رواية جبر السلسبيل. الجزء الرابع و الخامس والسادس عشر

الفصل ال14..
جبر السلسبيل..
✍️نسمة مالك✍️..

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­

“سلسبيل”..
بالنسبة لها لم يعد للحديث أي أهمية الآن، يكفي الصمت المُطعم بالتنهيد بعدما تحقق أعظم أحلامها و حصلت على عناق الرجل الوحيد الذي جعل قلبها ينبض لأول مرة بالحياة،

اتخذته شجرة يقطينها الطيبة، إذا البرد وارتعاشة الظلمة اجتاحتها احتميت بأوراقه الدافئة..

تسرق لحظات من الزمن بين ذراعيه التي تحتويها بلهفة و إشتياق، عناق روحاني بعد قلق، خوف، مأساة أنثى جمدتها أعوام القسوة، أعادها صوته طفلة و أذابت هي رجولته بضعفها الظاهر له وحده،

يغمرها بعناق محموم لم يكن له مثيل من قبل، تاركًا على جسدها أمان يديه، يدلل خجلها،

يهديها ابتسامته كلما شعر بخوفها، لم يتحدث معاها و ظل صامتًا عندما رأي طقس حدقتيها الغائم الذي بكلمة حنان منه سينهمر المطر..

إلى أن تحدثت هي بعدم تصديق، بصوت مبحوح، مرتجف..
“عبد الجبار.. أنت هنا معايا!!” ..

دست نفسها داخل صدره أكثر دافنه وجهها بصدره، و تابعت ببوادر بكاء..
“أنا في حضنك فعلاً و لا أنا بحلم زي كل يوم!!!”..

“في حضني يا سلسبيل ، و چوه جلبي كمان يا زينة البنات”..

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

قالها “عبد الجبار” و هو يحتويها داخل جسده بحماية حين تكوّمة على نفسها بأحضانه أخذه وضع الجنين،
و قد أعادها صوته لواقعها المرير، و صفعها القدر صفعة موجعة و هي تتذكر وعدها ل “خضرا “..

حاولت السيطرة على مشاعرها التي تبعثرت بفعل قربه منها الذي يعصف بكل ذرة تعقل بها، و بدأت تبتعد عنه ببطء،خافضة رأسها بخزي من نفسها على أستسلامها الكامل له،
“لا لا مينفعش.. أبعد عني.. انا وعدتها”..

همست بها و هي تحرك رأسها بالنفي، و بدأت تدفعه بعيداً عنها بضعف، لكنه أحكم سيطرته عليها و أعادها مكانها بجوار قلبه المُتيم بها مردفًا بهدوء كأنه يحدث صغيرته..
“هي مين اللي وعدتيها، ووعدتيها بأيه.. قوليلي متخافيش مني واصل”..

” أبلة خضرا.. وعدتها أني مش هكون لك زوجة يا عبد الجبار”..إجابته بصعوبة من بين شهقاتها العالية،
و قد انفجرت في نوبة بكاء حادة..

رفعت رأسها و نظرت لعينيه بعينيها الحزينة الباكيه مكملة بأسف..
” جوازنا هيكون على ورق بس لحد ما اعمل العملية، و لو ربنا أراد و قومت منها يبقي”..

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

ابتلعت غصة مريرة بحلقها، و تتبعت بصوت يملؤه الألم..
“يبقي هطلقني، و لو مت تبقي تدفني أنت يا عبد الجبار عند أهل أمي!!”..

استمع لها حتي أنهت حديثها، و إنهال على شفتيها و عنقها بشفتيه يلثمهما بحرارة تاركًا عليها إحدي علاماته المميزة التي تستمر بالظهور لأيام،

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

تخدرت على أثرها جميع حواسها، لمسته لها تجعلها تغرق بأعماق بحر غرامة الذي يمنحها شعور بالإكتفاء الكامل جديد عليها كليًا جعلها تطلق آهة منتشية من بين شفتيها مرددة بخفوت بنبرة متوسلة..
“عبد الجبار أرجوك.. أبعد عني..أرجوك كفايا”..

احتضن وجهها بين كفيه الضخمين أجبرها على النظر لعينيه اللاهثتين، و أخذ نفس عميق كمحاولة منه لأعادة أنفاسه المهتاجة التي سلبتها هي، و تحدث بصوته الأجش المزلزل لكيانها..

