رواية عشق (كامله جميع الفصول) بقلم عمرو علي

– أهلا نجلا، أنا سعيد جدًا أنك وافقتِ على الخروج معي اليوم.

سعلت بصوتٍ رقيق، تلمست شعرها بندقي اللون وهي تداعب خصلاته، لأمعن نظري في ملامحها عن قرب، لم تكن تحتاج أبدًا لأي تجميل، فمثل هذا الجمال إذا وضع عليها شيء قد يفسده، قالت وهي تنظر أرضًا:

– أول موعد لي، لم أكن أريد أبدًا أن أخرج مع شاب غريب دون إذن أهلي، وهم بالتأكيد سيرفضون هذا إن عرفوا، وربما يحبسونني بالبيت.

انقبض قلبي على إثر ما تقول، حاولت تخفيف التوتر الذي تشعر به ويتسلل إليَّ من خلال عينيها، تصنعت الجدية، أخذت نفسًا عميقًا وأخرجته وأنا أقول:

– ربما لو عرفوا لكان الطريق أسهل…

قاطعتني قائلة:
– أسهل من أي اتجاه؟ أنت لا تعرفهم، ربما تظن بأن الأمر سهل لأنهم أغنياء، تلك الطبقة التي يظهرها الأعلام بأنها متفتحة، ولكل فتاة عشيق واثنان، أبي صعب جدًا حتى أنه يعاقبني كثيرًا بحرماني من الخروج.

– هل تقصدين أن عدم ظهورك الآونة الأخيرة لم يكن بسبب مرضك؟

ضحكت، وأدمعت عينيها وهي تقول:

– مريضة جدًا، رآني أبي أقف مع بعض الصديقات، وقد حذرني قبلها من الوقوف معهن، وهذا مرضي الذي جعله يحرمني من هاتفي، من الخروج.. وأحيانا يجعلني أصوم رغمًا عني.

شعرت بالأسى على حالها، فلا أحد يشعر بالسعادة، الكل هنا يعيش شقاء الوجود، الفقير يعاني في تدبير قوت يومه كحال نفسي، وغنية مثلها.. تمتلك كل شيء عدا الحرية، حاولت أن أخفف عنها، قلت بصوت الواثق:

– على الأقل تعيشين حياة الرغد، فكل شيء تطلبينه مجاب، صدقيني الحياة لا تعطي كل شيء، لا بد من صراع يجعل عقولنا تنهار وقلوبنا تظلم، أنا أعرف شابا، حرم من كل شيء، لا مال، لا عائلة.. لا حياة.

كانت تنظر إلى شفتي وأنا أتحدث، حتى أنها لم تلحظ تلك الدموع الخائنة التي توشك على السقوط من عيني، رفعت عينيها تتأمل وجهي، بنبرة مشفقة تصحبها ابتسامة رقيقة قالت:

– الغنى والفقر وجهان لعملة واحدة، إذا صحب الحب أحدهما صار الأوفر حظًا، أتعرف يا شعيب؟ حين رأيتك للمرة الأولى شعرت بالإعجاب بك، دفاعك عني جعلني أنجذب لك رغمًا عني، أتعرف المجذوبين؟ لقد صرت واحدة منهم بفضلك، قابلتك هنا لأني أريد أن أعرفك.

ابتسمت بازدراء، فلا أعلم ماذا أخبرها عني سوى الفقر، قلت بصوت خافت:

– أنا شعيب كما عرفتِ، لا أملك من نفسي سوى اسمي، أنا أحيا حياة التقطير.

انكمش وجهها وارتسمت عليه معالم الدهشة، أو ربما لم تفهم ما أقول، فأردفت قائلًا:

– أن تكون مخيرة ومسيرة في نفس الوقت، ولكن باختيارات محدودة، تأكل الفول أم العدس؟ تصلب وتقتل أم نحرقك حيًا، تكمل دراستك على حسابك الشخصي أم تعمل لتنفق على نفسك ودراستك، هكذا أعيش.. حياة بلا حياة، بلا روح، بلا عائلة بلا أي شيء.

قامت من أمامي، ظننت بأنها يأست أو كرهتني كوني فقير، جلست بجانبي وأمسكت يدي، عيناها تدمعان، قالت بصوتٍ باكٍ:

– هناك من خسروا كل شيء وهم في نهاية حياتهم، ولكنهم لم يمكنوا اليأس من قلوبهم، حاربوا من جديد حتى استعادوا كل ما راح عنهم.. إن تغلغل اليأس بداخلك ستفشل، ولا أظن بأنك ستقبل بالفشل.

– مجرد كلمات يا نجلا، في البداية ستتعاطفين معي لأني كنت معك في محنتك، ستسمعين كل ما بداخلي من يأس، ستخبريني بأن غدًا أفضل وأنك معي حتى لو أكلنا من خشاش الأرض، سأصدقك وأؤمن بالحياة من جديد، ولن يكون مقتل قلبي إلا من خلالك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top