قلنا إن المدخل إلى الإيمان هو معرفة الرسول لأن الرسول هو المختار من الله لتبليغ رسالته، وهو المؤتمن على وحي الله والمطلع -بإذن الله- على غيبه، وليس هناك باب آخر لمعرفة الغيب إلا من طريق الرسل.
ولما كان ادعاء الرسالة يفعله الكذبة، ويفتريه المفترون وجب على كل ذي لب وعقل أن يعرف طريق التفريق بين من هو رسول الله حقًا وصدقًا فيؤمن به ويصدقه، وبين المدعي الكذاب فيكفر به ويكذبه. ولا شك أن من صدق الكاذبين فهو مثلهم، ومن كذب الصادقين فهو كافر جاحد.
وقلنا إنه ليس هناك من رسول قامت له أدلة الصدق، وبراهينه ما قامت لخاتم الرسل محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. وقلنا إن مدارسة أدلة صدق الرسول تزيد أهل الإيمان إيمانًا وتثبيتًا، وتفتح الطريق أمام المترددين والشاكين، بل والمعاندين والجاحدين لعلهم أن يرفعوا عن أعينهم الغشاوة، وعن قلوبهم الأقفال، وإلا فهي حجة الله تدمغهم، وتقطع عذرهم يوم لا ينفع الاعتذار، وتزيد في مقتهم أنفسهم مقتًا يوم يقولون: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.
وهذا -بحمد الله- أوان بيان جملة من الدلالات مما تقر به أعين المؤمنين، وترغم به أنوف الكافرين على صدق الرسول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله وخاتم النبيين حقًا وصدقًا.
القرآن الكريم المعجزة الحية الباقية:
أول دلائل النبوة وأعظمها وأظهرها ظهورًا يفوق ظهور الشمس والقمر هو القرآن الكريم المنزل على قلب الرسول الأمين، بلسان عربي مبين تحدى الله به الأولين والآخرين أن يأتوا بسورة من مثل سوره فعجزوا وإلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله ومن عليها قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} وقال – تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ • فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}.
ووجه الإعجاز في القرآن كونه كلام عربي من جنس ما تكلم به العرب أهل الفصاحة والبلاغة، ولكن يستحيل على أي أحد منهم أو غيرهم أن يؤلف كلامًا مثله في البيان والحلاوة والحسن والكمال والعذوبة وأداء المعنى المراد.
وقد وقع التحدي لهم بهذا القرآن بدءًا بأن يأتوا بمثله، ثم تنزل معهم إلى عشر سور ثم إلى سورة مثله، ثم إلى سورة واحدة من مثله. قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ • فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ} (الطور: 32-33).
ثم تنزل معهم إلى عشر سور فقال سبحانه وتعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (هود: 13).
ثم تنزل معهم إلى سورة واحدة مثل سورة فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (يونس: 38).
.
.
ثم تنزل معهم إلى سورة من مثل سورة أي مما يشابهه ويقاربه قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 23).
وقد عجزوا عن هذا كله وإلى يومنا هذا، فلم يدع أحد أنه قد ألف سورة من مثل القرآن لفظًا وصياغة وكفى بهذا العجز إعجازًا ودلالة أن القرآن كلام الله حقًا وصدقًا.
.
.
.
.