أيقنت من صغر سني أنه قد كتب عليَّ أن أكون وحيدًا، وأن الناس سواسية فقط في الشر فكل منهم لا يحب إلا نفسه، الأنانية المطلقة قد طافت ببساطها فوق رأس الجميع، فتهافت البشر عليها وكأنها الملاذ، نسوا أنفسهم في سبيلها أيضًا فلم يعد هناك عقل، وتَحكُم الشهوات بقلوبهم أزال عنهم ما بقى من آدميتهم، فصار الأب ظالمًا لاِبنه فقط لإرضاء زوجة لم يخترها أبدًا حبًا فيها، بل طمعا في نيل ليالٍ صاخبة يرقصان فيها فوق قبور لُحدت داخل قلب صَغيرُه..
أفقت من شرودي على صوت المحقق وهو يقول:
– سوف نخرجك من هنا ولكن لدينا عدة شروط سنتفق عليها لتنال حريتك.
وكأني أمسكت بريشة من جناح يمامة لاذت بريح الحرية، قلت بصوت قصدت أن أخرجه بهدوء:
– موافق على الشروط دون أن أعرفها..
ضحك بصوتٍ عالٍ حتى جلجلت ضحكاته أرجاء الغرفة لتعلن عن اتساعها الذي لا أراه، تبع ضحكاته بالشروط الموضوعة من قبلهم:
– أولا ستكون عيننا في ببت أبيك، فمن أقوالك هذه قد نكتشف أن أباك شريك في الحادثة.. هذا إن كان أمر الأرث مجرد كذبة، وهذا قد نكتشفه في القريب بالتحري عنهما…
صمت قليلًا ثم قال:
– ستخبرني عن أول لقاء لك مع تلا، وكل شيء يخص محاولتها التخلص من حياتها…
صمت قليلا ثم قلت:
– لقاء ملغم بالشك، كانت متشككة في وفي كل شيء، لم أقل لها سوى أنها جميلة، كنت أعرف بأنها مجبرة على هذه الزيجة مثلي تماما، ولكنها ما إن رأتني حتى انهالت عليَّ بالاتهامات، رأتني طامع فيما تملك…
قاطعني قائلًا: وهل تزوجتها لسبب آخر سوى الطمع؟ لا أعتقد.. مطلوب منك فقط أن تقول الحقيقة حتى نقف على نقطة ثابتة أستطيع من خلالها إخراجك من هنا.
انهالت على رأسي صوت صرخات المعذبين لديهم، انكمش جسدي وودت لو تعود الأيام لكي لا أتزوج بها، فمنذ توقيعي على الوثيقة التي ربطتني بها وأنا لا أسلم من التعقيدات، قلت بعد صمت طويل:
– عمي لم ينقذ أبي من الموت، لقد كانت هذه حيلة منه ليقنعني بالزواج، لقد سمعته وزوجته وهما يتفقان على أن يخبراني بذلك، ولكني أقنعت نفسي بالكذبة وظللت أرددها بداخلي حتى صدقتها…
بترت كلماتي، لا أعرف لمَ! ولكن ربما إخباري له بأني تزوجتها طمعا قد يثير الشكوك حولي، لو سئلت من شهر واحد عن أمنيتي، لقلت أن أتزوج فكلمة يا أعزب كانت تقتلني، في زمن قريب أصبح الزواج فيه كالحج مكتوب فقط لمن استطاع إليه سبيلا.. عم الصمت وأنا أفكر ليقول هو بخبث:
– أكمل أنا أسمعك، قلت أنك سمعتهما يتفقان على إخبارك بكذبة إنقاذه من قبل، فاتخذت هذه الكذبة كاتخاذ المشركين للأصنام آلهة بعد أن صنعوها بأيديهم، أحببت كذبة فصدقتها وصارت بقلبك معبودة، فقط لتنقذ نفسك من الفقر.. أليس كذلك؟