رواية جحر الشيطان الفصل 1 & 2

[sc name=”ad1″ ][/sc]

كانت ليلةٌ شاتية، شديدةُ البرودة، الظلام يلفُ غرفتها برداء حالك السواد، صدح منبه هاتفها كما وقتته مع إنتصاف الليل، فتحت أجفانها بتقاثل، ومدت كفها من أسفل الغطاء برجفة من برودة الجو وأوقفت رنينة، تنهدت وهي تخرج رأسها من اسفل وسادتها، تحركت من على الفراش ليهاجمها البردُ القارص فضمت نفسها بذراعيها وهي ترتعش، لكنها لن تضع البرد يغدا حائلاً بينها وبين قيام ليلها، أسرعت لتشعل الأنوار ولفت أنتباهها أثر الغيث العالق على زجاج نافذتها المُغلق،فـ أسرعت نحوه،و إتسعت حدقتيها وهي تصرخ في حماس وتصفق بكفيها، ثم نظرت من خلال النافذة للأمطار الهابطة كـ السيل، مدت كفها تستقبل الأمطار بأغتباط شديد بعدما فتحت خصاص النافذة، وأغمضت عينيها وبدأت في الدعاء، فتحتهم في فزع ما أن تناهى لها صوتُ الرعد الصارخ، فـأغلقت النافذة وهي تتنفس الصعداء، ولم تلبث إلا وقد توضأت وعقب وضوئها بسطت سجادتها وشرعت في صلاتها، وبينما هي تقرأ وردها مَن القرآن إذ بـ الباب يُفتح ويطل منه أخيها الصغير هامسًا بصوتًا مرتجفٌ من البرد :

[sc name=”ad2″ ][/sc]

[sc name=”ad3″ ][/sc]

– السلام عليكم، حبيبتي ممكن أدخل؟
تألقت بسمة رائعة على ثغرها وهي تومأ مؤكدة:
–تعالى يا خالد يا حبيبي.
جلس خالد جوارها وتسائل :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– أنا لسه صاحي اهوو، هصلى هنا عندك ماشي؟
أومأت خديجة بعينيها، وقالت :
– صلي يا حبيبي براحتك.
استوى “خالد” مُنتصبًا، وكبر مُصليًا، في حين أسترسلت “خديجة” قراءة وردها.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

أنهى خالد صلاته وراح يتلو ورده في صوتًا رخيم، يبثُ الراحة للقلوب، وما أن أنتهى حتى ألتفت إلى “خديجة” بوجهًا مُشرق وتنهد قائلاً في حبور:
– خديجة غريب قيام الليل!
عقدة خديجة حاجبيها في عدم فهم، وهي ترمقه في حيرة، فتبسم هو ضاحكًا، وقال :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– غريب عشان بيكون الجو فيه بارد أوي والإنسان ميقدرش يقعد من غير غطا ولا يتحرك، إلا المصلين، فهما بيتوضوء ويصلوا وميحسوش ببرد ابدًا، سبحان الله إزاي رغم البرد ده ألا أن أول ما بصلي بحس بدفا غريب.
طافت بسمة مُشرقة على وجه خديجة، وقالت في راحة:
– إنه دفء الإيمانُ يا خالد.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

خطف خالد قبلة سريعة من وجنتها وهو ينهض، وقال :
– شكرًا يا حبيبتي لأنك معايا، هروح أنام شوية قبل الفجر عشان المدرسة.
امأت خديجة برأسها وهي تلوح له بكفها مودعة، ثُم رفعت كفيها داعيةٌ له.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”. [البقرة – 201].”
[sc name=”ad4″ ][/sc]

عاد الصغار باكرًا من المدرسة، بسبب سوء العاصفة التي هبت فجأة، مُعلنة عن أمطار غزيرة، استقبلتهم خديجة لتأخذ أروى وتبدل لها ملابسها التي بُللت كُليًا، ثُم جلست على فراشها في غرفتها بعدما أنتهوا الصغار من تبديل ملابسهم، والإتيان إليها، جلسوا حولها الصغار من كل جانب،فـ رددت بصرها بينهم، و تمتمت ببسمة كـ ضوء الفجر :
– تساءلتم عن المطر، والآن سأقص لكم عن فضله، ونعمته.
أنصت لها الصغار في حماس واهتمام.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

في حين تابعت خديجة والبهجة تنبضُ في كلماتها :
– المطر نعمةٌ من الله يا أحبابي، وخير، وبركة، ورحمة، كم أن الدعاء فيهِ مُستجاب، وإذ نُزل المطر يجب أن ندعوا كما قال الحبيب ﷺ فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: اللهم صيبا نافعا. رواه البخاري في الصحيح.
– أيّ مَطَرًا نافعًا للعبادِ والبلاد
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– هاجت ريحٌ شديدة، أدى على أثرها، تأرجح خصاص النافذة وتخبطها، فأنتفض الصغار وهم يلتصقون بـ “خديجة” التي ضحكت لرعبهم الذي تجلي على ملامحهم بانطلاق، ثُم نهضت لتغلق النافذة جيدًا، وعادة لتتدثر بجوارهم بالغطاء.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”. [البقرة – 201].
غابت النجوم متوارية خلف الغيوم، وأختفى القمر مخبوءً سامحًا للسماء بأن تُنزل غيثها كما تشاء، ولُفت السماء بـ رداء حالك السواد، الجو جميلاٌ هادئ، زخات المطر لها إيقاعٌ خاص بالأفئدة التي ترويها قطراته،
[sc name=”ad5″ ][/sc]

