كان ينظر لي فقط ولم يرمش بجفنيه، معالم الحزن تعتليه، وعيناه الزائغتان مع وجهه الشاحب مع أنفاسه التي تخرج ببطء جعلت قلبي ينفطر لأجله، فكل ما قالوه أيا كان صحته لا يعني بأنها الحقيقة المطلقة.. لم أسمع منه لأقيم ما حدث برؤية كاملة غير منقوصة، ربما لو لم يحدث ما حدث لما جال بخاطري أن أسأله، أعيدت الكلمات برأسي على شريط من نار فأحرق عينيَّ، أدمعت وأنا أبادله نظراته، حين طال الصمت قررت أن أقطعه قائلة:
– صدقني لا أصدق أي كلام قيل عنك، رغم قسوتك ولكني أتفهم مدى خوفك عليَّ.
– بابتسامة بسيطة أظهرها ليطمئنني قال: حين سمعت صوت الطلقات ظننت لوهلة أنهم جاءوا ليقتلوني، أغشي عليَّ في لحظة تفكيري بأنني قتلت وأنتِ الآن بينهم، كنت…
وضعت يدي على فمه مقاطعة إياه، قلت بصوت الواثق:
– على كل حالٍ أنقذوني من الموت، ولم يقترب أحدهم منك، بنيامين ابن خالتي قد بتوصيلي لهنا، وهو من أيقظك، لقد شعرت بقلقه عليك.. أريدك أن تخبرني بالحقيقة كاملة يا أبي وأنا سأخبرك بما قيل لي أيضا لأن الحكايتين مختلفتان اختلافا كليا.
تجلت عيناه في شخوص الغاضب أو ربما الخائف، قال بصوت مهتز:
– الحب، إذا أردت أن تعرفي من أي اتجاه سوف تأتيكِ المصيبة فابحثي عن وجهة من يحبك.. هم صادقون رغم كذبهم.. والحقيقة ناقصة رغم الإضافات…
رغم شغفي لمعرفة الحقيقة إلا أنني تذكرت أن بنيامين يقف على مقربة منا، قلت لأبي وأنا أداعب بيدي خصلات شعري:
– لن أدخل المدرسة اليوم، لن أستطيع تركك بعد ما حدث.
أكملت في دعابة لتخفيف عبء الكلمات:
– بالتأكبد لست قلقة عليك، ولكن لدي أبي.. وأبي جعلني أموت خوفًا عليه لمجرد أن شعرت بأنه قد يرحل عني، ولكني جائعة الصراحة ومستعدة أن أعزمك على الفطار في المطعم الذي تختاره مع العلم أنني صرفت مصروفي بالكامل..
اندمج لا إراديًا مع حديثي الذي ركنت به موضوعنا الأهم جانبًا، هو يعرف أني أريد تغيير مجرى الحديث فقال وهو يرفع إحدى حاجبيه ويقول بنظرة لؤم:
– يبدو أن الإغماءة قد تسببت لي في فقدان سمع دائم..