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

“أني مليش صالح بوعدك ل خضرا..أنتى دلوجيت بجيتي مَراتي يعني أني حقك و أنتي كلك من حقي، فلو أنتي مريداش حقي فيكِ، فأني رايد أعطيكِ حقك فيا و مهتنزلش عنِه واصل.. فاهمني زين و لا أقول كمان”…

“لا مش فاهمة”.. همست بها بعدم فهم و هي تحرك أهدابها التي تغرقها عبراتها، لتراه يبتسم لها تلك الإبتسامة الجذابة مغمغمًا بمكر..
” يعني أني دلوجيت رچلك..زي خضرا تمام.. ليكي حق في مالي يبجي هچيبلك بيت من بابه اللي يعچبك و تشاوري بيدك عليه،

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

أچيبلك أغلى و أچمل شبكة تليق ببدر البدور”..
ذاد من ضمها له حتي لصقها به بطريقة حميمية مكملاً بهمس أمام شفتيها المرتجفه..
“أضمك لصدري.. أحاوطك بضلوعي و أزرعك چوه جلبي”..

علقت أنفاسها بصدرها حين سار بأنفه على وجنتها الناعمة الملتهبة من شدة خجلها حتي وصل لأذنها و همس لها ببعض كلمات جعلها تشهق بقوة وأسرعت برفع كلتا يديها تخفي بهما وجهها و هي تقول بتقطع من فرط خجلها..
“اللي بتقوله ده مستحيل يحصل”..

” قد قولك ده يعني!!”..
أردف بها من بين ضحكاته الرجولية التي تدمر حصونها المنيعة، و يده تربت على طول ظهرها ببطء يخطف أنفاسها، و يجعل دقات قلبها تتسارع بجنون، فتطلعت له من بين أصابعها الموضوعه على وجهها، و همست بخفوت كالمغيبة قائلة..
” هحاول أكون قده”..

صمتت لبرهةً و تابعت بستحياء ..
“بس دلوقتي ممكن تحضني تاني”..

“تعالي يا عشج الروح”..
قالها و هو يخطفها داخل صدره بعناق دافئ جعل الأطمئنان يغلف قلبها، و الابتسامة تزين ملامحها رغم بكائها المستمر، فالرجل الحقيقي لا تقاس قوته بحجم عضلاته أو كثرة ماله بل بحجم الضحكة التي يرسمها على وجه أنثاه..

الفصل ال15..

سطعت شمس نهار يومًا جديد،

إنتقلت “سلسبيل” من غرفة العناية بعدما تحسنت حالتها بشكل أذهل الأطباء المشرفين على حالتها، بفضل الله أولاً و من بعده “عبد الجبار” الذي ظل معاها الليل بأكمله محاوطها بذراعيه بحماية

و يده تربت على ظهرها بحنان بالغ حتى رضاها و عالج جروحات قلبها الغائرة..

سنوات طويلة عانت خلالهم من قلة الراحة، لم تنعم بنومٍ أمن مثل اليوم و هي بين يديه رأسها تتوسط صدره، تستمع لنبضات قلبه التي أصبحت بالنسبة لها أجمل و أعذب الألحان..

بينما هو لم يغمض له جفن، ظل يتأملها بشغف، يحفظ أدق تفاصيلها، يغرقها بسيل من قبلاته الدافئة دون توقف، و كم راقه مذاقها جعله يتمني لو يأكلها كما لو كانت حبة فاكهة طازجة شهية سال لعابها لها..

صوت طرقات على باب الغرفة جعله يبتعد عنها على مضض،دثرها جيدًا بالغطاء و هب واقفًا و سار نحو الباب مهرولاً..

كانت “خضرا”..
تقف أمام باب غرفة “سلسبيل” بعدما دلتها إحدي الممرضات عليها، تحاول إخفاء دموعها التي تجمعت بعينيها،

الغيرة نيران تنسكب على قلب العاشق، و هي تُهيم بزوجها عشقًا، ما تشعر به الآن ألم لا يوصف ينهش روحها ، رسمت ابتسامة باهته على ملامحها،و أخذت نفس عميق زفرته على مهلٍ و من ثم طرقت على باب الغرفة بيدها المرتجفة..

و ظلت واقفة تنتظر سماع صوت زوجها يأذن لها بالدخول، لا تريد اقتحام خلوته معاها حتي لا تري شئ يزيد من ألمها أكثر، شهقت بخفوت حين فُتح الباب فجأة، و خرج منه “عبد الجبار” و أغلقه خلفه بحرص حتي لا يزعج تلك النائمة..
“تعالي يا خضرا.. رايد اتحدد وياكِ هبابة”..

قالها و هو يقبض على كف يدها برفق، و سحبها خلفه نحو مقاعد الإنتظار، اجلسها، و جلس على المقعد المجاور لها، و مازالت يدها داخل كفه،بل انه اعتدل تجاهها و ضم كفها بكلتا يديها مردفًا..
“خضرا يا غالية.. اسمعي حديتي اللي هقولهولك زين”..

