7=رواية عروسي الصغيرة للكاتبة سارة علي الفصل السابع
بعد مرور خمس سنوات…
وقفت امام مرأتها تتأمل تفاصيل اطلالتها للمرة الاخيرة، كانت اطلالة راقية للغاية مكونة من تنورة سوداء قصيرة بالكاد تصل الى منتصف فخذيها فوقها قميص من الشيفون الابيض عاري الاكتاف يغطيه سترة سوداء اللون ذات ازرار فضية…
ارتدت حذائها ذو الكعب العالي ثم اخذت تسرح شعرها الطويل بعناية قبل ان تضع عطرها المفضل وتخرج من منزلها متجهة الى الشركة…
دلفت الى الشركة لتتجه عيون جميع الموظفين نحوها فهي رئيستهم وصاحبة هذه الشركة الضخمة…
تقدمت نحو المصعد وضغطت على احد ازراره لينفتح الباب تلقائيا بعد لحظات… دلفت الى الداخل وضغطت على زر الطابق الاخيرر…
وصلت اليه بعد لحظات لتهبط من المصعد وتتجه نحو مكتبها فتجد سكرتيرها في انتظارها…
القت التحية عليها وقالت بنبرتها العملية المعتادة:
هل الجميع في الداخل…؟!
اومأت سكرتيرتها وهي تجيبها بجدية:
جميعهم في انتظارك…
توقفت لحظات قبل ان تقول:
هل حجزت لي تذكرتي سفر الى ايطاليا كما اتفقنا…؟!
اومأت السكرتيرة وهي ترد عليها:
نعم، حجزت…
تنهدت بصمت قبل ان تتحرك متجهة الى قاعة الاجتماعات حيث ينتظرها الجميع هناك لبدء الاجتماع…
جلست في مكتبها بعدما انتهى الاجتماع وهي تتنهد بتعب… لقد قضت وقتا طويلا وهي تتناقش مع موظفيها بكثير من امور العمل…
اغمضت عينيها للحظات سرعان ما انتهت وهي تفتحها على صوت ضجة غريبة في الخارج…
خرجت مسرعة لتجد اثنين من الموظفات تتعاركان سويا وصوت صراخهما يعلو في ارجاء المكان…
وبصرخة واحدة منها جعلتهما تتراجعان فورا عما تفعلانه ثم اخذت تنهرهما بضيق قبل ان تأمر بفصلهما من العمل…
في هذه الاثناء تقدم احدهم منها متسائلا بتعجب:
ماذا يحدث يا شمس…؟! ولما كل هذه الضجة…؟!
اجاابته شمس وهي تتجه نحو المكتب مرة اخرى:
دعنا ندلف الى الداخل اولا… وسوف اخبرك بكل شيء…
.
.
اخذ الشاب يقهقه عاليا بشكل اغاظ شمس التي نهرته بضيق:
كف عن الضحك يا اياد… مالذي يضحك فيما قلته…؟!
اجابها وهو يجاهد لكتم ضحكاته:
لقد تحولت الشركة الى سوق هرج…
زفرت شمس انفاسها بضيق وهي تضع وجهها بين كفي يدها لينهض اياد من مكانه ويقترب نحوها متسائلا:
ما بك يا شمس..؟! تبدين متعبة…
رفعت شمس بصرها في وجهه قائلة بنبرة متعبة:
تعبت يا اياد… اشعر بأنني اتحمل ما هو فوق طاقتي…الشركة ضخمة وتحتاج الى جهد كبير..
ربت اياد على كتفها قائلا بنبرة مواسية:
اعلم هذا ولكن لا حل امامك سوى التأقلم مع هذا الوضع… انت ما زلت في بداية مشوارك ومن الطبيعي ان تتعبي كثيرا وتشعري بالعجز…
اومأت شمس برأسها قبل ان يكمل اياد وهو يغمز لها بعبث:
ما اخبار الرحلة…؟!
ابتسمت قبل ان تجيب بجدية:
كل شيء جاهز… سوف ننطلق مساء اليوم…
هز اياد رأسه متفهما ثم قرر الاتجاه الى منزله للتجهيز من اجل رحلته…
امام امواج البحر العالية كان يقف هو والذكريات تلفحه من جميع الجوانب…
ذكريات مرت عليها سنين طويلة لكنها ما زالت تعصف به وبذاكرته…
عودة الى الوقت الماضي…
.
.
(نهضت شمس من مكانها وهي تغطي جسدها بغطاء السرير والدموع اللاذعة تغرق وجهها…
تطلعت بعيون منخفضة الى رائد الذي يجلس على السرير موليا ظهره العاري لها
ورأسه منخفض نحو الاسفل…
لا يصدق ما فعله… كيف فعل بها شيء كهذا…؟! كيف استغل براءتها وسذاجتها بهذا الشكل المخزي…؟!
هل ستعذره…؟! هل ستتفهم اسبابه…؟! بالتأكيد لا…
.
.
