رواية اختي لم تمت الجزء الثالث والاخير

الجزء الثالث من هنا?????
دخلت ريتا من باب القبو وأنا أراقبها على بعد خطوات حتى وصلت الى منتصف ذلك القبو المظلم ثم خرج طيفٌ من أحد جدران القبو وبدأ يسير الى جسد صديقتي ريتا..
وحين تمعنت في ذلك الطيف وجدته يشبه أختي الصغيرة كل الشبه عدا أنها كانت مشوهةً بشكل شيطاني..

وقفت ريتا أمام ذلك الطيف المخيف وامتزجت به بطريقة لا تستوعبها أعين البشر ثم بدأت ريتا ترتفع عن الأرض وكأن الجاذبية الأرضية لم تعد تشملها..
كان جسمها يرتفع عن الأرض شيئاً فشيئاً حتى التصقت بسقف القبو ثم أخذت تتشبث بالسقف بأطرافها وكأنها عنكبوت أو ما شابه..، كل هذا وعيناي تكادان تنبثقان من منبعهما مما أشاهده..
كان جسمي قد تشنج من مشاهدتي لذلك المنظر وفوق هذا الرعب كله التفت لي ريتا بوجهها الذي يكاد ينفصل عن جسمها وبدأت تناديني قائلة: انزل يا جون..، انقذني يا جون..
لا أعلم كيف استطاعت قدمي أن تخطو بعد هذا الرعب كله لأعود بخطواتي الى الوراء وأهرب من المنزل الى حيث أجد من ينقذني مما أنا فيه..

ذهبت إلى مركز الشرطة لكنهم هذه المرة لم يصدقوا ما اقوله فما كان مني الى الخروج الى احدى حداق المدينة كمتشرد خائف يبحث عن الأمان..
وصلت الى الحديقة منهكاً من شدة التفكير ثم رميت جسدي على أحد مقاعدها الخشبية العتيقة وخلدت في نومٍ هانئ..
ورغم البرد الذي كان يتصارع مع جسدي في ذلك اليوم إلا أنها كانت المرة الأولى التي أنام بها من غير كوابيس تؤرقني منذ انتقالنا الى هذه المدينة..
وفي صباح اليوم التالي أيقظتني طفلة في الثانية عشر من العمر..، أيقظتني وهي تمسك بيدها الرقيقة فطيرةً ساخنة موضوعةً في كيسٍ ورقي لتقول لي بصوتها العذب: خذ هذه الفطيرة من أجلك..، لا أعلم لما ابتسم ثغري رغم المهاجس التي مررت بها في الأيام السابقة..، ربما كنت أضحك لظنها أنني أحد مشردي المدينة..
اعتدلتُ في مجلسي ثم أخذت منها تلك الفطيرة وأنا أرمقها بابتسامة لطيفة..، ثم دعوتها للمكوث بجانبي ريثما اتناول الفطيرة..

جلست تلك الطفلة بجانبي وسألتني قائلة: لماذا تنام في الحديقة ألا تملك منزلاً تحتمي به من برد الشتاء..
لست أدري لِم كان الصمت جوابي عن استفسارها البريء ذاك..
ولست أدري السبب الذي جعلني أشعر بالدفء وهي بجانبي إلا أنني كنت أردد في أعماقي بأن هذه الطفلة هي رمزٌ من رموز الخير في هذه المدينة..
خرجت عن صمتي بسؤال يشبه سؤال الطفلة فقلت لها: وهل تمتلكين أنتِ منزلاً..، فأجابتني بصوتها الطفولي العذب: نعم لدي منزل جميل يقع في منتصف المدينة..
لا أعلم لما ارتاح قلبي لتلك الطفلة فكنت أنظر إليها والى معطفها ذو القبعة الصوفية التي تكاد تخفي ملامح وجهها العذبة وأسألها عن منزلها الذي يبعد اميالاً عن هذا المكان..
لكني حين سألتها عن سبب خروجها من المنزل في هذا الوقت الباكر قالت: خرجت أبحث عن عائلتي..!
في هذه اللحظة بالذات اجتاحني الخوف والاستغراب..، لكني لم أظهر خوفي أمامها إنما تابعت معها سائلاً: وأين هي عائلتك أيتها الطفلة..؟

فأجابتني بشيء من البرود الممزوج بالحقد لقد تركوني وهاجروا من البلدة…
وضعت يدي على قبعة الطفلة ونزعتها عنها وكانت صدمتي حين رأيت أختي الصغيرة التي قُتلت منذ أكثر من ثلاثة عشر سنة..
خرجت أركض هارباً من تلك الحديقة تاركاً أختي وفطيرتها اللعينة على ذلك المقعد الخشبي العتيق..
ثم بدأتُ أجوب المدينة بحثاً عن تفسير لكل ما يحدث..،
وصلت الى الشارع الرئيسي الذي كان مكتظاً بالناس..، كنت أبحث عن أي شي يخرجني من تلك الأجواء الشيطانية ولكنني بعد بحثٍ لا جدوى منه وقعتُ يائساً أبكي على حافة الطريق بين المارة..، وما أقسى المارة حين لا يكترثون لمجنونٍ مثلي..
وبين بكاءٍ منهمر وخوفٍ دفين شعرت بكفِّ سيدةٍ عجوز قد انحنت تواسي حالتي اليائسة..

