اتأخرت كتير… محمود راح فتح الباب لقاها سجدة بتدعي بصوت غير واضح و ببكاء شديد… فخرج و قفل الباب… فضل مستنى… ربع ساعة.. نص ساعة.. بيقول انا عارف انها بتحب الصلاة و الدعاء فحبيت اسيبها براحتها.. ساعة الا ربع … مناديتش عليه..
و هو قاعد في الأنتريه شاف خيال كأنه رايح تجاه الأوضة… فكرها طلعت… راح لقي الباب لسه مقفول.. .. فتح الباب و هو بيهزر بيقولها ايه يا مولانا هو احنا هنقيم الليل ليلة الدخلة…
لقاها لسه ساجدة… لكن من غير صوت و من غير بكاء.. حاول يحركها وقعت علي جنبها مبتتحركش و وشها مبتسم… صرخ… فتح الباب و جري في الشارع يدور علي دكتور مفيش… ناس جيرانه جم فضلوا يكبوا مية كتير جدا علي وشها شالوها اخدوها في عربيتهم طلعوا علي المستشفي.. قابلهم طبيب الطوارئ بكلمة محمود مش هينساها… البقاء لله
.
ازااااااى… محمود في حالة انهيار و حلم عمره بيضيع منه.. او ضاع منه… البنت اللي حارب عشان تبقي في بيته و شاف الذل و داق الهزيمة تلات سنين … يوم ما ينتصر و تبقي في بيته… تطلع منه متشالة علي قبرها…
الدكتور لسه صغير… لما عرف انها عروسة متجوزة من ساعتين قلق… بلغ الشرطة… جه ظابط صغير.. معجبهوش شكل البنت اللي نايمة زى الملاك خاصة ان وشها مفيش عليه نقطة ماكياج واحدة.. و قال عروسة ازاى.. فضلوا الجيران يقولوله انهم كبوا عليها مية كتير جدا عشان يفوقوها و مسحولها وشها بفوطة… مفيش فايدة… قلق… كلم النيابة… و قالله يا باشا نبعت طب شرعي عشان مش مطمن…. آمين… انقل يابنى علي مشرحة زينهم..
محمود مش مستوعب اللي بيحصل.. و حاسس انه في حلم… محمود لسه لابس بدلته مغيرش هدومه.. يا دوب فك الكرافت و قلع الجاكيت… و المطلوب منه دلوقتى ان عروسته اللي مقلعهاش فستانها يشتريلها كفنها….
عربية اسعاف نقلت الجثة المشرحة.. محمود راكب معاها… بيبصلها في ذهول… و البنت ملاك نايم… مبتسمة… في هدوء و طمأنينة غريبة…
مجاش في باله لحظة انه يكلم امها او اخوها ولا اساسا مستوعب انه يعمل حاجة زى دى… دمار قلبه أكبر من ان يخلي عقله يفكر في أي شئ… لكن الجيران كانوا قاموا بالواجب… الجثة وصلت… استلمها هشام فنى التشريح… دخلها.. و الأم و الأخ وصلوا بعدها بدقايق…
محمود بيحكيلي… بيقول اللي انا مش مصدقه ان الحاجة فاطمة كانت متماسكة جدا و جت طبطبت عليا و واسيتنى.. من غير متتكلم ولا كلمة… و احمد اخوها لما اتأكد من الخبر راح قعد لوحده في الميكروباص اللي جايبهم.. و كان السواق نزل و هو الوحيد في الميكروباص…
…
كل اللي حصل ده بالنسبة لشغلنا عادى… و فيه جزء من المنطق… عروسة بذلت مجهود كبير في الفترة اللي قبل فرحها عشان تجهيزات الفرح و مبتنامش و مجهود اكبر في الفرح و لا اكل ولا شرب.. مع شوية توتر و ضغط نفسي بيبقوا عند أي بنت بتتجوز… جالها هبوط و أزمة قلبية و ماتت
It’s okay…..
لكن اللي هيحصل ده… هو اللي لا يستوعبه عقل ولا يخضع لأي قانون من قوانين المنطق….
كنت بايت في المشرحة كالعادة… معظم أيام ٢٠١٦ كنت بايتها هناك… قاعد بقلب ع النت في المواقع الاخبارية و انا بسمع الست ?… هشام اتصل بيا.. يا ريس فيه حالة جت… مش انا قايلك يا هشام محمد صلاح هيجى يشتغل الصبح… قاللي مانا قولتلهم والله يا ريس الدكتور جاى الصبح بس لما عرفت قصتها صعبت عليا… ليه يا حنين… ايه قصتها… قاللي دى عروسة متجوزة من ساعتين بس…
اممممم… حاسة الشك ابتدت تشتغل عندى… عروسة يبقي حاجة من اربعة.. .. يا هبوط عادى و أزمة قلبية…. يا اختناق بغاز السخان في الحمام… يا نزيف بسبب انها متجوزة حلوف في صورة انسان ?… يا اما الحلوف اكتشف انها قرطسته و انها مش تمام فقرر انها تدى للحياة تعظيم سلام..
.
وانا أحب الحاجة اللي فيها اللغز… فيها التكة..
