رواية عشق (كامله جميع الفصول) بقلم عمرو علي

“ظننت بأنك نصفي الآخر فآمنت بك، ولكني نسيت أن بعض الظن إثم”.

في الليلة الأخيرة لي مع أبويَّ كان كل شيء مهيئًا لأن نكون أسرة طبيعية، أمي تعد لنا وجبة العشاء، تتحدث معنا، نضحك وكأن شوائب الأحزان باتت في الجانب الآخر من الأرض بعيدًا عن المنال، لم ألمح في عينيهما أي مظاهر للخوف، فقط يضحكان معي ك، يدللاني، كنت بالنسبة لأبي المهرة الرابحة في سباقه نحو التطهر.. التخلص من آثامه التي كادت يداه أن ترتكبها بحق بنو جنسه، أما عن أمي فقد تناست كل شيء، أهملت مخططات العائلة، كانت تعلم في قرارة نفسها بأنها ستكون قتيلتهم لا محالة.. فهي الآن خائنة لعائلتها.. والتي أطلقوا عليها (أخوية الدم المقدسة).

نمنا وباتت الكوابيس تراود منامي، الثنتان تنكسرا فأستيقظ فزعة، حتى زقزقت العصافير مرة أخرى وهي آتية مع شعاع النور المتسلل من براثن الشمس حاملة ولاء الأمل.. أمل في غد أفضل، صباح يحمل في جوبعته الخلاص، لأصبح مخلصة العصر الحديث من مخططات التنويريين، لقد كان لبي مشغولًا في شيء آخر، هل العائلتان يعملان تلقاء نفسهما أم أنهما تابعان لتنظيم أكثر شراسة! فكل ما حدث ينم على أنهما مجرد تروس صغيرة معلقة في ترس أكبر.. لن يكل أو يمل حتى يحقق مبتغاه، سبعة مليارات من البشر سيتم تصفيتهم لمليون نسمة فقط مهيئين لاستقبال الإله ذو العين الواحدة.. نفضت أفكاري، فاليوم سأتمم على الأرض نعمتي التي أرسلت من أجلها.. الخلاص.. اليوم هو يوم الخلاص..

وانتهى كل شيء، العصافير أُدخلت في قفص واحد وتم تدمير السيارة وإنقاذي، وقابلت عمي الذي اعتقد بأني أصبحت عاجزة.. وقابلني بحفاوةٍ وكأنه أبي، بل عرض عليَّ أن يزوجني بابنه، يدعي محبتي كذبًا، هو كذوب أعلم أنه كذوب، وربما يعلم أني أعلم ذلك..
تركني وحدي بغرفتي، ومرت بضع ساعات حتى وجدته يدخل عليَّ للمرة الأولى، كانت ملامحه حادة، تظهر حزنًا لم أرَ مثيلا له من قبل، لم يكن جميلًا كيوسف، ولكن جسده كان رياضيًا، حبات العرق التي نبتت فوق جبهته خمرية اللون جعلت منه رجلًا جذابًا، جلس قبالتي ويداه ترتعشان، لا أعلم أكان متوترًا أم متأثرًا بما حدث لي، تبادلنا نظرات غامضة، دون همس، دون أن حديث، تنحنح وهو يقول بحزن:

– أعتذر لك عما حدث لعائلتك، إن أباكِ رجلا عظيمًا لأنه أنجب فتاة مثلك، لقد كنت أسمع عنك قبل مجيئك بفترة كبيرة..

نظرت للجهة الأخرى، فكلمات المواساة لا تروقني، لا أحب أن يشفق عليَّ أحدهم، فلا الشفقة سترجعهما، ولا الإحسان الشفوي سيعود بنا للماضي، طال صمتي، تراقصت الذكريات أمام عيني، لأبي وهو يخبرني بأنه وأخوه قد اتفقا معًا على هذا المخطط قبل سفره، فهذا الشاب صادق.. قطع الصمت وهو يقول:

– أنا شعيب، لقد أخبرني أبي أننا سنتزوج، أتيت لأطلب منك الموافقة، ولنعتبره زواجا على الورق فقط.. أنا أعرف عنك كل شيء، أعرف سبب مجيئك لهنا.. تزوجيني وسنتحد على إرجاع حق الموتى من أهلنا.

على مضض خرجت ابتسامة مزدرئة لقوله، استطردت قائلة بصوتٍ آلم حنجرتي:

– وهل ستتزوجني فقط لتساعدني؟ تعلمت ألا أثق في أحد، كل ما أعرفه أن كل من هم بجانبي أعداء وألا أثق حتى في نفسي حتي أتبين طريقي.

سرح في اللاشي، زفرات ضيق أخرجها وهو يضيق عينيه، هو حزين رغم ما يحاول إظهاره لي من قوة، قال بشرود:

– منذ سنوات قتلت أمي في بيتنا على مرآي ومسمعي، لم يكن هناك سارق بالبيت، ولم يسرق أي شيء، تم حفظ ملف التحقيقات وأيدوها ضد مجهول، الموضوع كله عبارة عن شجرة للغرقد زرعت في بيت قديس، وحين نبتت تشكلت أغصانها فبعضها خرج زيتونا، مما شكل خطرًا بين ثنايا، فقررت الشجرة حرق أغصان الزيتون..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top