لا أعلم كم مر من الوقت، فتحت عيني لأجدني محاطة هم جميعًا، كنت أريد أن أقابل أبي لأستفسر منه عما قيل، ربما يكون قاسيًا بعض الشيء ولكن لا أظن أنه سيحاول يومًا أن يجازف بابنته في عمل خطير مثل هذا، لم أستفسر أكثر من ذلك وتركت الأمر في مهب الريح، حتى أنهم لم يتحدثوا معي عنه مرة ثانية..
توالت الأيام وأنا عند خالتي، نائمة في غرفة بنيامين الذي لم يخبرني عن غرفة نومه أبدًا حتى اكتشفت بأنه ينام في غرفة صغيرة كانت مخصصة للكلب، هذا قبل أن يقوموا بالتخلص منه قبل عدة سنوات، والتي ظلت مهجورة لوقت كبير، ومع وجودي بينهم قاموا بتجهيزها له، لقد كنت أضحك من صميم قلبي حين أتخيله وهو ينام فيها، لا أعلم لماذا تخيلته يمشي على أربع! رغم لطفه ورغم الحب الذي يظهر في عينيه، ومع ذلك تمنيت لو حظى ولو بقليل من الوفاء الذي يحويه قلب الكلب، فرب حيوان كان رحيمًا ورب بشر كان بداخله شيطانا رجيما..
في الصباح، أشرقت الشمس فأيقظت طيور المدينة، لتعمد فوق نافذتي بزقيقها المزعج، أحب العصافير ولكن هذا الحب لا يساوى واحد بالمائة مقدار حبي للنوم ولكن موعد مدرستي قد آن أوانه والإجازة المرضية قد انتهت، مما يعني أن عليّ الذهاب وربما سأحظى بيوم صعب، فبالتأكيد سأركب الحافلة وألقى من التنمر ما قد يتلقاه قرد تائه وجده أطفال الحي.. قمت بتثاقل، ليطرق بنيامين على باب غرفتي من الخارج ويقول:
– استيقظي يا تلا، قد يفوتك موعد المدرسة.
– قلت بتكاسل: لقد استيقظت بالفعل، خمس دقائق فقط.
– ليأتيني جوابه من الخارج بلهجة شديدة: ما هذا العبث، أي خمس دقائق، يبدو لي أنك لا تقدرين قيمة الوقت، في هذه الدقائق أستطيع أن أتناول إفطاري وإفطارك معًا وبهذا لن يكون لك أي طعام بالخارج، وسيكون عليكِ حضور دوام المدرسة دون أن يدخل معدتك أي شيء فتتأثر معدتك وربما تصابين بهبوط حاد بالدورة الدموية وتموتين.. يرضيكِ أن يحدث لكِ هذا وأنتِ في بيتنا؟!
أيقظني بعد الكم الغريب من الكلام المرتب عن الأكل، فهو ليس له أي متعة سوى في تناوله للطعام، أشك بأنهم لم يتخلصوا من الكلب، ربما شعر بنيامين بالجوع فاضطر أن يأكله، قلت وأنا أضحك:
– حسنًا، إذا كانت تهمك حياتي، اترك طعامي لحاله واكتفِ بوجبتك فقط.
فقال بصوتِ رقيق مصطنع لا يليق أبدًا بما قيل قبل قليل:
– أنتِ ابنة خالتي وقد أخبرتك أني أحبك، هذا معناه أننا أصبحنا شخص واحد، وأنا لا أطمع إلا فيما هو ملكي.
شعرت أنه يبالغ فيما يقول لأجل الطعام وليس من أجلي، وقفت واتجهت نحو الباب، فتحت فوجدته ما زال واقفًا ولكن في يده صينية بها إفطار لشخصين، ابتسمت من مفاجأته، دخل غرفتي ووضع الطعام على مكتبه الخشبي، قال بصوت هادئ:
– سأنتظرك حتى تنتهي من حمامك الدافئ لنفطر سويًا.
لأول مرة أشعر بأن قلبي يدق، ضربت بكل مقاليد الأنثى وأصبحت كالرجل.. فأظن أن أقرب الطرق إلى قلبي كان في معدتي.. ويل لبنيامين قد أشعل المارد بها وجعلها تئن شوقًا لما حضره بالصينية.. دقائق وكنت في غرفتي، بنيامين يجلس على مقعده أمام المكتب المرتب بعناية، تبدلت الغرفة كليًا فقد أعاد ترتيبها وبدل ملاءة السرير وفتح النافذة من أجل أن نفطر على آشعة الشمس التي شاءت أن تتخلل الغرفة وتقبع فوق المكتب..