لقد وضع الله سبحانه وتعالى أسسًا للحياة الزوجية، وبين جل شأنه أنها تقوم على المودة والرحمة، بقوله جل وعلا : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الروم : 21]، ولهذا إن غابت المودة والرحمة انتهى التقارب العاطفي الذي يعد أهم عوامل نجاح الزواج، وصار الزوجان كالغرباء تحت سقف واحد، ولكن ما بالنا إن قام أحدهم بمحاولة استعادة الآخر بأي وسيلة حتى لو كانت بأن تقوم الزوجة بعمل ما يسمى بــ”التولة” لزوجها؛ والسؤال: ماهي التولة ؟، وماذا عن كيفية عملها وسبل الوقاية والعلاج منها؟
.
.
.
.
يقول الدكتور سيف قزامل ـ أستاذ الفقة المقارن والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: إن التولة هي نوع من أنواع السحر الذي تقوم به الزوجة لزوجها عندما يكون كارها لها لكي يحبها، وذلك عن طريق الاستعانة بالجن والشياطين لتغيير ما قدره الله تعالى لها، حيث يعد هذا الفعل
عملاً من أعمال الشرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الرقى والتمائم والتولة شرك»، فالرقى المحرمة هي المجهولة والتي فيها شرك بالله، ولكن المعروفة بالأدعية والقرآن فلا بأس بها ومشروعة؛ وقال صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا» رواه مسلم، وأما التمائم كالخرز والحظاظات وخلافه فقد حرمت لأنها تعد من عادات الجاهلية التي كانت تعتقد قديمًا أن في تلك الأشياء قوة سحرية تحمي من العين وتجلب الرزق الذي هو بيد الله تعالى.
ويكمل الدكتور قزامل: فسحر التولة لا يحدث إلا عندما تلجأ الزوجة لشخص ساحر ليقوم بإجراء عمل لزوجها حيث يأمرها بإحضار أثر من الزوج كمنديل أو ثوب غير مغسول تكون فيه رائحته ليسحب منهما خيوطًا ليعقدها وينفث فيها ليعطيها بعد ذلك للزوجة لتدفنها في مكان مهجور لا يصل إليه أحد ، أو قد يأمرها هذا الساحر بأن تطعم زوجها بشيء يأكله أو يشربه يكون قد صنع فيه سحرًا. وهنا يسمى هذا السحر بالسحر المأكول أو المشروب مع العلم أنه يمكن أن يكون لهذا السحر أثار عكسية حيث يمكن أن يؤدي إلى مرض الزوج أو لكراهية الزوجة ذاتها، وكل النساء بمن فيهن أمه وأخواته وخالاته وعماته وأقربائه المقربين إذا كان الساحر قد أخطأ عند عمل هذا السحر للزوجة.
ويضيف الدكتور قزامل: يعتقد البعض أنه من أعراض هذا السحر على الزوج هو شعوره باللهفة والشوق تجاه زوجته التي قامت بسحره، مع عدم القدرة على البعاد عنها أو فراقها ولو ليوم واحد، وطاعتها طاعة عمياء في كل صغيرة أو كبيرة.
السحر
وترى الدكتورة أمنة نصير ـ أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر: أن السحر ما هو إلا حيلة وشعوذة خفية يعرفها بعض الناس أصحاب النفوس الفاسدة للتأثير في الأشخاص ضعفاء الإرادة والعقيدة، ولكن له أثره على النفس، فإلقاء البغضاء بين الزوجين، والتفريق بين المرء وأهله الذي أثبته القرآن الكريم ليس إلا أثرًا من آثار السحر، ولو لم يكن للسحر تأثير لما أمر الله تعالى بالتعوذ من شر النفاثات في العقد، ولهذا فإن فعله
وتعلمه وتعليمه حرام وكفر وشرك بالله ، لقوله تعالى: { فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[الأعراف :116] ، وقوله جل شأنه: {وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}[البقرة :102]؛ ومن الكبائر والسبع الموبقات، لقوله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إِلا بالحق، وأَكل الربا، وأَكل مال اليتِيم، والتولي يوم الزحف، وقذْف المحصنات المؤمنات الغافلات» رواه البخاري ومسلم.
.
.
وتضيف الدكتورة نصير: فاللجوء إلى السحرة والاعتماد عليهم في جلب الخير أو دفع الشر أمر منهي عنه في الشرع ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» رواه البزار بإسناد حسن ؛ ومانعًا لقبول الصلاة أربعين
ليلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافًا فسأله عن شيءٍ فصدقه لم تقبل له صلاة أَربعين ليلة» رواه مسلم ؛ ولهذا يجب أن نعلم تمام العلم أن النافع والضار هو الله لأنه هو المسخر للكون ببديع حكمته وعظيم قدرته، فالساحر قد يستطيع إيصال الضر والبلاء والأذى بالناس، وقد يصل بذلك إلى التفريق بين المرء وزوجه ، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا إلا بإذن الله، لقوله تعالى: {وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة :102].
العلاج
ويشدد الدكتور علي فخر ـ مدير إدارة الحساب الشرعي وأمين الفتوى بدار الإفتاء: على ضرورة عدم الانسياق وراء الخرافات والأوهام والظنون في بعض الأمور الحياتية كتأخر الرزق وعدم الإنجاب وغيرها من الابتلاءات وربطها بمسألة السحر والحسد، فهم إن كانا موجودين في القرآن والسنة ولا يمكن إنكارهما لقوله تعالى: {إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ}[المائدة :110] ، وقوله جل شأنه: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[الفلق : 5] ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يجتمعان في قلب عبدٍ الإيمان والحسد» رواه النسائي . إلا أنه يجب البحث في الأسباب المنطقية والحقيقية وراء هذه المسائل، ومحاولة التغلب عليها بقانون الأسباب الذي أقام الله عليه مصالح العباد، وإذا لم نجد
مبررًا منطقيًا لما يحدث، وغلب على ظننا أنه سحر أو نحوه، فلنتعامل مع هذا الأمر بالرقى فإن أنفع ما يرقى به المسحور هي: سورة الفاتحة، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، وما ورد من قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ. فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ. وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ}[الأعراف :117- 120] ، وكذلك ما جاء من قوله تعالى في سورة يونس: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ. فَلَمَّا
.
.
جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ. فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[يونس :79ـ82]، وأيضًا من قوله تعالى في سورة طه: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى. قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى. فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى. قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى. وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}[طه :65- 69].
ويضيف الدكتور فخر: وكذلك الدعاء بما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» رواه الترمذي في سننه؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي» رواه ابن ماجة ، وقوله صلى الله عليه وسلم: « اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو
.
.
علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي و نور صدري وجلاء حزني وذهاب همي » رواه الألباني؛ فالله هو الشافي المعافي من كل سوء، وعلى الإنسان أن يحسن ظنه بربه، ويسأله ويدعوه أن ينفعه بهذه الأسباب ، لأنه هو سبحانه الكريم القائل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة :186] ، والقائل أيضًا: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60].