كانت” خضرا ” خافضة رأسها تخفي عبراتها التي خانتها و هبطت على وجنتيها فور وقوع عينيها على وجهه المشرق، و لمعة عينيه الجديدة كليًِا عليه و التي تظهر مدي فرحته الغامرة بعد قضاء الليل برفقة من عشقها قلبه، رغم أنه يجاهد حتي يظهر عكس ما بداخله،

” اتحدد ياخوي.. أني سمعاك”..غمغمت بها “خضرا” بابتسامة حزينة جعلته يصك أسنانه بقوة كاد أن يهشمهم، ساد الصمت بينهما للحظات كان هو يمسد على يدها بأنامله بحركة دائرية،و ينظر لعينيها نظرة راجية حتي تتوقف عن البكاء..

“غصب عني يا عبد الچبار.. والله غصب عني..مقدراش.. نار جلبي واعرة قوي قوي و خايفة مِنها عليك و على البنته الصغيرة اللي ملهاش ذنب في أي حاچة واصل”..
همست بها” خضرا” بتقطع من بين شهقاتها و هي ترفع كف يدها الأخرى و تضرب علي موضع قلبها بعنف،

أسرع “عبد الجبار” بأمساك يدها، و مال عليها قبلها بعمق، لتتوقف” خضرا ” عن البكاء في الحال، ضحكت بخجل رغم عبراتها التي تهبط على وجنتيها، و حاولت سحب يدها من يده لكنه لم يتركها، بل أنه زاد من خجلها حين تنقل بشفتيه من يد للأخري مغمغمًا..
“إلا دموعك أنتي يا غالية”..

” أنت اللي غالي يا أبو فاطمة”..
قالتها بستحياء بصوت بالكاد يُسمع من فرط خجلها..

رفع رأسه ونظر لها بابتسامته الجذابة مرددًا..
“كفاياكِ بكي عاد.. لو أني غالي عنِدك صُح”..

توقف عن البكاء في الحال بعد جملته هذه حتي تثبت له مدي غلاوته عندها، تنهد” عبد الجبار” براحة حين هدأت نوبة بكائها..

“أني عمري ما يهون عليا زعلك، و لا وچع جلبك يا خضرا..زيي ما إني متأكد أن زعلي مهيهونش عليكِ واصل.. بس كمان لازم تعرفي أن سلسبيل بقت مَراتي هي كمان و ليها حقوق عليا و انتي مهيرضكيش ابجي ظالم واحده منِكم و عشان أكده

اسمحيلي أكون چنب سلسبيل في شدتها لأنها بقت مسؤلة مني”..
” وه.. بستأذني يا عبد الچبار!!! “..
أردفت بها بعتاب مكملة..

” البنته في شدة و ملهاش حد غيرنا دلوجيت.. و أني كنت عفشة في حديتي وياها عيشة و تاه عن بالي تعبها و عتبانه على حالي والله يا خوي و مش هرتاح إلا لما أرضيها و احب على راسها كمان “..

ربتت على كتفه و تابعت بنبرة متوسلة..
” و أنت كمان يا عبد الچبار اوعاك تزعل مني لو غيرت منِها عليك.. بيبجي غصب عني.. عقلي بيچن مني يخليني أقول حديت ماسخ ملهش عازة..

أبقى أصبر عليا و أني هعاتب روحي و اچي أتحقلك”..
تطلع لها بنظرات منذهلة، دومًا تبهره بقلبها الماسي، و معدنها الأصيل..

“طول عمرك أصيلة و بت أصول يا خضرا”..
قالها و هو يرفع كف يدها على شفتيه ويلثمه ثانيةً بحرارة، و انتصب واقفًا ساحبها معه و سار بها تجاه غرفة “سلسبيل” مكملاً ..

“أني هسيبك وياها و اطلع على الشركة عندي اچتماع مهم لازم احضره.. هخلصه و اعاود طوالي”..
قالها و هو يُكمل سير مبتعد عن الباب الذط توقفت أمامه “خضرا” لن يدلف للداخل برفقتها حتي لا تري نظرته لتلك الصغيرة و لهفة عينيه لها..

“روح أنت متشلش هم واصل.. أني هفضل وياها اهنه و هاخد بالي منِها لحد ما تعاود”..
قالتها” خضرا ” و هي تفتح الباب و تخطو للداخل و اغلقته خلفها..

………………………………….لا إله إلا الله ?……..

مطار القاهرة الدولي..

