبرها بحالة “خضرا” الصحية إلا أنه شعر بجسدها يرتجف، و قد داهمتها رغبة قوية للبكاء و هي تقول بصوتٍ بالكاد يُسمع..
” أنا خايفه و قلبي مقبوض يا عبد الجبار”..

فضل الصمت و عدم أخبارها الآن بما فعلته” خضرا “،و ضمها لصدره بقوة،مسد على ظهرها بكف يده بأقصى ما لديه من لطف و هو يتمتم برفقٍ..
” مش عايزك تخافي من حاچة واصل.. أني افديكِ بروحي و عمري كله يا حبة الجلب”..

رفعت عينيها التي ترقرقت بها العبرات و نظرت له بعينيها نظرتها التي تُذيب قلبه المُتيم بها عشقًا و همست بصوتٍ مرتعش..
“و أبله خضرا.. أنا كنت وعدتها “..

أطبقت جفنيها بعنف لتهبط من عينيها دمعة حارقة و تابعت بحشرجة..
“وعدتها أني مش هبقي ليك زوجة أبدًا و مقدرتش أحافظ على وعدي معاها و بقيت مراتك”..

صاح فجأة بعصبية مفرطة.. “وعد أيه ده اللي بتقولي عليه.. انتي مراتي..مراتي يا سلسبيل على سنة الله ورسوله قولتيها بخاشمك.. يعني لا عملتي حاچة حرام و لا عيب تخجلي منها، و خضرا عارفه أكده زين حتى لو مش قادرة تقبل بيه دلوجيت،
هيجي عليها الوجت اللي هتقبله و ترضى و تعرف أنك مراتي كيف ما هي مراتي و اني عمري ما هقصر في حق واحدة منكم”..

هدأته ماسحة على وجهه برفق و هي تقول بابتسامة دافئة ..
“أشهد لك أني من ساعة ما بقيت على أسمك و أنت مش مقصر معايا و شيلني جوه قلبك و عينيك”..
تعلّقت عينيها بعينيه أكثر و هي تقول بتسامحٍ أراحهما معًا..

” و ده كفاية عندي والله يا حبيبي.. مش عايزه حاجة من الدنيا تاني غير اني أفضل في حضنك و تحت حمايتك كده عمري كله يا عبد الجبار “..

انبلجت ابتسامة واسعه على قسماته و تراقص قلبه فرحًا، و قد غمره شعور أكثر من رائع حين رأي عشقها له ظاهر بعينيها، و اعترافها له أنه مصدر قوتها و حمايتها و لن تستطيع الإبتعاد عنه،

و كذلك” خضرا ” التي كادت أن تقتل نفسها من شدة حبها له، اذدادت ابتسامته اتساع و هو يطمئن نفسه أنها و بكل تأكيد سترضخ و ترضى بوضعهم الحالي لإنها أيضًا لن تستطيع الإبتعاد عنه هي الأخرى ، تملك منه الغرور قليلاً جعله يظن أنه سلطان على عرش قلب امراتان ضمن وجودهما في حياته..

الفصل ال30 و الأخير من الجزء الأول ..
جبر السلسبيل..
✍️نسمة مالك✍️..

.. بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة الا بالله..

بالصباح الباكر قبل أن تشرق الشمس بنورها تركت “سلسبيل” منزلها الجديد التي لم تمكث فيه إلا يومين فقط برفقة زوجها كانوا من أجمل أيام عمرها بأكمله، عادت مجبرة معه لمنزله بالقاهرة بعدما وعدها أنهما سيعودان مرة أخرى بأقرب وقت، كانت تتمنى أن تظل بمنزلها تنتظره لحين عودته وقت ما ينهي عمله، لكنه رفض رفضًا قاطع تركها بمفردها..

كان القلق واضح على ملامح وجهها الباهته، بل الخوف أيضًا ظاهر بنظرة عينيها الحزينة، خوف من مواجهة “خضرا” التي عاهدتها بأن “عبد الجبار” لن يصبح زوجًا لها مهما حدث،

و الآن قد خلفت عهدها معاها و لم تستطيع الصمود أمام فيض الغرام الذي أهاله عليها زوجها بكرمٍ و شغف جعلها تستسلم له و تبادله غرامه هذا بدون أدنى إرادة منها حتى استطاع التسلل لأعماق قلبها و نثر عشقه بداخله.. عشق خالص تعيشه لأول مرة بحياتها..