أمتزج الهواء الرطب مع ضحكات الصغار والكبار ناشرًا البهجة بالآرجاء، كانوا يللهو أسفل المطر بفرحةٌ غامرة، منهم السعيد، ومنهم من يوارى أحزانه وأوجاعه خلف بسمةٌ لطيفة، وضحكةٌ عالية لتستَّر بين ثناياه صرخات وآهات الفؤاد، وقفت خديجة فاتحة ذراعيها تستقبل زخات المطر غير مبالية بملابسها التي بُللت تمامًا، قهقهت بصوتـًا عالٍ وهي تؤشر للصغار :
-اي رآيكم؟ مش مبسوطين؟
رددوا الصغار في سعادة وهم ينثروا المياه على بعضهم بعضًا :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– اوي أوي أوي يا خديجة.
أقتربوا منها وأمسكوا بأكفف بعضهم، ليرسموا لوحةٌ دائرية، ثُم بدأو يدرون تغمرهم الفرحة.
وقفت لمار في شفة حجرتها تطالعهم ببسمةٌ صافية، تتأملهم بقلبٌ راجيًا من الله أن يحفظهم، ولم تلبث أن رفعت كفيها و وجهها إلى السماء، وقالت بعينان ذارفة بالدموع :
– اللهم أرحم من ضمهم القبر دون إنذارٍ و وداع، من خطفهم الثرى سريعًا، أفسح قبورهم، وأنرها بنورك، وارحمهم يا أرحم الراحمين، وأغفر حوباتهم وأسكنهم جنتك يا رحيم، واحفظ ليّ أحبتي من عبث الأيام
[sc name=”ad5″ ][/sc]

وكدرها، ولا تأذني في أحدٍ منهم، يارب.
أخفضت بصرها وهي تستند بكفيها على سور الشرفة تتأمل صغارها بأعيُن تتوهج فرحًا وقلبًا يفيض راحة وهدوء.
حادت عيناها إلى مكه التي تنظر لآبناءها بنظرات تملوءها الحسرة والحزن، فتنهدت في ألم، ثم رددت بصرها إلى أسماء فتبسمت في خفوت وهمست بوجع :
– أمتى تفوقكِ قبل ما تضيعي كل الحلو اللي فـ إيديكِ؟.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

مالت قليلاً لتنظر إلى سجى فـ لمعة عينيها بهجةً وحبور، وفترت شفتيهَ عن بسمةٌ رائعة وهمست بأعيُن تفيض دمعًا:
– أدامك الله لقلبي يا قرة عيني.
ظلت تتأمل بسمتها في حب ممزوج بالحزن في آنٍ واحد، يا ليتها في أمكانها أي شيء تفعله لها.
يا ليت بأستطاعتها أهدائها عينيها لترَ بهما؟
[sc name=”ad5″ ][/sc]

غطت وجهها بين كفيها وهي تجهشُ باكية، صغيرتها وُلِدت كفيفة وستظل هكذا، لا يمكنها أن ترَ النور، وأن تنظر إليها.
أحست بكف يُوضع على منكبها، وصوتٍ حاني تهيم بهِ محبةً يُردف مهونًا :
– ليه الحزن والدموع دي يا حبيبتي؟!
 سجى بتشوف بقلبها مش بعنيها يارتنا زيها.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

رفعت لمار بصرها إلى أخيها الحبيب يوسف وتبسمت بصفا وهي تكفكف دمعها، فتنهد يوسف وهو يرنوا مقتربًا ناظرًا مثلها إلى سجى :
– سجى مين قال أنها مش بتشوف وهو ياسين ابني مش عنيها اللي بتشوف بيها، هما الاتنيين بيكملُ بعض والله ربنا يديم المحبة بينهم.
آمنت لمار على دعاءه في صدق :
– آمين.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

ثم ألتفتت له قائلة في دهشة :
-اي ده فين نصك التاني ؟
آتاها صوت فيكتور الواقف على أعتاب الغرفة مازحًا :
– ماذا تريدين من نصفه الآخر يا فتاة.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

لوت لمار ثغرها في غيظ، وأردفت :
– ولا حاجه يا خويا، اصل مستغربة لقيته جنبي من غيرك.
ضحك يوسف بصوتًا مكتوم، يبدوا أن لمار ستظل تغار عليه من فيكتور إلى الأبد، في حين دس فيكتور كفيه في جيبي بنطاله وقال في تعالي :
– كفاكِ غيرةً يا صغيرة.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

تهجم وجه لمار وهي تتصنع الجدية، هاتفة بسخط :
– أن لم تكف عن مناداتي بصغيرتي يا سيد فيكتور حينها لا تلومني على ما سأفعله بك، حسنًا؟
قهقه فيكتور بإنطلاق، وغمز لها :
– حسنًا حسنًا.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

