قوله تعالى : ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : المشج في اللغة الخلط ، يقال : مشج يمشج مشجا إذا خلط ، والأمشاج الأخلاط ، قال ابن الأعرابي : واحدها مشج ومشيج ، ويقال للشيء إذا خلط مشيج ؛ كقولك خليط ، وممشوج كقولك مخلوط . قال الهذلي :
.
.
.
.
كأن الريش والفوقين منه خلاف النصل شط به مشيج
يصف السهم بأنه قد بعد في الرمية فالتطخ ريشه وفوقاه بدم يسير ، قال صاحب ” الكشاف ” : الأمشاج لفظ مفرد ، وليس يجمع ؛ بدليل أنه صفة للمفرد ، وهو قوله : ( نطفة أمشاج ) ويقال أيضا : نطفة مشيج ، ولا يصح أن يكون ” أمشاج ” جمعا للمشج ، بل هما مثلان في الإفراد ، ونظيره برمة أعشار ، أي : قطع مكسرة ، وثوب أخلاق ، وأرض سباسب ، واختلفوا في معنى كون النطفة مختلطة ، فالأكثرون على أنه اختلاط نطفة الرجل بنطفة المرأة ؛ كقوله : ( يخرج من بين الصلب والترائب ) [ الطارق : 7] قال ابن عباس : هو اختلاط ماء الرجل وهو أبيض غليظ ، وماء المرأة وهو أصفر رقيق ، فيختلطان ، ويخلق الولد منهما ، فما كان من عصب وعظم وقوة فمن نطفة الرجل ، وما كان من لحم ودم فمن ماء المرأة ، قال مجاهد : هي ألوان النطفة ، فنطفة الرجل بيضاء ، ونطفة المرأة صفراء ، وقال عبد الله : أمشاجها عروقها ، وقال الحسن : يعني من نطفة مشجت بدم وهو دم الحيضة ، وذلك أن المرأة إذا تلقت ماء الرجل وحبلت أمسك حيضها فاختلطت النطفة بالدم ، وقال قتادة : الأمشاج هو أنه يختلط الماء والدم أولا ثم يصير علقة ثم يصير مضغة ، وبالجملة فهو عبارة عن انتقال ذلك الجسم من صفة إلى صفة ، ومن حال إلى حال . وقال قوم : إن الله تعالى جعل في النطفة أخلاطا من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، والتقدير : من نطفة ذات أمشاج ، فحذف المضاف وتم الكلام ، قال بعض العلماء : الأولى هو أن المراد اختلاط نطفة الرجل والمرأة ؛ لأن الله تعالى وصف النطفة بأنها أمشاج ، وهي إذا صارت علقة فلم يبق فيها وصف أنها نطفة ، ولكن هذا الدليل لا يقدح في أن المراد كونها أمشاجا من الأرض والماء والهواء والحار . [ ص: 210 ]