نظرت في وجه تلك العجوز فكانت ملامحها مألوفة لي وكأنني قد رأيتها من قبل..،
انحنت العجوز لي ممكسةً بعكازها الخشبي ثم أردفت تقول: انهض يا جون..
كنت أنظر لها بشيءٍ من الاستغراب نهضت من مكاني متسائلاً في ذهني عمّن تكون هذه العجوز وكيف عرفت اسمي رغم أنني غريب عن هذه المدينة..!
ورغم الخوف الذي احتلّ كياني إلا أنني سِرت مع تلك العجوز بكامل إرادتي..
أدخلتني العجوز الى بيتها الواقع على أطراف تلك المدينة ثم ذهبتْ تصنع لي كوباً من النعناع الساخن..
كان في ذهني آلاف الأسئلة التي لم أجد لها جواباً واحداً منذ انتقالي الى هذه المدينة..، ولعل هذه العجوز تنقذني مما أنا فيه وليتها فعلت ذلك..!
بعد قليل من الوقت عادت تلك العجوز ممسكةً بكوب النعناع وطلبت مني الجلوس على الطاولة الرخامية الواقعة في منتصف ذلك البيت الضخم..
جلسنا على الطاولة وكان سؤالي الأول لتلك العجوز هو: كيف عرفت اسمي؟
تنهدت العجوز وكأنها تنفث من زفيرها تاريخاً من الألم ثم قالت: أنا عمّتك يا جون أنا الأخت الكبرى لوالدك “ريمون”..

نظرت الى تلك العجوز والى تجاعيد وجهها التي تحكي سنين العذاب الذي تعرضت له.. كنت في صدمةٍ مما أسمعه حتى أنني نسيت كل ما كان يخزنه عقلي من أسئلة مكتفياً بسؤالٍ واحد وهو: لماذا أخفى عني أبي أمركِ يا عمّة؟
كانت ليلةً مليئةً بالصدمات بالنسبة لي..، أخبرتني عمتي كل الأسرار التي تتعلق بموت أختي الصغيره وكم كان صعباً عليّ معرفة بأن قاتِل أختي هو أبي..
كان أبي من عبدة الشيطان وكما أخبرتني عمتي أنه قد قدم أختَه الصُغرى كأُضحية للشيطان.. أتذكر مرة أنني سألته عن عائلته وقال لي أنهم قد تُوفوا إثر حادث سير..، لقد كذب أبي عليّ وعلى أمي وعلى الجميع..
وأخبرتني عمتي أن روح أختي ستظل مسجونةً في ذلك القبو الى أن نضحي بدماء أحدهم بدلاً منها..
خرجت من منزل عمتي وكانت الشمس تلوح في الأفق البعيد وتوجهت مسرعاً نحو منزلي القديم لأنقذ صديقتي ريتا من روح أختي التي تتمثل بجسدها..
وصلت المنزل مع غروب شمس ذلك اليوم وبدأت أقرع الباب بطريقة همجية

وأنا أنادي عليها بصوت مرتفع..
فتحت ريتا الباب وقبل أن تنطق بحرف واحد أمسكتُ بيدها وأخذتها من المنزل..
ذهبنا الى أحد فنادق المدينة وهنالك بدأت أسرد لصديقتي ريتا كل ما يحدث..
وفي مساء ذلك اليوم إتصلتُ بوالدي وطلبت منه المجيء الى المدينة بحجّة أنني قد تعرضت لحادثٍ أليم وطلبتُ منه أيضاً عدمَ اخبار أمي كي لا تقلق علي..، وكانت غايتي الوحيدة من طلبي هي الإنتقام من أبي كي ترتاح روح أختي الصغيرة..
كانت الساعة تقارب الواحدة بعد الظهر حين وصل أبي للمنزل حيث نزلت ريتا وفتحت له باب المنزل وبعد أن القى التحية على ريتا صعدَ أبي لغرفتي وحاولَ التخفيف عني..
كنت أعلم أنه سيدخل الى ذلك القبو وخاصةً بعد أن يُلاحظَ بابهُ المفتوح..، استأذن مني والدي قائلاً لي ولصديقتي ريتا بأن نُجهّزَ أمتعتنا للرحيل..، ثم تركنا في الغرفة ونزل ليتفقد القبو..

أما أنا فلحقت به ممسكاً بعصاً خشبية متينة وقمت بضربه من الخلف على رأسه وألقيته داخل القبو حتى ينال شرّ أعماله الشيطانية..
كنت أسمع صوتَ جسده الذي يرتطم بجدران ذلك القبو المخيف وكأن الشياطين تلعب بجسده كما يلعب الأطفال بالكرة المطاطية.. بكيت كثيراً في ذلك اليوم.. بكيت على أختي وعمتي اللواتي ضحّى بهنّ أبي للشيطان الذي يعبده وبكيت حتى على أبي الذي أسمع صوت تحطّم عظامه داخل القبو..
وها أنا الآن أُتمّ عقدي الواحد والعشرين من السجن وكأنني أدفع ثمن جرائم أبي وشياطينه اللعينة وهل يفنى الأمل من غد أفضل..!
تمت بعون الله تعالى..
الحمد الله
الي اللقاء في روايه جديده ???

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top