هز يوسف رأسه في يأس منهما، وقال وهو يخبط على كتف لمار:
– تعالي نقعد شوية، حبيية بتحضر لنا الشاي.
أومأت لمار ولحقت به، وجلسوا جميعهم يدردشون حتى أتت حبيبة وقدمت لهم الشاي، لم يمض طويلاً وأنضم إليهم كلا من “سجى، مكه، أسماء” نهضت لمار فور رؤيتها لـ سجى لتمسك بكفها برفق حتى أجلستها وجلست بجوارها، تسائل يوسف في قلق :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– هما العيال لسه برا؟ كدا هيخدوا دور برد شديد.
همت مكه بإجابته، ألا أن قاطعها صوت خديجة المقبل وقد أبدلت ملابسها:
– لا كُله دخل يا دكتور يوسف متقلقش.
جلست خديجة على ذراع مقعد يوسف وهي تحاوط عنقه، ليتمتم هو :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– دكتورة المستقبل، يا ترى هيكون في عمر لحد ما تتخرجي واشوفك دكتورة واسلمك لأبن الحلال.
أبتعدت خديجة محدقة به في غيظ وضربته على كتفه صارخة فيه بجزع :
– والله هزعل منك، ربنا يطول في عمرك، و يديمك ليا وتعلمني لحد ما ابقى دكتورة شاطرة كدا زيك.
ضحك يوسف بخفة آمنًا على دعاءها، فحاد بصره إلى لمار التي كانت تسلط بصرها إليه في حدة وقالت بهدوء، عكس ما يعتمل صدرها من خوف :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– هو في ايه كل شوية تقول يا ترى هيكون في عمر؟ ليه؟ هو أنت عايز تسبنا.
نفى يوسف برأسه ومال على اذنها هامسًا، وهو يضم كتفها إليه :
– لا يا ستي ولا تزعلي انا مش هموت ولا هسيبكم.
“رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

خرج حذيفة من دورة المياة وهو يجفف خصلاتة بالمنشفة التي حول عنقة، عاري الصدر، بِنطال قُطني فقط, صُدم حينما رَ أسماء تفتش بهاتفة وتتشمم بملابسه، فما أن أحست بوجوده، آنذاك تركتهم من يدها وهي تقول في تلجلج :
– حذيفة؟! أنا كنت …؟
صمتت لا تدري ما تتفوه به، فتبسم هو بخفة، وقال مازحًا ، لا يخفف من برودة الموقف :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– مالك يا بنتي ايه شفتي عفريت؟
توجه لخزنة ملابسه بوجهًا جامد ما أن ولاها ظهره، يشعر بقلبه قد خُلع من شكها به، لهما سبع أعوام سويًا وما زال الشك يعتمل صدرها، يأتي من عمله فتفتش في هاتفة وملابسه، يبدوا أنها لن تتغير وستظل تشكك به!
تبسم بوجع يُدمى الفؤاد، وتنهد في تعب، رغم حبه، رغم عشقه، رغم تغيره وقربه من الله، ما زالت تشكك به، ماذا يفعل إذًا؟
[sc name=”ad5″ ][/sc]

إلى متى سيتحمل؟
إلى متى ستصمد علاقتهم؟
لا يمكن أن يظل يشد بمفرده حتى تظل متماسكه لكن هكذا لن تصبح روابط الألفة بينهم ذات وثاقٍ غليظ.
أرتدى تشيرته وجلس على الأريكة منشغل الذهن، فباغته الصغار “ملك، مالِك” وهم يقفزا عليه صائحون في أشتياق، ليبادلهما العناق وهو يقول :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– حبايب قلبي عاملين ايه؟
أجلسهما على قدميه وقبَل وجنة كلاٍ منهم، لترد ملك:
– الحمد لله
– الحمد لله
[sc name=”ad5″ ][/sc]

قالها مالك هو الآخر ليتسائل حذيفة:
– بتذاكروا حلو ولا لأ؟
اومأ الصغار سريعًا قائلين :
– بنذاكر يا بابا.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

فرك حذيفة رأسه وهو يقول برفع حاجب :
– أمال ايه اللي سمعته ده هااا؟
تسائل مالك في تعجب وهو يهز كتفيه في حيرة :
– سمعت ايه؟
[sc name=”ad5″ ][/sc]

تصنع حذيقة الغضب هادرًا في غضب :
-يعني مش عارفين عملتوا ايه؟!.
نظرت ملك إلى مالك وقد رفعت قفها بجوار اذنها لتحركها بحركة دائرية متقلبة وهي تهمس في خفوت ظنًا منها أنه لا يصل إلى حذيفة :
– هو بابا اتجن؟
[sc name=”ad4″ ][/sc]

اومأ مالك مؤكدًا :
– شكله كدا.
اتسعت عينا حذيفة في صدمة وقال وهو يتركهم ارضً :
– أنا مجنون يا ولاد الـ….
[sc name=”ad5″ ][/sc]

بترت كلماته قول أسماء وهي تتخصر :
– يا ولاد اي يا حذيفة كمل.
غمز لها حذيفة قائلاً في مشاكسة:
اسماء.. اسماء
[sc name=”ad4″ ][/sc]

صفق حذيفة بكفية وهو يدندن أسماء ولحق به الصغار مصفقون وهم يصيحوا :
– هيييييييه.
وصل حيثُ تقف وهي تناظرهم في زهول، فإذا به يُدغدغها لتتعالى ضحكاتهم ويحذو الصغار حذوه ويشاركوه، تلوت اسماء بين أيديهم وهي تحاول الأفلات، ركضت وهم خلفها حتى سقطا فوقها وهم يدغدغوها تحت صرخاتها المستغيثة، سقطوا جميعهم ارضً بجوارها في نوبة ضحك عالية، فما أن هدأ حتى اعتدل حذيفة وهو يقبل رأس صغاره هامسًا بحب :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– ربنا يديم لمتنا وفرحتنا وضحكتنا كدا على طول.
هب الصغار في فزع صارخون وهم يركضوا خارج الشقه بعدما أوقعوا حذيفة ارضًا ، قالا:
– خديجة هتقتلنا يلا بسرعة.
تألم حذيفة وهو يستوي جالسًا ممسكًا بظهره في ألم ويقول:
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– ايه دا اي اللي حصل؟ ومين هيقتل مين؟
نظر إلى أسماء التي كانت تضع كفها على فمها تمنع صوت ضحكاتها في غيظ وهتف في سخط :
– اضحكي اضحكي، عيالك كانوا هيكسروا ظهري بسبب خديجة.
ثم نظر أمامه متذمرًا.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

“رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”. [آل عمران – 16].
دلف ياسين ببسمةٌ مشتاقة إلى الداخل بعدما أغلق باب شقته، عيناه تبحثان عن حبييته وصغيرته الاتين إشتاق لهن كثيرًا جدًا، اتاه صوت سجى الهامس من داخل غرفة أبنتهما :
– أنا هنا يا ياسين.
أسرع خطواته نحو الغرفة، وجدها كادت بالخروج لأستقباله، فضمها لصدره ملثمًا جبهتها بشغف هامسًا بقلبٍ فاض حنين إليها :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– وحشتيني أوي.
لامست سجى وجهه بكفيها في رقة وهي تهمس ببسمةٌ تتألق على ثغرها :
– وأنت كمان وحشتني اوي، اتاخرت ليه كدا؟
أمسك ياسين بكفيها في رفق وقبلهما وهو يردف :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– غصب عني يا نور عيني.
إتسعت إبتسامة سجى وهي تنزع كفيها من كفيه وتحاوط ظهره، وتسند رأسها على صدره، قائلة في تفهم :
– عارفه إنه غصب عنك، بس أنت بتوحشني يا نور عيني.
لثم ياسين أعلى رأسها معتذرًا وهو يشدد من ضمها في سكينة، وراحة، مُطبقًا أجفانه، غشاهما الصمت قليلاً قبل أن يقول ياسين في نبرة حزينة ما يدور في خاطره :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– أحيانًا كتير بيكون نفسي إنك تكوني مفتحه عشان تشوفيني، أوقات بشتاق لعينك تشوفني، هو أنتِ عايشة معايا إزاي كدا؟
ذُرفت عينا سجى الدمع آثر حديثه المؤلم، وأبعدت رأسها قليلاً عن صدره وسندت بكفيها وهي تهمس بصوتًا متهدج من البكاء
– مين قلك أني مش بشوفك؟ مين… مين قلك اني مش بشبع من ملامحك؟ مين قلك أن الحب بيكون بس لما العين تعجب بالجمال؟ الحب يا ياسين دا غريب اوي!
حبيتك عشان أنتَ أماني، حياتي، حبيتك عشان لاقيتك حنين، وبتهتم بيا، حبيتك عشان أنتَ العين اللي بشوف بيها الحياة دي، حبيتك عشان بشوف بيك كل الجمال يا جمال حياتي.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

وإن كنت لا أرَ هل هذا يعني إني لا أراك؟
ألم يراك قلبي يا ياسين؟
ضمت وجهه بين كفيها، ودموعها سيلاً على وجنتاها، ودنت منه أكثر وهمست في هدوء :
– أنا أرَاك بقلبي يا ياسين، لقد علمت أن المحب يرَ حبيبه بقلبه، لا بعينة، وأنا قلبي هو الذي يراك، ورغم أشتياق عينايّ لمرآهما وجهك، ألا إني ليست حزينة لفقدناهم لقد أعتدت على ذلك، فـ الأحبه تلتقي
[sc name=”ad4″ ][/sc]

بالأرواح وترَ بالقلب.
وإن فُقد البصر فـ الاحبة ترَ بالقلب والروح، فـ إذ الأرواح ألتقط هل يهم الشكل والمظهر ؟
ثم أمسكت بكفية في حنو، وأسترسلت وهي تضمهما إلى قلبها :
– بتمنى أشوفك أنت وأروى وماما وبابا واخوتي وأهلي، والدنيا، كتير بتمنى اشوف النور، بس أنا راضية الحمد لله، إذا كنت أنت عوضي في الدنيا على صبري فــــ أنا حبيت الإبتلاء ده.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

تبسم ياسين وما أن هم بضمها مرة آخرى حتى اتاهما صوت أروى وهي تدنو في فزغ منهما :
-ماما… بتعيطي ليه ؟!
رددت بصرها بين والدها و والدتها وقالت في عتاب بعدما سلطت نظرها على ياسين :
– أنتَ بتزعل ماما ليه ؟ وخلتها تعيط!؟ أنا زعلانة منك.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

أنهت جملتها وهي تعقد ذراعيها بوجهًا عابس، فرفع ياسين حاجبيه في غيظ وردد في خفوت :
– ماشي يا بنت ياسين.
باغتها بحركة سريعة، وحملها ليقزفها عاليًا ثم يتلقفها بكفيه وظل هكذا لعدة دقائق وهو يُغمغم :
-أنتِ يا بت مالك داخله شايطه فيا كدا ليه؟! ازعل ماما مزعلهاش أنتِ مال اهلك؟
[sc name=”ad5″ ][/sc]

كانت صرخاتها تصم أذنيه فما ان يتلقفها بين ذراعيه حتى تضحك بطفولة، فرددت ما أن توقف عن راميها للأعلى، وبدأ يقبلها مشاكسًا :
– إزاي مال أهلي يعني؟! مش انتوا أهلي؟
إتسعت حدقتي ياسين في دهش وهو يردد :
– يخربيتك، متقعديش مع خديجة تاني، يا من هنا!
[sc name=”ad4″ ][/sc]