بينما “عبد الجبار” كان يجلس بجوارها بأريحية ،مكتفي بضمها لصدره كمحاولة منه لبث الطمأنينة بقلبها،فهو يشعر بها و يقرأ ما يدور برأسها ..

انتفض جسدها بين يديه بذعر حين توقفت السيارة بهما بحديقة منزل درتها..
“و بعدهالك عاد يا سلسبيل ..ليه كل خوفك ده؟ ، كيف تخافي أكده و أنتي چوه حضني!!!”..

“خايفة تضيع مني بعد ما لقيتك يا عبد الجبار”..
همست بها “سلسبيل” بصوت اختنق بالبكاء، و هي تتمسك بثيابه بكلتا يدها لعلها تمدها ببعض القوة..

احتضن وجهها بين كفيه جعلها تنظر لعينيه التي يزينها بريق جديد بفضل عشقه لها، و تحدث بابتسامته الجذابة قائلاً..
“معوزكيش تخافي من حاچة واصل.. أنتي مَراتي و هتفضلي مَراتي لحد أخر يوم في عمري.. مهيفرقنيش عنك إلا موتي يا سلسبيل”..

“بعد الشر عليك.. متقولش كده تاني”.. قالتها بلهفة و هي تسرع بوضع أناملها الصغيرة على فمه تمنعه من استكمال حديثه،

لثم أصابعها بعمق مرات متتالية قبل أن يقبض على يدها الصغيرة جدًا بين قبضته الضخمة و سحبها عليه واضعًا يد حول خصرها، و الأخرى أسفل ركبتيها و حملها على ذراعيه بمنتهي الخفة

و غادر السيارة بعدما فتح له السائق بابها، و سار بها تجاه باب المنزل الداخلي خلفهما دادة “عفاف” التي كانت تجلس بجوار السائق بعدما أصرت “سلسبيل” أن تأخذها معاها ..

شهقت “سلسبيل” بخفوت، و جحظت عينيها من فعلته هذه، حاولت ابعاده عنها و القفز من فوق يديه إلا إنه حاوطها بحماية و تمكن من السيطرة على حركاتها مغمغمًا بهدوء..

“أهدي أمال أنتي صاحية من عشية و مدروخة من قلة النوم و ممكن تغمي مني.. خليني أوصلك لسريرك لاچل ما ترتاحي هبابه على ما أخلص شغلي و اعاود”..

“طيب نزلني يا عبد الجبار بالله عليك لحد يشوفنا”..
غمغمت بها و هي تتلفت حولها تتأكد من عدم وجود أحد، تنهدت براحة حين وجدت الهدوء يسود أرجاء المكان يدل على أن الجميع نيام،

انكمشت على نفسها داخل حضنه، ألقت بثقل رأسها على كتفه و قد بدأ يغلبها النعاس..

دلف بها داخل غرفتها غالقًا الباب خلفه و وضعها على الفراش بتمهل و يده تبعد عنها عبائتها و حجابها و حتى حذائها، تركها ب منامتها الوردية، و عدل وضعها بوضع أكثر راحة..

دثرها جيدًا بالغطاء و مال على وجنتيها اقتطف منهما حفنة من القبلات الرطبة مرددًا بصوته الأجش..
“نوم العوافي يا جلب عبد الچبار”..

همهمت هي بإسمه بين النوم و اليقظة قائلة بنبرة متوسلة..
“متتأخرش عليا”..
فتحت عينيها بتكاسل تبحث عن دادة “عفاف” فلم تجدها بانحاء الغرفة، فشحب لونها و هي تقول بتساؤل..
“هي فين دادة عفاف؟!”..

“أنا هنا أهو يا سلسبيل هانم”.. قالتها” عفاف ” الواقفة على أمام باب الغرفة..

“أدخلي يا دادة.. تعالي يا حبيبتي”..
نطقت بها” سلسبيل ” و هي تشير لها بيدها على الفراش بجوارها..

انتصب “عبد الجبار” واقفًا، و تحدث و هو يسير لخارج الغرفة قائلاً بأمر ..
” متهمليش الهانم لوحدها واصل يا عفاف”..

