دفنت خالى وعيااله والكام واحد من جيرانى اللى كانوا معايا مشيوا وامى وخالى لسه موصلوش بالعربية ، طبعًا قلقت عليهم جدًا وافتكرت كلمة امى لما قالتلى ان خالى نظره ضعيف وانه بيسوق العربية بالراحة ، وافتكرت كمان لما قالتلى انها هتخليه يسوق العربية بسرعة علشان يحصلنا وقولت من المؤكد ان حصل حاجة .
قعدت اتصل بيهم على التليفون فضل مقفول كام ساعة وبعد كده لقيت تليفون امى رن ، طبعًا رديت لكن ملقتش امى اللى بترد على التليفون ، لقيت واحدة بتقولى :
= ازى حضرتك ياافندم ، هو حضرتك من اهل الحاجة والاستاذ
.. ايوة انا ابنها والاستاذ ده يبقى خالى ، خير ، مين حضرتك ؟
= انا ممرضة فى مستشفى الدنيا ياافندم ، والدة حضرتك وخالك للأسف عملوا حادثة شديدة وهما حاليًا فى العناية المركزة
.. انا جاى حالا
قفلت التليفون ومعرفش ازاى نزلت فى الشارع وركبت تاكسى وطلعت زى المجنون على المستشفى ، اول مادخلت من الباب قالولى ممنوع الزيارة ، زقيت بتاع الامن وعملت مشكلة كبيرة جدًا علشان ادخل ، لحد ماالمدير تفهم الموقف وسمح ليا بالدخول وكمان علشان اخد المتعلقات بتاعتهم ، طلعت بصيت على امى وخالى الاتنين فى غيبوبة تامة وعلى جهاز تنفس صناعى ، لقيت رئيس المباحث الموعود اللى مسئول عن المنطقة فى المستشفى علشان ياخد اقوال المستشفى
والناس اللى وصلتهم للمستشفى وطبعًا اهلهم ومكنش عارف انه هييجي هيشوفنى تانى ، لكن اول ماشافنى اتنهد تنهيدة كبيرة وكانه عايز يقولى انت تانى .
الممرضة بتشاورله عليا ، وراحت معاه علشان توصله ناحيتى وتعرفه بيا ، قالها ، خلاص انا هتولى الموضوع ، وطبعًا اول ماشافنى قالى:
= انا اول مرة فى حياتى اقابل قضية بالشكل ده ، ومبقتش عارف اواسيك ولا اخد اقوالك ولا اعمل ايه ، انا عارف انك مش ناقص بس سامحنى ده شغلى ولازم اعمله
.. مش قولتلك ياباشا ان شكل الدنيا كده جاية عليا وانا مش مكتوبلى الفرحة ، عموما متقلقش ياباشا ، خلاص الدور دلوقتى بقى عليا انا وابنى زياد اللى مش لاقيه
= احنا مكثفين التحريات فى كل مكان علشان نلاقى زياد ابنك وان شاء الله قريب هتلاقيه وعرفنا ان جاتلك مكالمات من حد غريب بيدلك على الجرايم قبل ماتحصل وبرضو متتبعين الموضوع
.
.
.. خلاص ياباشا ، انا حقى هاخده فى الاخرة وزى ماقولت لحضرتك كده ، واضح ان ايامى فى الدنيا معدودة ، ولاول مرة اتمنى انى الاقى ابنى حتى لو ميت ، اهو على الاقل لما اموت ادفن فى المكان اللى هو فيه .
= خلى ايمانك بربنا كبير واكيد كل اللى راحوا فى مكان احسن من هنا
.. اللى راحوا كتير اوى ياباشا ، انا بموت فى الدنيا لوحدى
= تمالك نفسك ، واستغفر ربنا وهستناك تعدى عليا فى المكتب ، وهستأذنك انا هاخد المتعلقات بتاعة خالك والحاجة ، هنرفع من عليهم البصمات ونراجعهم يمكن نوصل لاى شئ ، وان شاء الله هيقوموا بالسلامة وكل شئ هيبقى كويس
رئيس المباحث مشي وطبعًا بعد محاولات كتير من ادارة المستشفى ، مشيت وروحت البيت وقولت اجيلهم على ميعاد الزيارة الصبح يكون ربنا جبر بخاطرى وقومهم بالسلامة ، خاصة ان الدكتور ادالى الامل انهم يعيشوا ، خدت دش ولاول مرة اقعد فى الحمام اكتر من ساعتين تحت المياه ، دماغى متشتته وسارح فى كل اللى حصلى والغريبة بقى انى سامع اصوات كل اللى ماتوا حواليا ، حتى ضحكة ابنى الصغير وكلامه المقطع وهو بيجرى عليا وبيحضنى ، حتى لما كان
بينزلنى الساعة 3 الفجر علشان اجيبله حاجة حلوة ، حاسس ان حركته فى المكان ، مراتى وضحتكها اللى متتعوضش ، ودخولها عليا الحمام وانا بستحمى وهزارها معايا ، حتى عياطها اللى كان بيقطع قلبي ساعة ما كنت بزعلها ، والاحلام اللى حلمناها سوا ان ربنا هيكرمنا وهتبقى حالتنا المادية احسن وهنخلف بدل العيل عشرة ، وهنملى البيت فرحة وسعادة ، كل الاحلام راحت ، مبقاش فيه احلام وردية فى الحياة ، وانا فى الحمام لقيت دموعى بتنزل من غير مااشعر ، حاسس بوجع رهيب جوه قلبي ، نفسي اوى اشوف زياد ابنى .
