دخول أبي بهذه الطريقة أحدث فوضي بالمكان، رغم ذلك
لم يكن استقبالهم لما فعل أبي عدائيًا، على غير المألوف رحبت خالتي بهم وهي تخبرهم بأن حالتي تحسنت قليلًا عن ذي قبل، كان الصوت بعيدًا عن مسمعيَّ ولكن أذني التقطت صوت أبي وهو يقول بصوتٍ يخرج من رحم الغضب:
– ألم تكتفوا بما فعلتوه بالماضي بزوجتي؟ تتبعتم أثرنا والآن
جئتم لخطف ابنتي.
غيرت خالتي دفة الحديث وأبحرت باليقين على مسامع الجميع، وهي تتجاهل ما قاله أبي وبدى صوتها موجها لرجال الشرطة:
– تلا بالداخل، وهي يقظة وواعية وتعرف جيدًا ماذا حدث لها، اسألوها وبالتأكيد لن تكذب..
صمتت قليلًا ووجهت كلماتها لأبي، قالت برجاء:
– سيد عزام، الماضي ذهب.. لن يعود أبدًا..
دقيقة من الصمت، مع تنهيدة لا بد أنها قد أخذتها لتصاحب كلماتها الأخيرة قبل أن تفتح باب غرفتي:
– سنغلق صفحاته معًا حفاظا على حياة أحفاد أبويَّ، عربون الحب بالفعل قدمناه وابنتك بخير..
فتحت الباب وهي تقول:
– ها هي تلا، كما تروا جميعا بخير.. تفضلوا بالدخول.
وامتلأت الغرفة برجال الشرطة ووجود أبي الذي دخل وعلى وجهه أمارات الغضب، لم أشعر بخوفه عليَّ، لم يحتضنني مثلما فعلت خالتي.. قال بلهجة شديدة
– هل أذوكِ يا صغيرتي، هل أحدثوا فيكِ أي مكروه؟
حركت رأسى يمينا ويسارًا وأنا أقول “لا” ولكن بصوت خافت، شعرت بالخذلان فبكيت، وكأن جفاء أبي وحضن خالتي تقابلا في سباق داخل قلبي فانتصرت هي وأزالته كحبات تراب في مهب الريح، انتصر العدو وكسر شوكة الحبيب.
أفقت على صوت المحقق وهو يسألني عما حدث، قلت بصوت مجهد:
– كنت وبنيامين نسير في الطريق ذهابا لمدرستي، خرج علينا بعض اللصوص وحاولوا سرقتنا والتحرش بي، لكنه قام بحمايتي.
صمت قليلًا، كان الجميع ينظرون إليَّ متلهفين للمزيد من الحكي، عداه، كان ينظر بتعجب، أنا كاذبة وهو يعرف بأني كاذبة، وأنا اعرف أنه يعرف أني كاذبة.. ولكنني سأنكر ذلك!
قطع أبي الصمت وقال بتلهف:
– أكملي، ثم ماذا؟!
تجردت من المشاعر قليلًا، وقررت تحريك بيادق عقلي، اشتعل ضوء المخيلات بداخل رأسي، فقررت أن أبوح بقصة كاذبة، فلو قلت أن بنيامين كان يتبعني لقالوا أنه هو المدبر للحادث، سواء كان الاتهام صادقًا أو كاذبًا لا يكفي، فأحيانا يميل المرء للموت بالخديعة بعد أن يرتشف الحب في كأس مسموم، على أن يحيا كما هو، بلا روح.. بلا حب..