” أمرك يا عبد الجبار بيه”..
قالتها “عفاف” التي اقتربت من” سلسبيل ” و فكت عقدة شعرها، و رتبت الوسائد خلف ظهرها، كانت “سلسبيل” عينيها معلقة بزوجها الواقف على الباب ممسك مقبضه بيده،

ألقى لها قبله بالهواء و ابتسم لها إبتسامة يملؤها الحب مغمغمًا قبل أن يغلق الباب خلفه..
” هرچعلك طوالي”..

نظرت “سلسبيل” ل “عفاف” و تحدث بنبرة راجيه قائلة..
“دادة عفاف متسبنيش لوحدي خالص .. خليكي جنبي هنا حتى و أنا نايمة”..
صمتت لبرهةً و تابعت بأسف..

“أنا خايفة أوي من أبلة خضرا و مش عارفة رد فعلها هيكون أيه لما تشوفني”..
تجمعت العبرات بعينيها و بتقطع تابعت..
“أنا حاسة أني خاينة و خطفت منها جوزها أبو بناتها يا دادة”..

ربتت “عفاف” على شعرها بحنو و تحدثت بتعقل قائلة..
“يا بنتي متشيليش نفسك فوق طاقتها أنتي معملتيش حاجة غلط و لا حرام جوزها ده بقي جوزك أنتي كمان”..
صمتت قليلاً، و مدت يدها مسحت دموعها مكملة..

“نامي و ارتاحي دلوقتي و سبيها على الله و أنا هفضل جنبك هنا لحد ما تصحى “..

بينما “عبد الجبار” فور إغلاقه الباب إختفت ابتسامته،و هرول راكضًا نحو سيارته استقلها و قاد بسرعه عالية قاصدًا المستشفى التي تمكث بها “خضرا” زوجته الأولى..

……………………… صل على الحبيب……….

” خضرا “..

استعادة وعيها بعدما نجت من الموت بأعجوبة لتجد نفسها بمفردها داخل المستشفى
،ابتلعت غصة مريرة بحلقها حين أيقنت أن زوجها بكل تأكيد برقفة زوجته الثانية،

ضحكت ضحكة مستهزءة على غباءها الذي جعلها تقدم على الانتحار و التخلص من حياتها لأجل رجل لم يكترث لما فعلته من أجله و تركها بين الحيا و الموت وقضي ليلة ملحمية مع امراءة غيرها..

ندمت على كافة قرارتها الخاطئة بداية من إصرارها على زواجها منه، و زواجه هو عليها، و اختيارها ل “سلسبيل” تكن زوجه له بعدما رأت نظرته و لهفته عليها..

حاولت البكاء و لكن عينيها أبت أن تذرف العبرات، كانت نظرتها جامدة، اكتسبت جحود بفضل ما تشعر به من وجع فاق حدود الوصف، لن تستطيع التعبير عنه بمجرد دموع حتى لو بكت دماً..

“خضرا.. حمد لله على سلامتك يا غالية”..
قالها “عبد الجبار” الذي دلف للتو، و اقترب منها جلس على المقعد المجاور لسريرها، و مد يده ليمسك يدها لكنها دفعت يده بضعف، و رمقته بنظرة حارقة متمتمة بغضب..

“توك ما افتكرت خضرا يا عبد الچبار !!!.. هملتني لحالي و روحت لعروستك الچديدة مش أكده؟! “..
” مش وقت حديتك ده عاد.. المهم دلوجيت نطمن عليكي و تبجي زينة… “..

صرخت بغيظ شديد قطعت حديثه بصرخاتها قائلة..
“رد لأول.. و إياك تكذب عليا.. صُح كنت وهيها “..

حاول السيطرة على أعصابه تقديراً لحالها، و تحدث بهدوء قائلاً..
” وبعدهلك يا خضرا.. جولتلك رايد أطمن عليكِ…. “..

” كنت وهيها يا عبد الچبار.. انطق.. قولي أيوه كنت وهيها و مهملك أهنه يا أم البنته من غير أنيس و لا جليس و روحت أخونك مع حُرمة تانية.. “..

“خضرا اااا”.. قالها بصوت جوهري زلزل جدران المستشفى،ابتلعت “خضرا” باقي حديثها بعدما رمقها بنظرة محذرة و تحدث بلهجة حادة قائلاً..