أعلنت الميكرفونات عن وصول رحلة قادمة من كندا، وقف على باب الطائرة الذي فُتح للتو و أخذ نفس عميق يملئ رئتيه بهواء بلده الذي اشتاقها حد الجنون بعد غياب أكثر من ثمانية أعوام بالغربة، لم يأخذ خلالهم أجازة واحدة..

ترك بلده الحبيب و سعي وراء لقمة العيش، بعدما عاني من الفقر الشديد هو وأسرته فقد بسببه أحب و أغلى البشر لقلبه، حتي جائته فرصة السفر فأقسم أن لن يضيعها هباء،

اجتهد و عمل في أصعب و أخطر المهن حتي تمكن من إثبات ذاته و أصبح ذو شأنً كبير في مدة قصيرة، و عاد أخيرًا حاملاً معه الخيرات لأهله..

هبط الدرج على مهلٍ و عينيه تدور بالمكان من حوله بلهفة،

مد يده لجيب سرواله أخرج هاتفه، ليصدح صوت رنينه فور فتحه، فتحدث هو بمزاح..
“جدي يا جدي يا جدي”..
“جابر.. يا حبيب جدك.. أنت فين يا ابني”..

“أنا في مصر.. رجعت يا جدي.. رجعت علشان أرجعلك بنت بنتك”..
صمت لوهلة و تابع بتنهيدة إشتياق..
“سلسبيل”..

……………………………….. لا حول ولا قوة الا بالله ?…….

“سلسبيل”..

شحب لونها حين فتحت عينيها وجدت نفسها وحيدة بالفراش من دون زوجها، للحظة ظنت أنها كانت تتوهم وجوده معاها، و لكن رائحة عطره الذي يحاوطها جعلها تتأكد أن ما عشته كان حقيقي، لم يكن إحدي أحلامها..

انبلجت ابتسامة على شفتيها المتورمة أثر قبلاته و هي تستعيد ذكري لمساته و همساته لها التي تذيب قلبها، كانت “خضرا” مستندة بظهرها على باب الغرفة المغلق تتابعها بأعين جاحظة تنهمر منها العبرات بلا توقف حين لمحت آثار لمسات زوجها لها، و ما تركه من علامات مميزة على عنقها و شفتيها..

صوت أنينها وصل لسمع “سلسبيل” انتشالها من قاع أحلامها الوردية، بصفعة دامية اعادتها لواقعها المرير حين رأت حالة “خضرا” التي قطعت نياط قلبها على حين غرة..

“أبلة خضرا”.. همست بها و هي تعتدل جالسة بوهن..
“كفاية عياط ونبي يا أبلة خضرا.. حقك عليا والله”..

قالتها ببوادر بكاء و هي تحاول مغادرة الفراش بضعف،تمكنت من الوقوف بصعوبة بالغة، وحاولت تسير نحوها لكن تهاوي جسدها لم يسعفها فسقطت جالسة أرضًا بقوة..

“يا جلبي يا بتي”.. صرخت بها “خضرا” و هي تركض نحوها، و جلست على ركبتيها أرضًا أمامها تتفحصها بلهفة و تساندها بحرص حتي اعادتها لفراشها مرة أخرى..

“أنا أسفة.. حقك عليا”..
همست بها “سلسبيل” ببكاء حاد و هي ترتمي داخل حضنها و تبكي بنحيب..

ربتت “خضرا” على شعرها بحنو، و تحدثت بابتسامة رغم عبراتها التي تهبط على وجنتيها ببطء..

“إني مش زعلانة منِك يا خيتي..بالعكس أني زعلانة من طريقة حديتي الماسخ وياكِ.. عبد الچبار بجي چوزك زي ما هو چوزي و ليكِ حق عليه زيي تمام، و عشان أكده أني بحلك من وعدك ليا”..

رفعت” سلسبيل” رأسها و نظرت لها بذهول، لتزيل “خضرا” دموعها بيدها الحنونة و تابعت بغصة يملؤها الأسى ..
” بس متبجيش تاخدي على خاطرك مني لما أزيط فيكِ سواعي أكده من غيرتي و حرقة جلبي يا سلسبيل “..

” صعبتيها عليا أكتر بحنيتك، و طيبة قلبك دي يا أبلة خضرا”.. أردفت بها” سلسبيل” بأسف، واجهشت ببكاء مرير مكملة..
” مش هيهون عليا أحرق قلبك حتي لو التمن قلبي أنا”

الفصل ال16..

مر يومان..