وضعها ارضً لتلوى أروى فمها قائلة :
– طيب ماشية.
ضحكت سجى لمشاكستهم المستمرة، ثم علا رنين هاتفها، لتبتسم تلقائيًا بصفا وهي تردد في شوق :
– زين.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

زفر ياسين بغيرة وتمتم في خفوت:
– يوووه بيرن ليه ده؟
ي حين صاحت أروى وهي تركض إلى الهاتف :
–عمووو زين….
[sc name=”ad4″ ][/sc]

أسرعت الصغيرة لتجيب على المكالمة والتي كانت فيديو ليطالعها وجه “إسلام، وَ وليد” وهما يصيحون في سعادة:
– أروى، عامله ايه؟ وخالتو سجى عاملة ايه؟
أجلست اروى والدتها برفق التي أرتدت نقابها سريعًا وجلست بجوارها لتجيب سجى بفرحة :
– الحمد لله يا حبايب قلبي، أنتوا طمنوني عنكم عاملين ايه؟
[sc name=”ad5″ ][/sc]

جاءها صوت زين الضاحك وهو يطل بوجهه على شاشة الهاتف من خلف ابناءه :
– عفاريت وربنا يا سجى!
_ بس يا زين هزعل منك متقولش على حبايبي كدا؟
تزمر إسلام، وقال :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– قوليلوا يا خالتو، إحنا برضوا عفاريت؟
هزت سجى رأسها برفض وهي تنفجر ضاحكة، ليجذب زين منهم الهاتف وهو يبتعد عنهم، ويتسائل في جدية وهو يطالعها بمحبة:
– طمنيني عنك يا حبيبتي عامله ايه؟
اجابة سجى في نبرة مُعاتبة :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– بخير الحمد لله، هان عليك تأخدكم وتسافر كدا ومتجيش يا زين، سنة بحالها مشوفكش؟
تنهد زين في ألم، وقال :
– متزعليش والله الشغل مخليني مش عارف اتحرك ولكن بإذن الله هننزل قريب أنتِ وحشتينا كلنا اصلاً، ياسين عامل ايه؟
أومأت سجى قائلة في إشتياق :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– ياريت تيجوا في أسرع وقت عشان وحشني، هستناكم ماشي، ياسين كويس الحمد لله بيسلم عليك….
قاطع حديثها قُل عائشة وهي تضم زين من كتفه وتتسائل في سعادة :
– سجـــــــــــــــــــى عاملة ايه وحشاني؟
ضحكت سجى بحب وهي تردد في حنين :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– عائشتي وحشتيني اوي والله، بردوا كل الغيبة دي؟
– هننزل قريب والله!
ثم سحبت الهاتف من يد زين هاتفة :
– هات التلفون يا عم اكلم أختي.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

ثم أبتعدت تحت صدمته وهي تقول :
-بت يا سجى أخبارك كل اللي عندك اي؟ وخاصةً القردة خديجة؟
ردت سجى في إغتباط :
– الحمد لله كلهم بيسلموا عليكِ.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

صمتت عائشة في توتر، لا تدري هل تُسئل عن وعد وتغيرها الذى طرأ فجأة؟ أم تلوذ بالصمت حتى عودتها؟
فاقت من تخبط أفكارها على صوت سجى الهامس :
– قولي يا عائشة مالك يا حبيبتي؟ في حاجة؟
هزت عائشة رأسها في حيرة، وقالت في تردُد:
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– مش عارفه أقولك ايه؟
_قولي، قلقتيني؟
تنهدت عائشة بقوة، وقد أتخذت القرار بأخبارها بما في جعبتها، فـ قالت :
– سجى … وعد حاسه انها مش بخير برن عليها مش بترد، ودي اول مرة، فكلمت رحيم وقال أنها مش طبيعية بس هي بخير، ادها التلفون تكلمني قالتلي أنتِ مين! وعد صوتها واللي حكاه رحيم يدل انها
[sc name=”ad5″ ][/sc]

مش بخير حاولي تخلي ياسين يعرف مالها هما كانوا قريبين من بعض.
أومأت سجى وقد تملك القلق فؤادها همت أن تجيب فقال ياسين الذى أستمع لحديثهم صُدفةً :
– متقلقيش انا هتصرف متقلقيش بس أنتِ كل حاجة بخير.
شكرته عائشة وظلا يتحدثان سويًا، حتى صاح الصغار معترضون، يريدون حديث أروى وخالتهم، فتركت لهم عائشة الهاتف على مضض، ودار بينهم حديث طويل، مشبع بالبهجة.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

أغلقت عائشة معهم ليضمها زين من الخلف وهو يسند رأسه على كتفها هامسًا في حب :
– عائشتي… متقلقيش وعد هتكون بخير بإذن الله، وعد مني هننزل قريب مصر.
ألتفتت له عائشة ببسمة تُزين ثغرها ورددت بأعين مضيئه بعشقه :
– طول ما أنت جنبي أنا مستحيل أقلق من حاجة.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

تأملها زين مشدوهًا، حتى صدح صوت بكاء الصغيرة، لتهرع إليها عائشة، ويضرب زين كفٍ بكف في قلة حيلة، شعر بيد تضرب قدمه لينظر للأسفل رَ وليد ليقول في غيظ :
– عايز يا عم مش أنت وأختك؟!
لوى وليد ثغره،وقال مقترحًا :
– بدل ما أنت قاعد لوحدك تعالى نلعب احنا التلاته واللي يغلب يطلب من التاني اي حاجة؟
[sc name=”ad4″ ][/sc]