” متختبريش صبري عليكِ.. أني مش خاين يا خضرا و الحُرمة التانية دي تبجي مَراتي كيفك بالتمام و اللي كانت قبل منك أهنه بنفس المستشفى مرمية بين الحيا و الموت و إني كنت وياكِ في حضنك في بيتنا على سريرنا و لا نسيتي!!! “..

خاتمة الجزء الأول..
جبر السلسبيل..
✍️نسمة مالك✍️..

‏”إنَّ الله يقذف الحب في قلوبنا، فلا تسأل مُحبًا .. لماذا أحببت.”..
لكن دعونا نطرح سؤال و نتناقش في إجابته سويًا،
هل يوجد رجل بالعالم يستحق أن تنهي إمرأة حياتها من أجله؟!!!
أن تخسر دنياتها و دينها من أجل شخص هي على يقين بأن قلبه ليس ملكًا لها وحدها و تملكه إمرأة غيرها !!!

هذا السؤال تردد بخاطري بلا توقف بعدما رأيت”عبد الجبار” يصب جم غضبه على “خضرا” التى كادت أن تلقى حتفها من شدة حبها و غيرتها عليه دفاعًا عن زوجته “سلسبيل” ..

ظنت أنها بموافقتها على زواجه من إمرأة أخرى ستمتلك محبته و وفاءه لها إلى الأبد، لم يخطر على بالها و لو لحظة واحدة أنه سيقع بغرام تلك الصغيرة ليصل به الأمر إلى الذوبان بعشقها، استحوذت على قلبه بأكمله و ربما بدأت تسيطر على عقله الذي جن جنونه الآن و جعله يصرخ بوجهها مانعًا أياها من متابعة حديثها حتى لا تذكُرها بأي سوء..

و هذا يؤكد لنا أنه من المؤسف حقًا أن أغلب الذين كرهوا الحب كانوا أكثر الناس حباً وشغفاً وصدقاً، لكنهم خُذلوا من شخص كان بمثابة العالم بالنسبة لهم…..

حاول “عبد الجبار” السيطرة على نوبة غضبه سريعًا حين رأي نظرة زوجته المنكسرة، و عبراتها التي تجمعت بعينيها الحزينة،

صمت على الفور و ابتلع باقي حديثه خوفًا من تطور حالتها مرة أخرى، التزم الصمت للحظات و من ثم وضع كف يده فوق يدها مسد عليها برفق، و تنهد مطولاً و هو يقول بنبرة أكثر هدوءً..
“أني أهم چاجة عندي دلوجيت أطمن عليكي يا خضرا.. و تبجي زينة.. لاچل ما اعاود بيكِ لدارك تنوريه من تاني و كمان البنته الصغار ما بطلوش بكى من خوفهم عليكِ يا غالية ،و لو هتضيقي من وچود سلسبيل هاخدها لدار تانيه بعيد عنكِ بس متأذيش حالك مرة تانية لخاطر ربنا و بناتك اللي ملهومش ذنب و روحهم فيكي يا خضرا”..

لم يجد سوي الصمت حليفه، ابتلعت بحلقها كل الصيحات، لا تعلم أين ذهبت صرختها، ليت انفعالها لم يكن هذا الصمت المخيف أبدًا ، تتمنى لو تلكم الحوائط حتى تسمع صوت عظامها تُكسر، تتمنى لو تخرج سُبابًا، تتمنى لو أنتهي الأمر بكارثة موتها حتى لا تشعر بهذا الألم الذي ينهش قلبها نهشًا و هي تري انعكاس لصورة غريمتها بأعين زوجها، أصبح عشقه لها ظاهر بوضوح على محياه رغم محاولاته المستميته لإخفاءه،

لقد أذى قلبها أغلى و أحب البشر عندها، بقت صامته، صمت بث الريبة بقلبه، و لأول مرة لم يستطيع قراءة ما يدور بذهنها، لكن نظراتها له كانت مخيفة و قد اختفت لمعة عينيها في وجوده، لذا صدق من قال لا تؤذِ قلباً رقّ لك يومًا ، فلحظات الودّ لها عليك ألف حق وحق…..

“رچعني الدار لبناتي يا عبد الچبار”.. قالتها بصوتٍ تحشرج بالبكاء، صمتت لبرهةً تستجمع خلالها رابطة جأشها، نظرت له نظرة راجية تخفي خلفها الكثير و تابعت بتنهيدة مُتعبة..
“و همل سلسبيل ويايي بالدار .. أنت خابر زين إني مقدرش على بعدك عنى يا خوي و أطمن أني مهزعلهاش تاني واصل..

