رواية عشق (كامله جميع الفصول) بقلم عمرو علي

قال ما بقلبي دون تزييف، نعم تزوجتها لأنها ستأخذني من ظلمات الفقر الآثم لريحان الجنة، كان ينظر لي عن كثب، لم أره ولكني أعرف بأنه الآن بات يتهمني بأني المتسبب في حادثة انتحارها أو ربما يراني مجرد رجل وغد، قلت بتوتر:

– حسنًا ولكن هذا ليس معناه أني ارتكبت أية مخالفة، وأظن أن الزواج أيا كان النية فيه لا يعد جريمة فالموضوع عائلي بحت.. في الحقيقة رغم كل ما حدث لا أجد سببًا واحدًا لإحضاري هنا بهذا الشكل.

صفق بيده قبل أن يقول:

– أحسنت، لم يكن هناك أي تهمة قبل دخولك هنا ولكننا وجدنا بصماتك على سكين في شقة سيدة أجنبية عجوز في وسط البلد، ولهذا استحضرناك.

قلت في نفسي، أيكون الأمر هكذا، سكين وعجوز وبصمات، إنه يأخذني في طريق لا أريد أن أسلكه، إما الاعتراف بشيء لم أفعله، أو السجن في أمر آخر لم أفعله.. نظرت له وأنا أقول بنفس الوتيرة المتوترة:

– تقصد أنك ستتهمني زورًا في قضية لم أفعلها لأعترف لك بأني كنت سببا في انتحار قريبتي! افعل ما تفعله ولكن ينقصك أمرًا، أنها ما زالت على قيد الحياة، يعني يمكنها أن تخبركم لما حدث.

صمت قليلا، حاولت استعادة هدوئي، لا شك أن ركبتي ما عادت تحتمل الصمود حتى وهما مستندتان على المقعد، أتصور لو كنت واقفًا أمامه ماذا قد يحدث سوى السقوط من فرط الرعب الذي أحدثه في قلبي، صمته كان مقصودا فقد كان ينظر لجسدي الذي ينتفض أمامه، يستمع لدقات قلبي الذي يكاد أن ينسلخ عن رئتي، ضرب المنضدة بكف يده فانتصب على إثرها، قال بصوتٍ عالٍ لا يخلو من الشدة:

– أمك، لم تحدثني عنها، متى فارقت الحياة؟

لا أعرف سبب ذكر أمي في حدث مثل هذا، الغريب أن المرء يدخل فيعذب، لا بد أن يجدوا له وسيلة للعذاب فإن لم يؤلمه جسده من الصفعات ما يترك علامات، نال قلبه ما قد تناسى من ويلات، أعادني سؤاله بالذاكرة لأعوام وأعوام، تذكرت أمي وعلاقتها بأبي التي لم تكن طيبة أبدًا، فدائمًا كنت أسمع ما يدور بينهما من شجار.. كلمات أمي كانت محفورة على قلبي، بل نظراتها المتشككة له قبل موتها فقط ببضعة أيام، كان أول يوم بالعيد وقد قررت أمي أن يكون مختلفًا وتأخذنا لنخرج، تعجبت هي من موافقة أبي السريعة، احتضنتني حينها وهي تخبرني بأنه مؤخرًا قد تغير للأحسن وهذا غير مألفوف بالنسبة لها، كان هذا العيد مختلفًا ليس فقط لشعورس بالبهجة في الصباح قبيل صلاة العيد، لا فقد رفض أبي أن يأخذنا للصلاة متعللًا بأننا سنخرج معا في الظهيرة مما أشعرها بالخيبة وكأنها كانت تريد أن تقول “ما دخل الصلاة بالتنزه؟”

ومر وقت الصلاة وأنا وهي قد عرفنا بأن لا صلاة عيد لهذه السنة، كنا نقف في الشرفة معا نستمع للتكبيرات ونرى الناس بأطفالهم وهم يتجهون للصلاة، رأيت دمعة أمي وهي تتساقط على وجنتيها مما جعلني أبكي معها كنت أظن أن الدموع تنتهي ومن يبكي كثيرًا تتحجر عينه ويموت، هكذا أخبرتني أمي، ولكن لماذا تبكي كثيرًا، هل تريد أن تتركني معه بعد أن تنتهي دموعها، بكيت معها أكثر كي نموت معًا، فلم أكن أريد أن أكمل حياتي مع أبي فضلا عن ترك أمي، فأبي لم يكن معنا في أي وقت، بالصباح في عمله الذي لا ينتهي إلا بالمغيب، وبالليل يسهر بالخارج مع أصدقائه المعروفين إليّ باسم “الحشاشين”هكذا كانت تسميتهم من قبل أمي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top