لم يستطيع “عبد الجبار” الانفراد ب “سلسبيل” منذ خروجها من غرفة العناية،فقد طلبت هي من الممرضات بالمشفى عدم تركها معه بمفردها بعدما رأت ضعفها المخزي بين يديه،

لهفتها عليه تلغي كل ذرة تعقل بها، خاصةً بعد عناقهما الذي أصبح إدمان بالنسبة لهما، كل لحظة تمر عليها تحترق شوقًا لضمة من صدره ، لكنها صامدة لخاطر” خضرا” التي تعتني بها بحب صادق رغم حزنها

و ألم قلبها الظاهر بعينيها يجبرها على الإبتعاد عن زوجها قدر الإمكان حتي لا تُزيد وجع غيرها، بينما وجعها هي يتضاعف..
حسمت قرارها ولن تتراجع فيه، ستبتعد وقتما تستعيد قواها و تتمكن من النهوض

و السير بمفردها حينها ستتركه لعائلته دون وداع حتي، فهي على درايه كاملة أنه لن يعطي لها أبدًا فرصة الهروب منه..

“أحنا بقينا عال يا مدام سلسبيل، و ممكن اكتبلك على خروج انهاردة”..
قالها الطبيب فور أنتهاءه من فحصها بدقة تحت أنظار “عبد الجبار” المرتعدة من شدة خوفه عليها، و “خضرا” التي صدح صوتها بزغروطة تعبر بها عن فرحتها..

“صُح حديتك يا دكتور.. يعني هي بقت زينة”..
قالها” عبد الجبار ” بهدوء عكس ضجيج قلبه، ليجيبه الطبيب بأسف قائلاً..

“هي حالتها أصبحت مستقرة الحمد لله.. فأحنا هنعتبر خروجها من المستشفى هدنة بسيطة هتمشي فيها على علاج مهم جداً.. تاخده في ميعاده بانتظام لأن الخطر لسه موجود و علشان كده ممنوع الزعل نهائي.. أو أي مجهود تعمله حتي لو بسيط”..

“أني هحطها چوه عنيا و مهخلهاش تعمل حاچة واصل يا دكتور”..قالتها” خضرا ” و هي تقترب منها تهندم ثيابها، و تربت على صدرها بحنو..

” تسلميلي يارب يا أبلة خضرا.. ربنا ميحرمنيش من حنيتك عليا”..
همست بها” سلسبيل ” بخفوت و هي تبتسم لها ابتسامة باهتة تخفي بها عبراتها التي ترقرقت بعينيها..

بادلتها” خضرا ” ابتسامة دافئة وهي تقول..
” ولا يحرمني منكِ يا خيتي”..

بينما “عبد الجبار” سار برفقة الطبيب خارج الغرفة، لتتسع ابتسامة” خضرا ” مغمغمة..
“أيوه أكده روقي يا حبيبتي و قومي على حيلك و ارچعي دارك نوريه و فرحي جلبي و جلب چوزك”..
صمتت لبرهةً و تابعت بمزاح..
“و افقعي عين و مرارة بخيتة”..

حركت “سلسبيل” رأسها لها بالنفي و همست بضعف قائلة.. “ده بيتك أنتي و هيفضل بيتك لوحدك و عمري ما هشركك فيه يا أبلة خضرا.. أنا ضيفة عندك و هيجي اليوم اللي همشي فيه و بتمني يكون في أقرب وقت ممكن”..

“وه ليه يا بتي بتقولي أكده.. أنتي خلاص بجيتي مَرات عبد الچبار اللي بمشيئة الله هتچبر خاطره و تچبله الواد اللي بيتمناه من سنين طويلة”..

رسمت غضب مصطنع على ملامحها البشوشة و تابعت..
” ويكون في علمك أني هكون أم الواد زيكِ و يمكن أكتر كمان.. هيكون ابني اللي مخلفتهوش يا سلسبيل “..

فتحت” سلسبيل ” فمها و همت بالحديث لكن”خضرا ” أوقفتها حين قالت..
” خلينا نفرح لول بخروچك بالسلامة.. أني ندراها يوم ما ترچعي على الدار هعمل ليلة كبيرة و وكل ياما بيدي لخاطر عيونك أنتي يا ست البنتة”..

أطبقت” سلسبيل ” جفنيها بعنف كمحاوله منها لكبح عبراتها التي تجمعت بحدقيتها بسبب معاملة “خضرا” معاها التي تجعل إصرارها بالابتعاد عن زوجها يزداد..

……………………………..لاحول ولا قوة الا بالله ?…

” المنصورة “..