مسح وجهه بكفي يده والتفت نحوها قائلا بنبرة مترددة خافته:
انا اسف…
مسحت شمس دموعها باناملها ورفعت انظارها في وجهه اخيرا قائلة بصوت باكي:
بل انا من يجب ان اعتذر…
اندهش من كلامها وتقدم ناحيتها ماسحا دموعها بانامله متسائلا بقلق:
لماذا تعتذرين..؟!
.
.
اجابته من بين نشيجها وتنهداتها:
لانني تصرفت كطفلة صغيرة وبكيت…
حملق بها بدهشة بينما اكملت هي بجدية:
انا لست غبية يا رائد وافهم جيدا ان ما حدث طبيعي بين اي زوجين…
تنهد رائد بصمت ثم قال بجدية:
انا اسف يا شمس…اسف يا صغيرتي… لكنني اعدك بأنني لن اكرر ما حدث اطلاقا…
تهلل وجهها بشكل مزق قلبه:
حقا…؟!
.
.
اومأ برأسه دون ان يجيب بينما نهض من مكانه وارتدى قميصه وخرج تاركا شمس ضائعة لا تعرف كيفية التصرف في وضع كهذا…)
اغمض عينيه وهو يتنهد بالم… لقد كان هذا بداية انقطاع الخيط بينهما… بداية البعد والفراق…
(لماذا لم تخبرها بأن والدها توفي منذ يومين..؟!
كان حديث المحامي وطريقته المؤنبة كافية لجعل رائد ينفجر في وجهه ويقول:
وكيف تطلب مني ان اخبرها بشيء كهذا وهي لم تخرج من صدمة ما حدث بيننا بعد…؟!
زفر المحامي انفاسه بضيق بينما اكمل رائد:
اساسا لا اصدق كيف طاوعتك وفعلت ما فعلته…
تحدث المحامي بنبرته الجدية العملية :
سيد رائد لم يكن اماما حل اخر سوى هذا…أم كنت ترغب بأن يسيطر اعمامك على املاك المرحوم بعد ان يكشفوا امر زيجتكم المزيفة…
تطلع اليه رائد بنظرات غير مقتنعة ليكمل المحامي حديثه:
ما حدث هو الصحيح… انت انقذت الفتاة من طمع اعمامها…
احاول ان اقتنع بما تقوله لكنني لا اقدر…
نهض المحامي من مكانه واخذ يربت على كتف رائد قائلا:
صدقني سيد رائد انت لم تفعل سوى ما هو صحيح…
معك حق…
قالها باختصار وهو ينهض من مكانه متجها الى منزله ليرى شمس ويخبرها بوفاة والدها…)
عودة الى الوقت الحاضر…
جلست شمس على الكرسي المخصص لها في الطائرة بجانب اياد…
كورت قبضتيها بقوة حينما بدأت الطائرة في الارتفاع ليقبض اياد على كف يدها محاولا التقليل من خوفها فهو يعرف مدى خوفها من الطائرات…
تنهدت براحة حينما ارتفعت الطائرة في الفضاء الواسع بينما حرر اياد يدها من قبضته…
اغمضت شمس عينيها محاولة منها للنوم او التقليل من التوتر الذي تشعر به…
وبدلا من النوم اخذت الذكريات تعود اليها بقوة… ذكريات ابت ان تتركها… ذكريات لا تخص وحدها بل تخص اخرا تعلق قلبها به رغما عنها…
( كانت شمس تجلس في غرفتها تتتابع التلفاز بملل شديد حينما دلف رائد اليها…
كانت هذه المرة الاولى التي تراه بها بعدما حدث…
فمنذ رحيله ليلتها او بالاحرى هروبه وهو يتجنب االلقاء بها…
نهضت من مكانها مصدومة من وجوده لتسأله بعدم تصديق:
رائد..ماذا تفعل هنا…؟!
تطلع اليها رائد بنظرات حزينة قبل ان يقول بجدية:
شمس…هناك شيء مهم يجب ان تعرفيه…
شعرت شمس بالقلق مما سيقوله فقالت بنبرة متوترة:
تحدث…ماذا حدث…؟!
اغمض رائد عينيه للحظات قبل ان يفتحها ويقول بصوت متشنج:
لقد توفي عمي يا شمس…
رمشت شمس بعينيها عدة مرات تحاول ان تستوعب ما سمعته…
اخذت تهز رأسها نفيا والدموع تهطل من عينيها بغزارة…
دموع لا ارادية…
شمس…
قالها رائد وهو يقبض على كتفيها محاولا اسنادها الا انها كانت رافضة لتصديق ما تسمعه فظلت تهز رأسها نفيا رافضة تصديق ما سمعته قبل ان تنهار باكية بين احضانه…)
افاقت شمس من ذكرياتها المؤلمة على صوت المضيفة تسألها عن وجبة الطعام التي تفضلها لتمسح دمعة يتيمه تدحرجت على وجنتها دون ارادة منها…
رواية عروسي الصغيرة. الجزء الثامن
.
.
.
.