اللى حُصل مني كان لحظة شيطان عفشة.. أنت جولك صُح هي بجت مَراتك برضك و اللي يزعلها بالتوكيد يزعلك.. بس أحب على يدك ما تهملني أني و بناتك إحنا ملناش غيرك بعد ربنا “..

تهللت أساريره و هو يراها ترفع له راية استسلامها للأمر الواقع، كان يثق أنها لن تتحمل بعاده عنها،كان عليه أخبارها بفكرة شراء منزل جديد لزوجته فهو على يقين أنها ستوافق على كل شيء إلا ابتعاده عنها،

ضو هي تعلم جيدًا أنه إذا أخذ” سلسبيل ” لمنزل أخر سيذهب إليها يوميًا بل معظم وقته سيقضيه برفقتها..

نتهد بارتياح بعدما تأكد أنه أمتلك زوجاته الإثنين بقبضة يده، لن تستطيع واحدة منهم العيش من دونه غافلاً أن دوام الحال من المحال..

…………………… لا حول ولا قوة إلا بالله…….

” جابر”..

قاد سيارته و لكن بالحقيقة يقوده قلبه من المنصورة للاسكندريه، و منها للقاهرة مباشرةً بحثًا عن “سلسبيل” طريقه هي و مقصده و سيركض لها بلاد ولن يتوقف حتى يجدها..

رغم أنه كان يثق أن زوجها لن يتركها بمنزلها بالأسكندرية، سيأخذها معه حتى يبعدها عنه إلا أنه قطع المسافة لعله يجدها هناك كما تركها منذ ساعات قليله، تأكدت ظنونه بأنه أصبح غريمًا لزوجها حتى قبل أن يلتقيان ببعضهما وجهًا لوجه،

و كلما حاول “عبد الجبار” ابعادها عنه يؤكد له أن علاقته بها يملئها القلق و الخوف من تأثيره عليها و هذا يولد بداخله أمل الفوز بها ..

“أنا مش عارفة جريك ورا واحدة متجوزة من بلد لبلد ده آخرته أيه بس يا ابني !!!”..

تنهد “جابر” باشتياق و نظر لوالدته التي تجلس بالمقعد الخلفي بعتاب مردفًا..
“دي سلسبيل يا أم جابر.. نسيتي سلسبيل تبقالي أيه يا أمه؟!”..

كادت أن تصرخ فيه غاضبة، لكن اوقفها والدها”فؤاد” الجالس بجوار حفيده قائلاً بتعقل..
” عمرنا ما نسينا سلسبيل يا جابر يا ابني.. بس كمان أوعى تنسى أنت أنها على ذمة راجل و إحنا رايحين لها دلوقتي على أساس إننا أهلها و بس فاهمني كويس يا جابر”..

صك” جابر ” على أسنانه بغيظ، و صاح بغضب عارم و هو يلكم المقود أسفل يده..
“جوزها ده اتجوزته غصب يا جدي.. أبوها اللي ملوش أي علاقة بالرجوله اعترفلي بنفسه أنه غصبها على جوازها منه و من قبله غصبها على جوازها من أخوه،

و أنا رايح لها دلوقتي عشان أقولها إن من انهارده محدش هيقدر يغصبها على أي حاجة تانية و لو عايزه تطلق من جوزها ده أنا معاها و في ضهرها و افديها بعمري كله و هي أكيد فاكراني..

فاكرة جابر اللي رباها على إيده من وهي عمر يوم لحد ما أبوها سراقها مني و هي بنت 7 سنين.. أكيد فاكراني منسيتنيش يا جدي حتى لو مثلت أنها نسياني و أكيد عارفه أنا ممكن اعمل ايه عشانها “..

“أنت بتقول اييييه.. هو أنت كنت بتاخدني أنا و جدك معاك عشان تروح تطلقها من جوزها!!! “..
نطقت بها” سعاد” بنبرة أشبه بالصراخ المقهور على حال وحيدها الذي يركض وراء سراب من وجهة نظرها..
لكمته على كتفه بقبضة يدها مكملة بنفاذ صبر..