” جابر” تسعة و عشرون عامًا.. شاب مكافح بني نفسه بعمله الشاق داخل بلده و خارجها ،حتي تمكن من تحقيق الكثير من أحلامه، لكن أهم حلم بحياته بأكملها لم يستطيع تحقيقة حتي الآن، لكنه لم و لن يتوقف عن السعي حتي يصل لغرضه و يحقق هذا الحلم مهما كلف منه الأمر..

صف سيارته أحدث الموديلات أمام منزل حديث الطراز، جلس شارد داخل السيارة، و مد يده لجيب سرواله الخلفي اخرج جزدانه الجلدي فتحته على مهلٍ و اخرج ورقة قديمة مطوية أكثر من مرة فتحها بحرص

و يتطلع لصورته المرسومة بأحترافية رسامة ماهرة برفقة فتاة صغيرة ممسك بيدها ، يسير بها تجاه مدرستها..

انبلجت ابتسامة على ملامحه الوسيمة حين صدح صوتها الطفولي العذب يرن بأذنه..

.. فلاش باااااااااااك..

كان بعامه السبعة عشر، و هي بعمر السابعة.. يعاملها كما لو كانت ابنته من شدة اهتمامه بأدق تفاصيلها، حتي أصبحت هي معلقة به أكثر من والديها..
“شوفت رسمتي الجديدة حلوة إزاي”..

أخذها منها و تأملها بانبهار مدمدمًا..
“دي حلوة أوي يا سلسبيل.. بس قوليلي تقصدي بيها مين يا تري!!” ..

اجابته بتلقائية..
“اقصدنا سوا.. رسمتك و رسمتني و أنت بتوديني المدرسة يا جابر”..

مسح على شعرها بحنان، و مال على وجنتيها الممتلئة لثمها بعمق مغمغمًا..
“عقبال ما أوديكي الكلية كمان يا عيون جابر”..

التمع الحماس بعينيها الجميلة بلونهما الأخضر الصافي، و تحدثت بفرحة غامرة.. “هتوديني الكلية اللي قولتلي عليها بتاعت الرسم”..

” هوديكي يا حبيبتي.. هو أنا عندى كام سلسبيل”..
قالها و هو يدغدغها كعادته معاها و هي تضحك بقوة ضحكتها الملائكية التي تأثر القلوب .. لم يمر على هذا اليوم سوي أسبوع واحد و انقلبت حياتهما رأسًا على عقب..

.. نهاية الفلاش باااااااك..

. بشقة واسعة تتميز برقي أثاثها، نجد “فؤاد” رجل كفيف بأواخر عقده السادس يجلس على أريكة ممسك مسبحته يسبح عليها كعادته..

“صباح الورد على أحلى جدو فؤاد في الدنيا”..
أردف بها “جابر” الذي دلف للتو من الخارج، و اقترب منه، مال عليه و قبل يده و جبهته بحب مكملاً..
“أيه اللي مصحيك بدري كده يا حبيبي”..

“مستنيك من إمبارح يا جابر يا ابني.. كنت فين طول الليل يا حبيب جدك”..

جلس “جابر ” على الاريكة جواره، و تنهد براحة مغمغمًا..
“وصلت أخيراً لعنوان سلسبيل بنت بنتك يا جدي”..

تهللت أسارير “فؤاد” مردفًا بلهفة..
“فين يا جابر.. خدني عندها يا ابني.. خدني عندها الله لا يسيك يا جابر”..

” أهدي يا جدي..انا هجبهالك لحد عندك اطمن”..

قالها و هو يجذب رأسه لصدره و ضمه بحنو مكملاً..
“انهارده هروح اجابها.. مش هسيبها بعيد عن حضننا تاني أبدًا “..

…………………….. سبحان الله العظيم ?…

أمام منزل” عبد الجبار “..

فرقة من أشهر فرق الفنون الشعبية ترقص الخيول على المزمار البلدي أصرت “خضرا” على أحضارهم ، و صدح صوت طلقات نارية فور وصول سيارته التي توقفت بمكانها الخاص داخل حديقة منزله..

هبطت “خضرا” التي كانت تجلس بجواره بعدما فشلت في إقناع “سلسبيل” بالجلوس بالمقعد المجاور لزوجها و فضلت الجلوس بالخلف ..

طيلة الطريق كانت عينيها تتهرب من نظرة “عبدالجبار” التي تحاصرها عبر المرآه، كانت فرحته بخروجها من المشفى ليس لها مثيل،و كأن قلبه عادت له الحياة برجوعها له..

استدارت “خضرا” مسرعة نحوها و فتحت باب السيارة، و مدت يدها لها تساعدها، و تساندها و هي تزغرط بلا توقف أمام أعين “بخيتة” المتآججة..

