رواية عشق (كامله جميع الفصول) بقلم عمرو علي

ولكن أمي لم تنجُ فقد حدث معها ما حدث معه حين تركتني مع مربيتي الخاصة.. نجى أبى من الموت وأمي فقدت النطق باقي حياتها.

سعل أبي مجددًا فأخرجني من شرودي، قال بابتسامة:
– أعرف أنك جائعة ومتعطشة للنوم مثل تعطشي للحديث معك واحتضانك، ولكني سأتركك الآن لتستريحي..

تركاني لأحظى بنوم هادئ بعد كل ما لاقيته من ألم وأنا بعيدة عنهما، ولكن الهدوء نسى مكاني من أن وصلت لهذا البلد فقد جاءتني من الطبيب مكتوب بها:
“زوجتي ما زالت على قيد الحياة، أظن أنها متورطة في الأمر”.

(شعيب)

أول أمس كنت في بيتي أنعم بالحرية، حيث لا زواج أو قيود، أُجبرت على الزواج.. أهانتني العروس، حاولت الانتحار، والآن أجلس في سيارة (چيب) من ذوي البدلات السوداء، أظن أن دعاء زوجة أبي قد وصل للسماء، فلطالما قالت لي: “في ستين داهية” ها أنا أجلس بجانب الدواهي ذاتهم، بالطبع لا أرى شيئًا فقد وضعوا على رأسي كيس من القماش لونه أسود وهذا معناه أني سأعذب فقط فأصحاب القماش الأحمر هم الراحلون.
كانت السيارة تقطع المسافات بسرعة عجيبة، وكأنهم يحاولون الهرب بعد حصولهم على غنيمة، حينها عرفت أن الأمر خطير، توقف المسير وأخرجوني منها، تباطأت خطواتي فاضطر أحدهم أن يجرني إلى داخل أحد المباني.. أظن أنه كان تابع للمخابرات.. تساءلت: “ما دخل المخابرات بالطبيب بانتحار تلا! هل الحادثة الأولى كانت مدبرة وهم يظنون أن لي دخل في هذا، وأيضًا لو كانت مخاطرة فما دخل المخابرات بأمر كهذا، رجع عقلي إلى رشده فربما أنا في الأمن الوطني، حيث يبقى شعارها “الداخل مفقود والخارج مفقود أيضًا، فلسنا في سبوع أم باتعة ليخرج مولودا”، كنت أسمع صرخات المفقودين بالداخل وأنا أمر في جنبات المبنى، فازداد قلبي خوفًا وكأنه ألقي عليه الرعب، وجدت رأسي تتحرك رغم أنفي كهرة يداعبها الصغار بشعاع نور، حتى ألقاني أحدهم عبر الباب وما إن ولجت حتى أغلقه خلفي، اختفت الصرخات، تلاشى صوت العويل ووجدتني وحدي، السكون يغلف الأجواء، تلاشى الهواء تدريجيًا، لماذا لم ينزع عن وجهي هذا، ماذا يريدون مني ألا أراه، تحركت بخطوات متبخترة وأنا أمد يدي للأمام حتى وجدت مقعدًا فجلست عليه فور تحسسه، صوت هادئ جاء من أمامي لرجل ربما يجلس في مقابلتي:

– أهلا شعيب، هل تعرف أين أنت؟

تلجج لساني خوفًا من التحدث بأي كلمة قد تسبب في مشاركة المعذبين بالخارج، قلت بتوتر:

– الأمن الوطني.

صفق بيديه وهو يقول:
– لقد أجبت على السؤال بكل سهولة وأريحية، توترك سيزول ونحن نتحدث لا تقلق، أريدك فقط أن تجيب على أسئلتي مثلما أجبت على السؤال السابق.