” أنت عايز تجلطني يا واد أنت!!!.. انت متخيل إن سلسبيل اللي كانت عيله صغيره لسه فاكراك و لا تكون فاكر إن ممكن يكون في قلبها حاجة من نحيتك!!!”..

شعرت بقبضة تعتصر قلبها حين لمحت نظرة عينيه التي ظهرت بها الألم ، لكنها تجاهلتها و تابعت حديثها الصارم لعله يعود لصوابه و تابعت بتعقل قائلة..

“افرض البت مش عايزه تطلق من جوزها، و لا افرض لهفتك عليها دي خلت جوزها يشك إن في بينك و بينها حاجة و تعمل بينهم مشكلة هما ممكن يكونوا في غني عنها و عننا إحنا كمان يا حبيبي”..

ربتت على كتفه بحنو، و تابعت برجاء
“أسمع كلام أمك تكسب يا جابر.. إحنا نزورها و نطمن عليها و لو لقينا جوزها كويس معاها و البنت مشتكتش يبقي ندعلها ربنا يهدي سرها و نرجع بلدنا يا ابنى و تشيلها من دماغك و تبص لمستقبلك بقي اللي موقفه على واحدة على ذمة راجل”..

“سلسبيل مش في دماغي يا أمه”..
قالها بصوتٍ يملؤه الوجع، و بقلة حيله تابع..
” سلسبيل في قلبي.. جوه قلبي”..

“بعد إعترافك ده مش عايزك تتكلم معاها نهائي لما نشوفها كفايا أوي ترمي عليها السلام و من غير ما تمد أيدك و تلمس ايديها كمان”..
قالها” فؤاد” بنبرة لا تحمل الجدال، و تابع بتحذير قائلاً..

“أفتكر إنك رايح لها بيت جوزها الصعيدي اللي لو لمح نظرة الحب اللي في عينيك دي ممكن يرتكب جنايا.. الصعايدة مبيهزروش فى اي حاجة تخص حريمهم.. وأنت عينك فضحاك أنا شايف لهفتك على البنت رغم عمايا..

ما أنا صحيح أعمى البصر بس مش أعمى البصيرة يا ابني”..

“طيب خلينا نطمن بس عليها الأول يا جدي و نتأكد أنها مش عايشه مغصوبة مع جوزها ده ساعتها أنا هرجع معاكم و هتمنالها السعادة من كل قلبي والله يا جدي.. أنا مش عايز غير سعادتها هي “..
قالها” جابر ” بغصة يملؤها الأسى و قلب ملتاع أرهقه الفراق..

………………………… صل على الحبيب……..

بعد عدة ساعات عاد” عبد الجبار ” للمنزل حاملاً زوجته” خضرا ” على ذراعيه بعدما أصرت هي على الخروج من المستشفى، أسرعت الممرضة التي جاءت لتتابع حالتها بفتح باب الغرفة،

دلف هو بها للداخل و أنزلها برفق على الفراش و هو يتنفس الصعداء بأن والدته كانت منشغلة بتجهيز طعام الغداء،و أيضًا كانت نائمة حين عاد ب ” سلسبيل” بالصباح الباكر التي ظلت بغرفتها و لم تخرج منها مطلقًا،

و حتي “عفاف” التى ظلت معاها طيلة الوقت..

حمد الله بسره أن والدته لم تراه و هو يحمل “خضرا” و إلا كانت ستتفوه بحديثها الحاد و كلماتها الجارحة كعادتها..

“نورتي بيتك يا أم فاطمة”..
قالها و هو يطبع قبلة عميقة على جبهاتها، و أبتعد عنها قليلاً ليتمكن من النظر لعينيها و تابع بابتسامة..

“احنا على أتفقنا يا خضرا مش أكده؟!.. بكفيانا مشاكل و حديت حريم ماسخ عاد.. رايد أشوف مشاغلي أنتي خابرة أنها ياما”..

أرغمت نفسها على الإبتسامة وقد اصابتها جملته بصفعة قوية حين وصف مشاعرها و غيرتها عليه بالمشاكل، ربما لم يكن هذا مقصده في الحقيقة، أو قد خانه التعبير خاصةً و هي في حالتها هذه يؤثر بها كل حرف..

ابتلعت غصة مريرة و إجابته بأمأه من رأسها و بهمس مرتجف تحدثت..
“أطمن يا خوي من چهتي.. أني معوزاش حاچة من الدنيا دي كلياتها غير أني أكون چارك أنت و بناتي”..