في قلة حيلة أومئ زين و وافق.
“رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء”.
 دخل رحيم إلى حجرته وهو يرمق وعد في حزنٍ شديد، جلس ليفك رباط حذائه ثم بسط كفيه حلى حافة الأريكة في تعب مما بذله من مجهود في الأراضي الذراعية، لف برأسه للخلف جهة وعد الجالسة، على الفراش مُشخصه بصرها في الفراغ أمامها، كإنها في عالم ثاني، تحطم فؤاده لعجزه لعدم معرفته ما بها، مؤلم رؤية من تحب يحي كـ الجثه التي فقط تتنفس؟
[sc name=”ad5″ ][/sc]

مؤلم أن تكون عاجزًا عن إنقاذ أحبتك.
مؤلم أن ترَ من لك يتألم وأنت لا تدري ما به.
فلا أنت قادرًا على تطيب روحه ولا قادرٍ على مداوة ألمك.
رؤيته له هكذا كانت تميته، لا يستطع ألبتًا، مرآها بتلك الحالة، التي تقلع قلبه عن مكمنه، تقدم إليها في تمهل، وجلس بجوارها، وعجبً أشد عجب، ما زالت على حالها لم ترمش بعيناها ولم تخطف حتى
[sc name=”ad4″ ][/sc]

نظرةً إليه، وعد التي كانت تستقبله بحفاوة، باتت حتى نظرةً لا تلقيها إليه، آه فقط لو يعلم ما بها؟ ما أصابها؟ ما يتعبها وجعلها بتلك الحالة، التي لم يرَ لها مثيلٌ قبل. يتألم ويعاني وطأة الحرمان هو.
ضم كفها بين كفيه وهو يهمس محاولاً جعلها تتحدث معه :
– وعد … حبيبتي، عاملة ايه طمنيني عنك؟
لم يصدر منها اي ردة فعل، فأطبق أجفانه في عذاب وكأن النار أضرمت في فؤاده تكاد تجعله رمادًا، فتح احفانة فجأة وقال في حماس :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– بت يا وعد عاصم موحشكيش؟ ابنك حبيبك اللي مكنتيش بتنامي غير في حضنه، موحشكيش؟
أطرق رأسه في خزى وتمتم في خفوت ودموعًا على وشك الأنهمار :
– عاصم بقي مكتئب دايمًا قاعد لوحده من وقت ما بقيتِ كده؟ حصلك اي؟ ايه اللي أنتِ فيه؟ تعبانة؟ فيكِ اي بس؟
أمسك بوجهها بين كفيه لترمقة بنظره سريعة تائهه كأنها لا تعلم من هو؟ ومن هي أيضًا؟ وحادت ببصرها مرة اخرى لجدار الغرفة وكأنها صنم لا تسمعه.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

أحس رحيم إنه لا فائدة ترجى منها، فهوت دمعه من عينيه فمسحها سريعًا وهو ينهض ليطمئن على أبنه.
لم يمض طويلاً وأقبل طفلاً لا يتعدى السبع أعوام ركضًا وأرتمى في أحضانها هامسًا في شوق :
– أنا جيت من المدرسة يا ماما، وحشتيني.
لم تبادله وعد العناق، لم تنظر إليه حتى، كأنها صنم متحجر لا يرف له جفن، أبتعد عاصم ونظر إلى وجهها الجامد الذي ينظر للفراغ، وتمتم وهو على شفا البكاء :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– أنتِ مبقتيش تحبيني يا ماما؟
هوت دموعه هويًا إلى وجنتيه وهو يغلق جفنية في شدة، ظنًا منه إنها لا تحبه ولا تريده، لا يدري أن المسكينة والدته وليست بوالدته!
وأنها لا تدري شيء مما يدور حولها، لا تشعر ولا تتكلم، أسيرةً هي في عالم مخيفٌ مظلم، مجبورةٌ عليه قسرًا.
يا ليت يمكنها التحرر من قيود هذا الظلام!
[sc name=”ad4″ ][/sc]

نهض الصغير من على الفراش وبسبب غشاوة الدمع على اجفانة تعثرت قدمه في سجادة الغرفة ليقع على وجهه، مما أدى لشق صغير في جبهته وكان ينزف على آثره، تألم عاصم بشدة وهو ينظر إلى والدته مناديًا، عما قليل كانت ترفرف بأهدابها كأنها تنتبه للصوت، كانت تشعر أن الصوت بعيد يسحبها من عالم بعيد ولكنها تتبعته، لتنظر تلقائيًا إلى عاصم، ونهضت عن الفراش بفزع لتحمله على قدمها، تزامنًا مع دخول رحيم ركضً فوقف مصدومًا، لا يصدق أن وعد أخيرًا تحركت، إتسعت حدقتيه في بَهَت شديد حينما نظرت إليه وهي تحمل عاصم، ونادته قائلة :
– رحيم …مالك واقف كدا ليه؟
[sc name=”ad5″ ][/sc]

