– وهل تعمل بمعمل الإيدز؟ وهل عرف الناس بهذا الأمر أم هناك تعتيم على خبر ازدياد المرضى.
– لا، فأنا أعمل طبيبا بالقوات المسلحة…
نظر لي بحزن، ذم شفتيه وهو يقول:
– لكن تلك المعامل كانت السبب في إصابة زوجتي بالإيدز…
نظرت له بعدم تصديق، فكلامه معناه أنه أيضا يحمل المرض، ارتعشت يدي حتى أنه لاحظ ذلك، فقلت بتوتر:
– هل هذا معناه أنك أيضًا مصاب بالمرض؟
ابتسم ابتسامة صفراء وقال بحزن:
– وما الفارق لو كنت حاملا له أو لا، فقد أصيبت زوحتي وجنينها، لقد تخلصت زوجتي من حياتها بعد أن عرفنا ذلك، تركتني وأنا أظن بأنها خانتني، فلم يأتِ لي أي هاجس لأتبين سبب مرضها، مريضة حسنًا إذن فهي زانية تستحق الرجم ألف مرة، ماتت هي ورحمت من نظرات التأنيب، من رشق كلماتي المسمومة، ماتت.. رحمها الله من الضرب الذي أبرحتها إياه وهي حبلى.
شعرت بالشفقة على حاله، لم أكن أعلم بماذا أقول، هل أحاول تخفيف اللون الأسود الظاهر في كلامه ببعض كلمات التعزية، أم أصمت وأغير دفة الحديث لشيء آخر، ولكنه أنقذني من حيرتي.. ازدادت حمرة وجهه، أدمعت عيناه وهو يقول:
– لو أنني استطعت أن أكبح جماح غضبي لكانت الآن على قيد الحياة، لو أنني تفكرت قليلًا بمنطقية لكانت تحيا بجانبي، لأخبرتها بأن هناك طبيبة جاءت ببشراها لتزيح هذه الغمة، أتعرفين؟ كانت دائمًا تعتني بي وتهتم بصلاتي أكثر، كانت مؤذنتي التي لا أستطيع ألا أسمعها، فعند كل أذان أجدها فوق رأسي لكي لا يكون لدي حجة، فكيف أصدق التقارير ولا أصدق العليل نفسه، كيف أظن بأنها قد أخطأت!
رغم شعوري بالأسى عليه وعلى ما حدث لعائلته إلا أن هناك بعض الأشياء التي لم يتقبلها عقلي، فطبيب مثله لن يصدق عروض معامل التحاليل التي قد توهم المرضى بأن زيارتهم الأولى مجانية مهما كانت المهمة..
أكمل بحزن:
– أعرف كيف تفكرين، ولكنها بالفعل لم تخطئ، حين فتحت سلسلة المعامل بالبلد أعلنوا أن أول ألف زائر سيفحصونه مجانا، مهما كانت التكلفة، رغم أن عملي يوفر لي الكشف والعلاج بنصف الثمن إلا أني أحببت أن أجرب معهم، فالموضوع لن يكلفني لا النصف أو الربع هو مجاني تماما.
صمت قليلا، كنت ما زلت لا أعرف الطريقة التي يتبعوها في نقل المرض، هل عن طريق إبر حاملة أم هل يحقنونه الحالة بدمٍ ملوث، فسألته:
– أنت تقول بأنك ستكون زميلي في العمل وهذا معناه بأنك عملت معهم، بالتأكيد تعرف الطريقة التي ينقلون بها المرض.
فقال دون أن يهتز جفنيه:
– لم أعمل معهم بعد، ولكنك سترشحيني بالعمل معهم بعد أن تستلمي عملك.
– ولكنهم بالتأكيد عرفوا بأني أصبحت معكم، ثانيًا لا أعرف هل صدقني رجال الأمن أو لا، فأنا متأكدة من أنهم ما زالوا مرتابين من أمري وليس معي أي دليل على كلامي، ربما كلامك مطمئنا لي نوعا ما، ولكني ما زلت خائفة.