وبعد شدة هَوْلٍ .. جاءه الضيف ذو الوجه الأسود والعين الجاحظة .. مد يده إلى جوف سعد كأنه وجد ما فقد .. لقد نزع الروح نزعا شديدا غليظا كأنه اقتلع جسده كله ، وسعد يصارخ ويضطرب ولا منجى من الموت ، قد حان ما كنت تحذره يا سعد .
أراد سعد الكلام ولكن لم يسطع ، كان يريد القول :”رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت”
ما زال سعد يقاتل الموت ولكن لا طاقة له بملك الموت !!
لم يكن النزع يسيرا بل غرقا ، لقد هربت روحُه فلم تدع عِرقا ولا عَصَبا إلا اختبأت خلفه ..
وهذا الملك غارق في نزعه ، فالعذاب عسير ولا طاقة للجبال الرواسي به !!’.
وذهب ملك الموت متأبطا شرا ، تاركا جسده المسجى بالهول والهلع . ..
بقي سعد جثة هامدة لا تطيق حراكا بل هي أشد ما تكون في سكونها ..
ضربت الأم صدرها وقالت : بنيَّ سعد وقتك الأواقي ، أجبني ، ما ذا أصابك ؟
فلمَّا لَمْ يجب عرفت أن ليس ثمة مرض .. إنه الموت الذي لا يرده ملك مقرب ولا نبي مرسل
كان سعد تاركا للصلاة مجانبا للطاعة بعيدا عن الخير ، فتحرجوا في الصلاة عليه ، ولم يجدوا بُدا من أن يلقوه في المقبرة رميا، كأنه متاع قد استغني عنه .
حملوه على أكتافهم وهو يسمع قرع نعالهم ويقول : إلى أين ؟ أين تذهبون بي ؟
أنا سعد ابنكم وقريبكم ، دعوني أصل لله ركعات لعله يغفر لي خطيئتي ، لقد ضربت فلانا وشتمت فلانا أريد المغفرة منهم ، وصاحب المتجر يريد مالا لم أعطه ، وقد استعرت متاعا فجحدته …
ولكن لا يسمع نداءَه إلا ربُه ، ولا حياة لمن يناديهم
اقترب من الحفرة التي ستكون له مأوى ومصيرا !!
رأى سورَ المقبرة كأنه قيد في العنق يقطع الوريد ويشد الوثاق !! !!
اقترب من المقابر كأنها غابة موحشة لا يأنس بها إلا الأبالسة !! !!
النبات ذابل ، والشجر محترق ، وكل شيء في هذا المكان خَرِب خَرِب ، فكل ما تراه يدعو إلى الموت ، لا حياة بعد تلك الحياة ، أواه ثم أواه .
.
.
لقد بدّلوا اسمه ، فكان “سعدا” في الماضي ، أما الآن فهم يقولون أين “الميت” ؟ ، ويقولون :ضَعُوا “الجنازة” هنا .
يالله !! ما أكثر من خُدع ببريق الدنيا ثم لم تمهله حتى رُمِي في حومة الردى
الجزء الرابع من هناا
.
.
.
.