اكتر حاجة واجعانى فراق اللى حبيتهم من كل قلبي ، حاسس انهم معاشوش يوم حلو ولا انا كمان عشت يوم حلو ، شاكلنا كده مكتوب علينا نعيش فى التعاسة والفقر ونموت عليهم ، يادوب صليت الفجر وريحت جسمى على السرير ، لقيت التليفون بتاعى رن ، قلبي اتقبض ومن غير مااشوف الرقم عرفت انها المستشفى هتقولى ان حد فيهم مات ، واول مارديت على المكالمة قالى مدير المستشفى :
= والله يافندم انا عارف ان الوقت متأخر والشدة اللى حضرتك فيها ، لكن ان شاء الله ربنا هيعوضك خير
.
.
.
قاطعت المقدمة اللى بقت بالنسبالى معتادة وسالته:
.. مين فيهم مات ؟
.
.
سكت للحظات وقالى:
= الاتنين يافندم ، للاسف الاتنين ، البقاء لله يافندم ، منتظرين حضرتك لاستلام الجثث
.
.
انا فى لحظتها فكرت فى الانتحار ، لكن اخرت الخطوة دى شوية لحد ما اكرم امى وخالى وادفنهم ، وطبعًا رئيس المباحث كان هناك وسهلى الامور جدًا علشان اخد تصريح الوفاة ، وطلع محفظة خالى الله يرحمه ، وكان فيها فلوس كتير ، وشنطة صغيرة ، قالى :
= انا عارف انك فى ظروف صعبة علشان كده حبيت اعرفك ان كرم ربنا كبير ، المتعلقات دى فيها حاجات مهمة جدًا هتهمك ، بص عليها كويس ، والمحفظة دى جواها فلوس خالك ، انت اكيد محتاجها دلوقتى
.
.
رجعت الحاجات لرئيس المباحث وقولتله :
.. مش عايز حاجة ولا عايز اعرف حاجة يا افندم ، انا هاخد بس دول علشان الدفنة
خدت مبلغ صغير من محفظة خالى علشان الدفنة والعربيات والعزا اللى بقى مبيتشلش من قدام بيتنا ، ومشيت بسرعة على المدافن واول مرة فعلا ميروحش معايا حد من الجيران ، واروح لوحدى انا و العاملين فى الجمعية الشرعية .
لما روحت المقابر المرة دى حسيت بإحساس غريب ، حسيت انى مش هاجى للمقابر تانى فى دفن حد ايًا كان ، وان المرة الجاية هاجى متشال او الله اعلم يمكن اجى وانا مرمى فى الشارع رمية الكلاب واموت من غير ماحد يحس بيا ، الانتحار كُفر وانا مش بعد كل اللى شوفته اموت كافر ، ربنا غفور رحيم والواحد عمل ذنوب كتير اوى فى الدنيا دى ، اتمنى ربنا يدينى الوقت انى اكفر عنها .
بعد الدفنة كلمنى رئيس المباحث وقالى انه عايزنى اروحله ضرورى ، روحتله واول ماقعدت لاول مرة اشوف على ملامحه السعادة ، وده كان غريب بالنسبالى ، وقبل مااقعد قالى:
= عندى ليك مفاجات كتير اوى علشان تعرف بس ان ربنا شايلك الخير ومش كل الدنيا وحشة
.. خير يا باشا ، اتمنى يكون خير
نادى على العسكرى اللى بره وقاله
= دخله ياابنى
العسكرى دخل وشايل زياد ابنى ، انا قومت وقفت وفضلت مبلم شوية ومش مصدق عنيا ان ممكن زياد يكون لسه عايش ، “، خدته فى حضنى وقعدت ابوسه واعيط لدرجة ان دموعى تقريبًا بقت بتنزل على الارض ، وزياد كمان اترمى فى حضنى اوى وقعد يقولى بطريقة كلامه المقطعة دى
.. انا زعلان منك بابا ، انا زعلان
= متزعلش ياحبيبي مش هسيبك تضيع منى تانى ابدًا
بصيت لرئيس المباحث وقولتله بلهفة
= لقيته فين ياباشا؟!!!
.. لا انا عندى ليك مفاجأة كمان الاول وبعد كده هقولك انا لاقيته ازاى
= ايه هي ؟
.
.. لقينا فى متعلقات خالك وصية كاتب كل ممتلكاته باسمك وتحت تصرفك وبخط ايده وبصمته واتاكدنا اننا نتحقق من بصماته فى المستشفى قبل دفن الجثة
انا بقيت فى ذهول مش مصدق اللى بسمعه ، ومعرفتش انطق نص كلمة سواء من فرحة ابنى او من تعويض ربنا ليا كل التعب اللى عيشته فى حياتى ، رئيس المباحث قالى
= لسه استنى ده المفاجأت جاية كتير ، هحكيلك بقى انا لاقيت زياد ازاى وهقولك كمان على المفاجأة الكبيرة ………
رواية دماغ ثعبان. الجزء الثامن الأخير
.
.
.
.