الفصل الثامن..
جبر السلسبيل..
✍️نسمة مالك✍️….
الإعتراف بكسر قلب في هذا الزمان قوة لا يستهان بها.. بالعادة نجد المبررات الكافية لنتبرأ من تلك الحواف الحادة للذنب، خاصةً إذا صادفنا من بستطاعته جبر هذا القلب، و إنقاذه من الغرق بشتات العالم..
تجمّدت “سلسبيل ” بين يديه الضخمة التي تحتويها بحماية و أمان لم تشعر به طيلة حياتها، رغم أنه كان ضغطًا على جسدها الصغير بقوة زادت من ألم عظامها التي لم تشفي بعد من أثار الضرب المبرح الذي تعرضت له على يد والدها،
بَدت هادئة بالنسبة لهم عندما رؤها ساكنة بين ذراعية بلا حراك هكذا،
لكنه و للعجب لم يبتعد عنها، لم يفك قيده من حولها، ظل على وضعه هذا محتضنها داخل صدره بشدة غير عابئ لنظرات الدهشة على ملامح زوجته التي تتابعه بأعين تحجرت بها العبرات بعدما رأت لهفته عليها،
لمعة عينيه و هو يتطلع لتلك المكومة داخل صدره العريض،
هنا أيقنت أنه يريد “سلسبيل” قلبًا و قالبًا، لكنه يلجم نفسه عنها لخاطرها هي، الأمر لم يظل هادئ هكذا إلا دقائق معدودة، و فجأة جحظت أعين “خضرا” على أخرهم و هي تري مدي تطور حالة “سلسبيل” حتي أصبحت يرثي لها بعدما قطعت “بخيتة” الصمت مردفة بقسوة..
“بعد عنِها يا عبد الچبار بت المحروق دي لتوسخ خلاجتك بخلجتها المطينة.. خليها تخلص تنضيف الدار و بعد أكده تغور في داهيه بلا راجعة”..
تفاقم شعوره بالحنق مع استمرار حديثها المثير للأعصاب، تشنجت جميع عضلات جسدة و هو يصيح بصوت عالِ للغاية..
“كفااااايكِ يا أمه!!!!”..
” ليكي حق تعملي فيا أكتر من كده.. ما أنا مليش ضهر و لا سند يجبلي حقي منك”..
همست بها” سلسبيل ” و هي تجاهد لألتقاط أنفاسها المتلاحقة،
كسر قلبها كان ألمه لا يحتمل هذه المرة، جعل نبضاتها تتباطئ، عيناها تشخصان، أزرقت شفتيها،انخفضت درجة حرارة جسدها حتي أصبحت باردة كقطعة الثلج، بينما جسد ذلك العملاق متوهج بنيران بركان قوي أنفجر للتو من داخل قلبه..
.
.
” يا مري الحق يا عبد الچبار.. دي بينها قطعت النفس”..
صرخت بها “خضرا” و هي تري شحوب “سلسبيل” الذي يزيد و يتدافع،رغم أنها لم تفقد وعيها، إلا أن وضعها ساء لدرجة صدمتهم جميعًا معادا تلك القاسية، و قد ظنو أنها تحتضر..
“لو تهملني عليها يا ولدي.. أنزل علي نفوخها بعكازي أفوقها بيه وقتها هتقوم زي القرد تتنطط تنطيط”..
قالتها” بخيتة ” وهي ترفع عصاها، و همت بإنزاله على رأس “سلسبيل” إلا أن يد “عبد الجبار” قبضت عليه و جذبه منها لكمه بعنف في الأرض الصلبة حتي هشمه،
و من ثم حمل “سلسبيل ” بين يديه، واضعًا يد حول خصرها، و الأخرى أسفل ركبتيها، و أنتصب واقفًا بها..
مرت لحظات من الصمت.. إلى أن قال بتجهم بث فيها الكثير من الريبة.. “عبد الجبار المنياوي مهيسمحش لمخلوق يهين حد بداره !! “..
أوقفته “خضرا” عن إكمال حديثه، قائلة بشجاعة..
“و خصوصًا اللي هتبجي مَراته!!!!”..
ساد الصمت ثانيةً، تطلع لها “عبد الجبار” بصدمة، لتهرول هي تجاهه و تمد يدها أمسكت يد “سلسبيل” التي لم تبدي أي رد فعل، تنظر للفراغ بأعين شبه مغلقة، و كأن روحها غادرت جسدها،..
.
.
ربتت عليها بحنو، و رسمت ابتسامة دافئة تخفي بها دموع عينيها مكملة..
“أني دلوقتي اللي بترچاك تتچوز” سلسبيل ” يا عبدالچبار”..
في وقت الضعف نقدم تنازلات تحت تأثير العاطفة، نتخذ قرارات مصيرية بلحظة اندافع، لا نعلم ما يمكن أن يترتب على عواقبها فيما بعد..
.
.
………………………………. لا حول ولا قوة الا بالله ?……
بغرفة” سلسبيل ”
تجلس” خضرا ” بجوارها على الفراش، محتضنه رأسها و تبكي على حالها بنحيب بعدما رأت جسدها المشوة من عنف الضربات الدامية التي تعرضت لها،
.
.
كانت “سلسبيل” مسطحة لا حول لها ولا قوة أثناء الكشف عليها من قبل طاقم طبي أحضره “عبد الجبار” عبر الهاتف،
“جلبي عليكي يا خيتي”..
قالتها و هي تقبل جبهتها، و تمسح على شعرها برفق مكملة..
“متخفيش.. هتبجي زينة يا حبيبتي”..
.
.
“أبلة خضرا”..
همست بها “سلسبيل” بصوت مرتجف، لتجيبها “خضرا” على الفور بلهفة.. “أؤمريني يا بتي”..
ظهرت شبة ابتسامة على ملامح” سلسبيل”، و نظرت لها نظرة امتنان بعينيها الذابلة مدمدمة بهمس مُتعب..
“أنا مستحيل أتجوز جوزك و أوجع قلبك.. دا أنتي الوحيدة في الدنيا دي اللي حنيتي عليا و ختيني في حضنك.. مستحيل أقل بأصلي معاكي”..
إزداد نشيج “خضرا” و أجهشت ببكاء مرير، لتكمل “سلسبيل” ببوادر بكاء..
” أنا بشكرك من جوة قلبي على طيبتك اللي ملقتش زيها في الدنيا القاسية دي بعد موت أمي”..
أبتلعت لعابها بصعوبة و تابعت بتنهيدة، و هي تغلق عينيها هاربة من واقعها كالعادة بالنوم..
” أنا هدور على أهل أمي، و همشي من هنا في أقرب وقت”..
أمام باب الغرفة..
يسير” عبد الجبار “ذهابًا و إيابًا ينتظر خروج الأطباء من عندها بنفاذ صبر، كاد أن يفقد عقله من شدة قلقه عليها، غافلاً عن أعين بخيته التي تتابعه من بعيد بفرحة غامرة محدثة نفسها بإنتصار..
” جولت هچوزك على خضرا بت نفيسة،و صدقت في جولي يا أبن المنياوي”..
بدأت تصفق و تدندن قائلة..
“أتمشي ليه ورايا.. وإيه قصدك معايا
إن كنت عايز تخطبني .. شيّع لي أمك تخطبني
أبويا واعر يضرُبني .. لو عرف الحكاية»”..
..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
رواية جبر السلسبيل. الجزء التاسع
.
.
.
.