تعالى شوف عاصم ماله؟
اومئ رحيم تلقائيًا، ولم يلبث ان ضمد الجرح لابنه، الذى أستكان بحضن والدته التي تضمه في، قلق وحنان، ورفق، أعتدل رحيم في وقفته وغمغم في تيه :
– وعد… أنتِ حاسة بينا؟
أمسك وجهها الذى أبدى زهولًا من حديثه، وتمتم :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– أنتِ كويسة؟ حاسة بحاجة تعبانة؟
حدجته في حيرة من امره وهي تتسائل :
– أنت اللي مالك في ايه؟
تركت الصغير، لتقف أمامه قائلة وهي تتحسس جبينه :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– أنت سخن ولا مالك؟ ايه الكلام الغريب ده؟ ما انا زي القرد قدامك اهوو.
جذبها رحيم من مرفقها مُعتصرًا آياها داخل أحضانه وهو يقبل وجهها في عدم تصديق، يحمد ربه أنها عادت إليه.
قد يأتي الأمل لدقائق معدودة ويولي بعدما يطعنًا ويذيقنا مرارة الحرمان، أن يكون الحبيب معك وليس بمعك مؤلم للغاية!
لم يمر كثيراً وإذ بـ وعد وهي تدلف للحجرة بعدما عدت طعام لطفلها وقعت أرضً وأنزلقت الصنية من يدها لتصبح شظايا كـ قلب رحيم تمامًا الذى تهشم وهو يهرع إليها، حاولت النهوض بمعاونته ولكنها كانت ت
[sc name=”ad4″ ][/sc]

سقط ارضً في كل مرة، وكأن قدميها قد عُقدا بأغلالٍ من نار، اقترب عاصم باكيًا، ليحملها رحيم بعدما أغمضت عينيها فاقدة للوعي ويغادر بها إلى المستشفى بعدما أخبر غفيره أن يهتم بالصغير…
“رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ”.
طلت خديجة من نافذة غرفتها مغمضةً العينين تستنشق الهواء في ارتياح، ثم نظرت للأسفل لتبصر الصغار جالسون على العشب يُذاكرون في اهتمام، فتوهج وجهها باسمًا وقد حسمت آمرها على النزول، ولم تلبس أن كانت تقترب منهم جالسة بجانب الفتيات قائلة:
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– ربنا يوفقكم يارب وينجحكم ويشرح صدوركم.
آمن الصغار على دعاءها، وعادوا لدروسهم كُلاً منهم منشغل في كتابه، فما أن يقف معهم شيء يذهب إلى والدته لتساعده، فـ حين أقتربت خديجة من أروى مغمغمة وهي تناظرها في حب :
– تعالي نذاكر سوا يا حبيبة قلبي.
ألتفتت لها أروى برأسها وهي تومأ في سعادة هامسة :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– يلا.
رفعتها خديجة لتجلسها على قدميها وبدأت تذاكر لها وهي تمعن النظر لملامحها التي أكتسبتها من والدتها سجى، نفس الملامح، وذات الهدوء والرقة، قضى الوقت حتى فرغوا جميعهم متنهدٌ
فـ أقترب الصغار ليطوقوا خديجة من كل جانب، حفوها في حلقة دائرية، لترفع خديجة حاجبها في دهش، ويمناها تمسح على رأس أروى في حنو :
– اي ده؟! في ايه؟!
[sc name=”ad5″ ][/sc]

أسرع مالك مُجيبًا في كلمات تنبضُ بالحماس :
– خلصنا مذاكرة ومش ورآنا حاجة، في اى رأيك تقوليلنا حديث وتشرحيه لينا، او تسئلينا، اي حاجة أنتِ حباها؟
سر قلب خديجة، لحماسهم ومبادرتهم لمعرفة احاديث الحبيب ﷺ فقلبت بصرها بينهم، وأثناء ذلك لاحظت أطراق خالد شاردًا في حزن، فـ تسائلت في تعجب :
– مالك يا خالد زعلان ليه ؟!
[sc name=”ad4″ ][/sc]

رفع خالد رأسه إليها وتمتم في هدوء وهو يهز كتفيه :
– مفيش حاجة مش زعلان!.
حدجته خديجة في نظرة مستنكرة، وقالت في أمر:
– مالك يا خالد بتفكر في اي؟
[sc name=”ad5″ ][/sc]

ردد خالد بصره على ابناء أعمامه ثم اذرد لعابه ونظر إليها قائلاً :
– هما ليه سموني خالد؟ في أسماء كتير أحلى، يعني ايه اصلاً خالد دي؟
أحست خديجة أن ثمة من تلاعب بعقل أخيها، فـ أغمضت عينيها وهي تهمس في شغف :
– خالــــــــــد … هو في أحلى من اسم خالد؟! اسم لوحدة كفيل لاي حد شايله يجعله فخور!
[sc name=”ad4″ ][/sc]

لوى خالد شفتيه محتجًا :
– دا ليه؟
فتحت خديجة عينيها في بطئ وهي تقول في شوق، وذكرت حنين تطوف بخلدها، وقلبًا رفرف مشتاقًا، وروحًا لمساتها نسمات الصحابة العطرة بذكراهم وهمست وهي تستنشق الهواء في سكينة :
– هل أخبرتك قبلاً عن خالد بن الوليد سيف الله المسلول.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

رنا خالد ببصره في أهتمام وهو يهز رأسه:
– لا.
تجلت في عيون الصغار نظرات الأهتمام، فـ أنصتوا بقلوبهم قبل أذانهم وهم يتربعوا في أسترخاء وانتشاء متلهفون لكلماتها، فـ أسترسلت خديجة بنظرة متوهجة نورًا:
– خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على المشركين.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