تقف على باب المنزل تتابع ما يحدث بغيظ و غضب عارم و هي تري قوة “خضرا” تتضاعف بوجود “سلسبيل” وهي كانت تظن أنها كسرت أنفها بزواج ابنها من امرأه غيرها، و ستصبح الكلمة الأولى و الأخيرة لها هي،

“شيل مَراتك يا خوي”..
أردفت بها “خضرا” حين شعرت بتهاوي جسد “سلسبيل” التي تسير بصعوبة بالغة بسبب ضعفها الشديد..

لم يجعلها “عبد الجبار” تُعيد جملتها مرتين، و قطع المسافة بينه و بينهما و حملها على ذراعيه بخفة كأنها لم تزن شيء، بل هي بالفعل ضئيلة للغاية، و جسدها صغير بين ضخامة جسده العريض..

دلف بها لداخل المنزل محمولة علي يديه، محاوطها بحماية كالحصن المنيع أمام أعين “بخيتة” المنذهلة من أفعال “خضرا” التي كانت تسير خلفهما تسقف، و تزغرط، بل وصل بها الأمر أن تتمايل راقصه بذراعيها و هي تلاعب لها حاجبيها..

“حمد لله على سلامة مَراتك يا ولدي”..
نطقت بها “بخيتة” من بين أسنانها و هي ترمق “سلسبيل” المستندة برأسها على كتف زوجها بنظرات كالسهام القاتلة..
” الله يسلمك يا أمه”..

قالها “عبدالجبار” وهو يتابع سيره بها متجه نحو غرفتها، لتتسع أعين “بخيتة” بصدمة حين نظرت لها” سلسبيل ” و أخرجت لسانها لها بحركة أستفزازية جعلت النيران تشتعل بداخلها أكثر..

” اه يا بت المركوب”.. تمتمت بها بسرها، لتقفز فجأة بفزع حين اقتربت منها” خضرا ” و زغرطت داخل أذنها بصوت عالِ للغاية مرددة..

“الليلة فرحتنا كبيرة بخروچ عروسة سيد الدار بالسلامة يا أمه بخيته.. وإني نادراها هعمل وكل ياما و أوزع على الخلق بيدي”..

“اممم و ماله.. اعملي و وزعي ما هو كله خير ولدي”..
قالتها “بخيتة” و هي تسير من أمامها بخطوات غاضبة، و هي تسب و تلعن بسرها كعادتها..

…………………… صلِ على محمد ?……

” خضرا”..
دلفت خلف” عبد الجبار ” غرفة” سلسبيل ” كان هو يضعها على الفراش برفق و كأنها بلورة باهظة الثمن يخشي عليها من الكسر، سحب يده من حولها متعمد لمسها بطريقة حميمية كادت أن توقف قلبها من عنف دقاته..

“هروح أنا اتسبح و أغير خلجاتي على ما تچهزي الوكل يا خصرا”..
قالها و هو يغادر الغرفة، و يسير للخارج بعدما اطمئن على صغيرته التي تجهز لها “خضرا” ثياب بيتيه، و جلست بجوارها لتساعدها على تغير ثيابها..

“عنيا يا أبو فاطمة.. هساعد البنته و اسيبها ترتاح هبابة و هقوم اچهز الوكل طوالي”..
أردفت بها و هي تخلع لها حجابها بعدما تأكدت من خروج زوجها وغلق الباب خلفه..
“أبلة خضرا ممكن تبعتيلي فاطمة و حياة يقعدوا معايا على ما انتي تخلصي اللي بتعمليه و تيجي”..

تفهمت” خضرا ” المخزي وراء طلبها هذا، تراقص قلبها فرحًا حتي إنها لم تستطيع إخفاء فرحتها هذه، و ردت عليها دون أدنى إعتراض بعدما ربحت غيرتها مجددًا..
“حاضر يا خيتي.. هقولهم يفضلوا وياكِ على ما أچيكِ بالوكل لاچل ما تاكلي زين و أعطيك علاچك بيدي”..

نظرت لها “سلسبيل ” بابتسامة تتعجب من حنانها عليها و غيرتها منها بأن واحد..

……………………………لا إله إلا الله ?…

..بعد مرور أقل من ساعة..