طيب انا جاى يا اتش… جهزها يللا
نزلت… ووقفت علي الشباك الحديد طلبت جوزها جه.. الولد في حالة توهان… بس مجرد انه جاى معاها يبقي استبعدنا السبب الرابع علي طول… ?
سألته ايه حصل… قاللي كانت بتصلي و حكالي القصة… كطبيب شرعي كل اللي محمود حكاه ده ميشغلنيش… انا مشغلنيش غير كلمة واحدة… شفت خيال… اه ايه الخيال ده بقي يا محمود… قال خيال ع الحيطة… اه خيال ايه يعنى انسان حيوان ايه بالظبط… قاللي لا ده خيال زى انسان بس طويل جدا واصل للسقف…
امممم… يا أزمة قلبية يا محمود بيلعب بيا ?
هنشوف…
يللا يا اتش.. يا دوب همشي لقيت ست طيبة كده بوش برئ جدا بتقوللي بتماسك لو سمحت يا دكتور… قبل ما تنطق كنت عارف انها امها و عاوزة تشوفها… و ممنوع مخلوق يدخل جوه .. ساعات العيون الصادقة بتقول كل حاجة قبل الشفايف… فما بالك بعيون أم فقدت بنتها ليلة فرحها… و ما بالك بعيون ست اصلا زى الحاجة فاطمة…
الست وشها برئ بشكل يشدك… شكل غير طبيعي… قبل ما تكمل… قولتلها انتى أمها و عاوزة تشوفيها.. قالتلي آه…قلت دخلها يا هشام… بص ليا باستغراب و فتح الباب المصفح و دخلها…
و قفل
.
طول الطريق للقاعة بحاول اواسيها و الست صابرة و مؤمنة و متماسكة جدا… كل ده و انا لسه مشوفتش البنت اساسا…
و قفتها بره القاعة… و قولتلها استنى
ناديت علي هشام… خليته دخل الاول شال أي أدوات زى المنشار و السكاكين و المشارط عشان الأم متشوفهاش و ده شئ لواحده يقتلها… و كمان يغطى البنت ميظهرش غير وشها بس… عشان لو كان فيها حاجة الام متعملش شوشرة علي ما نخلص شغلنا …
دخلت معاها القاعة…
ببص علي البنت لاول مرة… ملاك نايم مبتسم هادئ رزين مطمئن سعيد مضئ كل حاجة حلوة… شكلها يفرح.. و يصبر و يواسي أي حد زعلان عليها…
الأم شافتها… ابتسمت بهدوء… باست جبينها… و قالتلها ” طبتى حية و ميتة يا حبيبتى.. إنا لله و إنا إليه راجعون.. … لا إله الا الله” و لفت عشان تمشي بنفس الهدوء اللي دخلت بيه… ايه الجبروت ده… ايه الايمان ده… ايه التماسك و الصبر ده… وصلت عند باب القاعة و داخت كانت هتقع… سندتها بسرعة… هشام جاب كرسي… قعدتها في الكوريدور اللي قدام الباب… الست دايخة شوية… وصعبانة عليا بشكل رهيب… و في نفس الوقت مش هشرح بنت و أمها قاعدة علي الباب… مش هخلي ام تسمع صوت نشر جمجمة بنتها او قص ضلوعها… مستحيل…
قولتلها تعالي يا ماما… محبيتش أخرجها بره… سندتها و وديتها غرفة الأشعة اللي في آخر الكوريدور تماما….
.
.
و دى غرفة بعيدة عن القاعات فيها جهاز أشعة متحرك بنستخدمه في حالات الكسور او البحث عن مقذوفات نارية داخل الجثث… و كمان فيها مكتب و أنتريه و بطبيعتها معزولة عن المشرحة… قعدتها في الأنتريه… طلبت ماية… طلعت جيبتلها ماية و عصير من تلاجتى.. رفضت العصير و اخدت المية شربت حاجة بسيطة جدا… و طلبت سجادة صلاة لحد ما نخلص… جيبتلها سجادة صلاة فرشتها و بدأت تصلي
سيبتها في هدوءها الرهيب و خشوعها… و رجعت قاعة التشريح…. مبهرة ابتسامتك يا وفاء… مربكة… و كأنها شمس تضئ وسط وجه كالقمر…. اخدت كام صورة.. .. هشام بيحاول يشيل الاسدال و الملابس… وانا كل شوية ارجع ابص لابتسامتها التى لا تتغير…. واضح تماما ان البنت خالية من أى اصابات مشتبهة و واضح انها ما زالت عذراء.. و واضح ان مفيش اي سبب جنائي للوفاة و إن السكتة القلبية هي السبب الحقيقي للوفاة… في وسط الريكوردينج و متابعة ادق التفاصيل لقطع أي شكوك… شفته،
باب القاعة باب خشبي بتدخل يقفل وراك و بيتفتح في الاتجاهين.. الجزء العلوى فيه ازاز..
وانا شفته من خلال الإزاز………. يتبع
قصة حقيقية تقشعر لها الأبدان. الجزء الثالث الأخير
.
.
.
.