“ربنا ميفرقناش و لا يحرمنا منِك واصل يا ست الناس”..
قالها و هو يطبق قبله رطبة على وجنتيها، و ضحك بملئ فمه عندما استمع لصوت ابنتيه اللتان اقتحما الغرفة فجأة و قفزا على الفراش و من ثم داخل حضن والدتهما و هما يهللان بفرحة غامرة..
” حمد لله على سلامتك يا اماي”..

ضمتهما” خضرا ” بلهفة، و امطرتهم بوابل من قبلاتها الحانية تعتذر بهم لهما، عن خطأها الفادح بحقهما..
“يا جلبي يا فاطمة أنتي و حياة.. حقكم عليا يا ضنايا”..

توجهه نحو الخزانة فتحها و بدأ ينتقي منها ثيابه مغمغمًا..
” أني هوصل للشركة أطمن أن كل حاچة تمام و اعاود طوالي.. خلي بالكم على أمكم لحد ما اعاود”..

ألتفت و نظر ل”خضرا” و تابع بنظرته التى كانت تبعثر مشاعرها فيما سبق، أما الآن لا تشعر بأي شيء سوي الألم و الإهانة معًا..
“مهعوقش عليكِ”..

صدح صوت رنين هاتفه فاسرع بالرد حين لمح رقم”حسان” ذراعه اليمين..
“خير يا حسان!!!”..

“عبد الچبار بيه.. أني چاي في الطريق و چاي ورايا اللي اسمه چابر ده بعربيته هو و چده و الست والدته.. و راسه و ألف بلغه قديمة يقابل چنابك الليلة”..

أطبق” عبد الجبار ” جفنيه بقوة و قد برزت عروقه من شدة غضبه كلما ذُكر اسم هذا ال “جابر”، زفر بضيق و بأمر تحدث قائلاً..
” هاته على الشركة يا حسان أني هستناكم في مكتبي”..

” أوامرك يا كبير.. ساعة أكده و هنبقي قدام چنابك”..

أغلق” عبد الجبار ” هاتفه و هرول لخارج الغرفة بخطي شبه راكضه أمام أعين “خضرا” التى تتأجج منها نيران الغيرة تحرق قلبها، و روحها و أنوثتها بلا رحمة، عقب خروجه من الغرفة وجهت نظرها للممرضة الوقفة بإحدى الجوانب و تحدثت بحدة قائلة..
” همليني لحالي.. رايده أنعس هبابه”..

انصاعت لها على الفور و سارت لخارج الغرفة غالقة الباب خلفها، سحبت” خضرا” الغطاء أخفت به وجهها عن ابنتيها الجالستان بجوارها ، و انفجرت بنوبة بكاء مرير دون صوت، تبكي دمًا و ليس دمعًا فزوجها الذي تُهيم به عشقًا يحيا قصة حب ملتهبة مع إمرأة غيرها أمام عينيها..

و هي مجبرة على التحمل بعدما أصرت أن يتزوج منها، كانت من المفترض أن تمنع تلك الزيجة مهما كلف منها الأمر و تحافظ على زوجها، لكنها بيدها سلمته لغريمتها على طبق من ذهب لم تتخيل أنها ستتذوق طعم العذاب و ستندم على ما أوصلت نفسها إليه أشد أنواع الندم..

“آآآآآه.. مقدراش أتحمل شوفتك وياها يا خوي.. و اللي خلق الخلق مقدراش”..
همست بها بسرها و هي تضغط بكف يدها على موضع قلبها المتآجج بالنيران تتمنى لو يتوقف نبضه و يريحها من تلك الوخزات المؤلمة التي تشق قلبها بسكينٍ بارد..

…………………. لا إله إلا الله وحده لا شريك له…..

” سلسبيل “..

كانت تنعم بنومٍ مجهد، لا يخلو من كوابيسها التى دومًا تهاجمها كلما أغمضت عينيها، لكن بدت هذه المرة مختلفه عن ذي قبل، كانت تصارع أبشع كوابيسها على الإطلاق جعلت قلبها تتباطئ دقاته حتى أوشكت على التوقف..

شهقت شهقة قوية تزامنًا مع فتح باب غرفتها و دخول زوجها باهي الطله، مهيب الطول الذي فور وقوع عينيها عليه غادرت الفراش راكضه و ارتمت داخل صدره بقفزة مفاجأة تعلقت به بكلتا يديها و حتي قدميها حاوطت خصره بهما..