ممدة على الفراش تتابع بنات زوجها يلعبان بجوارها بعرائسهما الباربي، انبلجت ابتسامة حزينة على ملامحها الجميلة و هي تتأملهما، لم يأخذان من والدهما سوي رسمة عينيه الواسعة ذات الرموش السوداء الطويلة،

تلاشت ابتسامتها حتي اختفت تمامًا و حل مكانها الخجل الذي جعل وجنتيها تتورد بحمرة قاتمة حين تسللت لأنفها رائحة عطره التي تحفظها عن ظهر قلب،

علقت أنفاسها بصدرها، و نظرت تجاه باب الغرفة بلهفة تنتظر طالته عليها بنفاذ صبر، تسارعت نبضات قلبها حين وصل لسمعها صوت خطوات قدميه تقترب، و من ثم طرق برفق على الباب و دلف للداخل غالقه خلفه، و عينيه تدور بحثًا عنها بإشتياق واضح على قسماته الصارمة..

يا إلهي تشتاقه حد الجنون !!!

رفرف قلبها بشدة بين ضلوعها حين طل عليها بهيئتة التي تذيب عظامها و تخطف أنفاسها ، نظراتها تشمله بتفحصٍ لا يخلو من الإعجاب، جلبابه الأسود الذي يظهر عرض كتفيه و ذراعيه المعضله زاده هيبه و وقار ..

“أبوي!!”..
نطق بها الفتاتان و هما يركضان نحوه، أرتموا داخل حضنه، فضمهما هو له بحب شديد، و عينيه مثبته على تلك الصغيرة التي تطلع لهم بابتسامة فاتنة، و كم تمنت لو تركض هي الأخرى و تختبئ بين ضلوعه،

“اتواحشتكم قوي قوي”..
قالها “عبد الجبار” قاصدها هي بها، عينيه ترمقها بنظرة معاتبة على معاملتها له التي تبدلت للنقيض دون مبرر أو سبب واضح..

ابتعدت هي بعينيها عنه سريعًا، و قد عادت ملامحها للجمود ثانيةً و سحبت عليها الغطاء تخفي به منامتها القطنية ذات اللون الوردي التي تظهر جمال عنقها المرمري، و بداية صدرها بسخاء..

“قاعدين أهنه و سايبين أمكم تحضر الوكل لحالها أكده “..
قالها و هو يبتعد عن الباب، مكملاً.. “همي يا فاطمة و خدي خيتك وياكِ!!”..

لم تدعه “سلسبيل” يُكمل حديثه حين قطعته قائلة بصوت مرتجف يظهر مدي توترها..
“لا سيبهم.. أنا قولت لابلة خضرا عايزاهم يفضلوا معايا”..

رفع حاجبيه و رمقها بنظرة منذهلة، أكدت هي الآن ظنونه بها و أصبح على يقين أنها تتهرب من وجودها معه بمفردهما..
” امممم وماله يفضلوا ، و أني كمان هفضل وياكِ”..

قالها و هو يسير نحوها بخطي بطيئة أثارت الريبة بداخلها، و قد اعتلت ملامحه ابتسامة ماكرة ذادت من توترها، و جعلت أنفاسها تتلاحق حين وجدته جلس بجانبها على الفراش المسافة بينهما لا تُذكر..

جحظت عينيها بصدمة حين شعرت بذراعه يتسلل من أسفل الغطاء و يلتف حول خصرها مستغل انشغال الفتاتان باللهو مرة أخرى، و جذبها عليه لصقها بجزعه العلوي كتفها الأيمن يتوسط صدره..

“عبد الجبار”.. همست بها بتحذير، و هي تتنقل بعينيها بينه و بين الصغيرتان..

“اتوحشتك يا سلسبيل.. اتوحشتك قوي”..
همس بها داخل أذنها، و هو يزيل خصلاتها الحريرية بيده الأخرى، و أنامله تتحسس نعومة بشرتها بلمسات جعلت جسدها ينتفض بقوة بين يديه حين شعرت بأنامله تضغط على خصرها بعنف محبب..

أخذ نفس عميق يملئ رئتيه بعبق رائحتها، و عينيه تجول على وجهها يتفرس ملامحها، حتي توقف بنظره علي شفتيها، ابتلع لعابه بصعوبة مكملاً..
“حرماني منكِ ليه يا عشج الجلب و الروح”..

قالها و هو يسحب الغطاء بعيدًا عن عنقها حتي ظهرت مقدمة صدرها أمام عينيه التي تتآجج بها رغبته فيها..

أطلقت آهه خافته حين ضمها له بقوة أكبر و يده تتحرك ببطء على خصرها صعودًا إلى صدرها، فأسرعت هي بالقبض على كفه و همست بنبرة مرتجفة متوسلة..
” عبد الجبار علشان خاطري كفاية”..

“عبد الجبار”..!!!!

انتهي الفصل..
هستني رأيكم يا حبايبي..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
رواية جبر السلسبيل. الجزء السابع عشر

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .

­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ .
­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­ ­

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top