قررنا أن نطوي كل ما حدث، حتى أني لم أخبر الطبيب بأمر زوجته، رغم أني رغبت في هذا، ولكن ما الجدوى من إخباره، فهي هاربة وهو يعرف بأنها كاذبة وأنها من المخططين لإبادة بلاده.. كانت الأيام تسير بنا في طريق مظلم، حتى تلك الليلة التي أنهيت فيها أبحاثي.. المصل الذي يمكنه ردع المرض.. العلاج الذي سوف يحمي الملايين من الموت من اللعناات أكثر من الموت ألمًا..
ركبنا سيارتنا، كنت أجلس بالخلف، أبي وأمي يجلسان بالأمام ويتحدثان عم استطعت تحقيق، أمي تضحك وهي تخبرنا بأنها جاءت لتخرب البلاد فكانت الداعمة الأكبر للمنقذة.. كنا في الطريق الصحراوي متجهين لمركز البحوث، ولكن جاء خلفنا ثلاث مقطورات مدججة بالحاويات لتعترض طريقنا، حاول أبي تلافي الاصطدام معهم ولكنه فشل، واصطدم بجانب سيارتنا مقدمة مقطورة منهن فانقلبت السيارة.. لأغيب عن الوعي من إثر الحادث..
حين فتحت عينيّ كان الألم يتخلل جسدي، كل خلية به كانت تئن، ناديت على أهلي ولكني صوتي لم يخرج، دخل الطبيب وهو مبتسمٌ لي، هذا الوجه أعرفه، قال بابتسامة هادئة:
– حمدا لله على سلامتك.
قلت بصوتٍ خافت خرج بألمٍ:
– أبي وأمي بخير؟
نظر للأرض بأسف وهو يقول:
– يؤسفني أن أزف لك هذا الخبر، لقد تفحمت السيارة وماتا معًا، حين وجدوكِ لم تكوني بالسيارة، لقد أنقذك أحدهم وتركك على قارعة الطريق، ولا أجد أي تفسير لهذا سوى أنهم لم يحصلوا على الأبحاث خاصتك.
بكيت حسرةً على ما حدث لأبويَّ فقد تمنيت أموت ولا يحدث لهما أي مكروه، لم أكن أعلم كم من الوقت طالت غيبوبتي ولكني رأيت في منامي أن الثنتين العلويتين من فمي انسلختا عن لثتي، كنت أترقب لأي شِجار قد يحدث ويتسبب في كسر أسناني، لم يكن عودي قد اشتد بعد.. ولكن بعد فترة وجيزة فقدت أبويَّ.. كان التفسير بأني سأفقدهما معًا.. إلى الأبد.
قلت بحزن: هل هناك أحد سأل عليَّ؟
قال بابتسامة: نعم، بالخارج عمك وزوجته، بدى عليهما القلق والخوف عليكِ.
فكرت قليلًا، عمي هذا لم أره من قبل، لقد جاء فقط من أجل الإرث، قلت للطبيب بعد صمتٍ طويل:
– يمكنك إدخالهما ولكن أخبرهما بأني أصبحت عاجزة فقد شلت قدميَّ إثر الحادث.