استقبلها هو بلهفة بين ذراعيه، ضمها له حتى اخفاها داخل جسده المعضل و قد تبخر غضبه من المدعو “جابر” بفعلتها هذه، لكنها أيضًا دبت الرعب بقلبه حين وصل لسمعه صوت أنينها الخافت، دافنه وجهها بعنقه تبكي و تأن بصوتٍ مذعور..

“أيه اللي حُصل.. مالها الهانم يا عفاف!!!.. حد زعلها بغيابي!!”..

“لا والله يا عبد الجبار بيه.. الهانم كانت نايمة من ساعة ما سيادتك مشيت ولسه صاحية حالاً أول ما حضرتك دخلت!!!”..

“كابوس.. شوفت كابوس خوفني أوي “..
تفوهت بها “سلسبيل” بصعوبة بالغة من بين شهقاتها الحادة، رفعت وجهها الغارق بالعبرات و نظرت له بعينيها الدامعة و تابعت بجملة أنتزعت قلبه من بين ضلوعه نزعًا..

” مش عايزه نفترق عن بعض يا عبد الجبار.. أنا ما صدقت لقيتك”..

غادرت” عفاف ” الغرفة في الحال تاركة لهما بعض الخصوصية،

“هششش.. أهدي يا جلب و روح عبد الچبار.. وكفياكِ بكى.. أهلك چاين عنِدنا انهارده.. يُصح تشوفيهم و أنتي بتبكي أكده عاد !”..
قالها و هو يزيد من ضمها داخل صدره، لولا خوفه عليها لكان اعتصارها داخل حضنه، يحاول تهدأتها بشتى الطرق رغم صخب و ضجيج قلبه الذي ينبض بجنون لدرجة أنها شعرت بدقاته اختلطت بدقات قلبها..

كانت تتمسك بثيابه بأظافرها بقوة حتى أنها مزقتها، شعر هو بمدى خوفها من ابتعاده عنها،
استند بجبهته على جبهتها و تحدث بلهاث و أنفاسه الساخنة تلفح بشرتها الناعمة قائلاً بصوته الأجش..
“مافيش حاچة تفارقني عنك إلا موتى يا سلسبيل”..

“لااااااا”..
صاحت بها صارخة و هي تكمم فمه بكفها، و اجهشت بالبكاء أكثر و بتوسل همست قائلة..
“متجبش سيرة الموت تاني عشان خاطري.. بعد الشر عليك يا حبيبي.. أنا أفديك بعمري يا عمري الحلو كله”..

قبل باطن يدها قبلات متتالية، إنتقل بشفتيه بلهفة على شفتيها أطبق عليهما يقبلها بحرارة و يتحدث بمنتهي العشق من بين قبلاته التي يتذوق بها ملوحة عبراتها المنهمرة على وجنتيها..

” أنتي اللي حبيبتي.. حبيبتي و حبة جلبي يا سلسبيل و مافيش مخلوق يقدر ياخدك مني و لا ياخدني منِك يا ضي عين عبد الچبار”..

حركت رأسها له بالنفي و رفعت أصابعها المرتعشة وضعتها على لحيته الكثيفه و تحدثت بأسف قائلة..
“مش مخلوق واحد اللي هياخدك مني.. مش واحد بس!!”..

حاولت السيطرة على بكائها وأظهرت ثلاث أصابع من يدها أمام عينيه مكملة..
” دول تلاته.. خضرا مراتك و بناتك”..
احتضنت وجهه بين كفيها الصغيران و تابعت بنبرة يملؤها الألم و الندم قائلة..

“و أنا اللي ختك منهم و أنت مش من حقي.. من حقهم هما.. عشان كده أنا همشي مع أهلي لما يجو انهارده و هسيبك لمراتك و بناتك يا عبد الجبار “..

توحشت نظرته، و اعتلي الغضب قسمات وجهه جعله يبدو بصورة وحشية ، و تحدث بصوتٍ مخيف قائلاً..
“بمووووتي.. بعدك عني بمووووتي يا سلسبيل… “..

انتهي الفصل..
انتظرووووني بمشيئة الله في الجزء الثاني قريبًا جدًا بحول الله وقوته..

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .
­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top