هل كان يختبر صدقي في هذه الإجابات ماذا لو سألني أسئلة لا علم لي بها، هل سأعذب حينها، أخرجني من شرودي وهو يقول:
– هل تحب ابنة عمك؟

لو كشف عني وجهي لوجدني أرفع حاجبي تعجبًا من سؤاله أهذه الأسئلة هي من جلبتني لهنا! سعلت وأنا أضع يدي على فمي لكى أستطيع أن أسبه دون أن يقرأ من شفتيَّ الحروف، طال صمتي، فتنحتح ثم قال:

– حسنًا فلنؤجل هذا السؤال لوقت آخر، لكن قل لي، ماذا تعرف عن ابنة عمك، أين كانت تعمل بأمريكا، علاقتك بعمك، أريدك أن تخبرنا بكل شيء منذ خطت أقدامهم أرض مصر.

زفرت بضيق ثم قلت:

– لو قلت لك أني ما رأيتهم يومًا هل ستصدقني؟ بالتأكيد لا لن تصدق، ولكن ابنة عمي استفاقت من غيبوبتها، تستطيع أن تخبركم بكل شيء، أنتم تظنون بأني السبب في انتحارها وبالتالي أكون السبب في الحادثة القديمة، ولكن حسب التقارير أنا بريء وهذا لو لم تسألوا تلا عما حدث..

– لماذا تزوجتها ما دمت تعرف بأنها قعيدة؟;

– بنفاذ صبر قلب: تخيل معي أن تكون حياتك كتلة من الجحيم، إنت تكون فقيرًا وأباك يرزق أمام عينيك، لقد قد دغدغ الفقر أنفسنا حتى كشفت وجوهنا للجميع، وقبيل مجيء عمي للبلاد كانت الدنيا ابتسمت تدريجيا لأبي، خاصة وأن زوجته قد مات قريب لها، فورثت منه مبلغا كبيرًا، من وقتها وأبي ترك لي البيت وغير محل إقامته لينعم معها في عز لم أره قبلا، كنت أعرف أن عمي رجل ثري، ولكن أبي نفسه لم يطعمني مما رزق إرضاءً لزوجته فهل عمي سيفعلها.. بالتأكيد لا، كنت أمقت هذه العائلة كبغض السقيم لمرض أصابه، ومر شهرين على وجود عمي، مثلي مثل غيري عرفت خبر موته.. وجدت أبي يخبرني بعدها بأنه سيزوجني ابنة عمي ردا لعرفانه معه.. ورغم أنه تركني إلا أني نفذت وصيته وتزوجتها.. هي أيضًا لم ترني ولم تشأ الظروف حتى لحفر ملامحها في قلبي..

– غريب أمر زوجة أبيك، بالصدفة ترث.. ربما عمك هو من أرسل هذه الأموال وأبوك أخبرك بأنها ورثت كي لا يعطيك أي شيء..

كلماته جعلتني أصمت قليلًا، فتشت داخل سراديب عقلي الموصدة لألف ذكرى وذكرى لها وهي تمنعني من الجلوس على مائدة الطعام لتأكل هي وأبي بعد أسبوع واحد فقط من زواجهما، متعللة كذبًا بأني تشاجرت مع أحد زملائي بالمدرسة، وكعادته لم يسأل ولم يهتم إلا برؤيتها وهي تدلله، رفعت رأسي وأنا أنفض أفكاري، قلت بحزن إثر تذكري لها:

– لم أحبها يومًا ولم تحبني، والجميع يعرف ذلك، أبي يعرف وإن أنكر ذلك فاسألوا الجيران عن خبثها ومكرها، اسألوهم كم كانت تتركني في الشرفة وقت الظهيرة عقابًا لي، لتحرقني الشمس، الجميع يعرفوها.. إذا كان لها يد في ما حدث فأنا لست شريكها مع ترجيحي أنها ربما تكون سببًا في ذلك…

قاطعني قائلًا:
– ولكنني لم أكن سأقول ذلك، هل أعتبر هذا بلاغ منك في زوجة أبيك؟

قلت دون تفكير: لا، ولكن نبحث عن سر الإرث، فإن لم نجد لها قريب قد مات فسيكون أمامنا خيط رفيع، فنحن الورثة الشرعيين لهم، وأيضًا هي من أقنعت أبي بفكرة زواجي من تلا، إذا صدق ظني فهي الآن تدبر لقتل تلا ثم قتلي فيما بعد فيصبح إرث عمي من نصيبهما..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top