لقد تخلدت البطولة بذكرة خالد بن الوليد، كان شجاعًا، مغوارًا، تقف إزاء فروسيته حائرًا من شجاعته، كان لا نظير له، وفي يوم مؤتة حول هزيمة المسلمين إلى نصر مبين، آنذاك سقط ثلاثة ليوث من الصحابة الكرام “زيد بن حارثة، و جعفر بن أبى طالب، و عبد الله بن رواحة” وهنا قاد خالد الجيش وبعبقريتة أنقذه من الإبادة وتم النصر على يديه، يقول الرسول وهو ينعي أبطال مؤتة الشهداء : ” أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ،ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى قتل شهيدا .. ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ” : ” ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، ففتح الله علي يديه ” .رواه أحمد وصححه الألباني
[sc name=”ad5″ ][/sc]

صمتت خديجة هنيهة تتأمل وجوه الصغار التي تنصت لها في اهتمام، بثغور فارهه وأعيُن مُحدقة، وتابعت وهي تأخذ نفسًا عميقًا من النسائم التي هلت عليهم :
– لقد كان خالد جنديًا عاديًا تحت قيادة القواد الثلاثة الذي جعلهم الرسول على الجيش، والذينَ استشهدوا بذات الترتيب” زيد، ثم جعفر، يليه عبد الله ” فما أن سقط الليوث الثلاث،سارع الى الراية ( ثابت بن أقرم ) فحملها عاليا وتوجه مسرعًا الى خالد قائلًا له خذ اللواء يا أبا سليمان ) فلم يجد خالد أن من حقه أخذها فاعتذر قائلا لا ، لا آخذ اللواء أنت أحق به ، لك سن وقد شهدت بدرا )فأجابه ثابت خذه فأنت أدرى بالقتال
مني ، ووالله ما أخذته إلا لك )ثم نادى بالمسلمين أترضون إمرة خالد ؟) قالوا نعم )فأخذ الراية خالد وأنقذ جيش المسلمين ، يقول خالد قد انقطع في يدي يومَ مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلا صفيحة
[sc name=”ad4″ ][/sc]

لي يمانية )
وحُقق النصر على يديه، كما أنه هدم العُزّي بأمر من الرسول
سُر خالد سرورًا جمًا لأن أسمه على اسم هذا البطل المغوار الذى حقق النصر يوم مؤته بعد مصرع قادتها الثلاثة، وتسائل في أهتمام وقد أختلط في عينيه بريق اللهفةً والحبور :
– ذيديني حديثًا عن بطلنا يا خديجة، كيف أسلم سيف الله؟
[sc name=”ad5″ ][/sc]

إتسعت أبتسامة خديجة وهي تناظره في بهجة وهبت رياح الشغف بداخلها لتتمتم وهي تتعايش في قصةُ خالد وتتنفس من عبيره وأريج ذِكراه الذى هب :
– أسلم خالد متأخرًا بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة، وذلك بعد أن علم بسؤال نبي الله ﷺ عنه، حين دخل مكة لأداء عمرة القضاء، أستشعر ما في ذلك من تقدير وتكريم وسُر كثيرًا بذلك واذداد رغبة في الإسلام.
“دخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء فسأل الوليد عن أخيه خالد ، فقال أين خالد ؟)فقال الوليد يأتي به الله )فقال النبي :-صلى الله عليه وسلم- ما مثله يجهل الاسلام ، ولو كان يجعل
[sc name=”ad4″ ][/sc]

نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ، ولقدمناه على غيره )فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده ، فترك له رسالة قال فيها بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فأني لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الاسلام وعقلك عقلك ، ومثل الاسلام يجهله أحد ؟!وقد سألني عنك رسول الله، فقال أين خالد — وذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه — ثم قال له : فاستدرك يا أخي ما فاتك فيه ، فقد فاتتك مواطن صالحة ) وقد كان خالد -رضي اللـه عنه- يفكر في الاسلام ، فلما قرأ رسالة أخيـه سر بها سرورا كبيرا ، وأعجبه مقالة النبـي -صلى اللـه عليه وسلم-فيه ، فتشجع و أسلـم مع عثمان بن طلحة وعمرو
بن العاص” يقول خالد عن رحلته من مكة الى المدينة وددت لو أجد من أصاحب ، فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة ، وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا ، فلما كنا بالسهل إذا عمرو بن العاص
[sc name=”ad5″ ][/sc]

، فقال مرحبا بالقوم )قلنا وبك )قال أين مسيركم ؟)فأخبرناه ، وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم ، فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة
( أول يوم من صفر سنة ثمان “
وأقدم خالد إلى الرسول وأسلم وبايع الرسول يقول خالد ” قلت للرسول: استغفر لي كل ما أوضعـت فيه من صد عن سبيل اللـه )فقال إن الإسلام يجـب ما كان قبله )فقلت يا رسول الله على ذلك )فقال اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك )وتقدم عمرو بن
[sc name=”ad4″ ][/sc]

( العاص وعثمان بن طلحة ، فأسلما وبايعا رسول الله
اذداد حماس خالد أكثر، وإذ به يقُول بكلمات تبضُ بالحماسة واللهفة :
– أخبريني يا خديجة من صنيع فعل خالد؟!
تنهدت خديجة في إرتياح وتمتمت في هدوء :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– حارب خالد رضي الله عنه أهل الردة حينما بلغه عنهم مقالة الرسول ، ثم مضى إلى اليمامة وقاتل مسيلمة الكذاب الذى كان يدعى النبوة، وغزا العراق، وشهد حروب الشام مع المسلمين، لقد فتح خالد دمشق، وحارب فارس والروم وأبلى بلاءً حسنًا، انتصر خالد بحذاقته في كل معركة وقد كان حقًا كما قال الرسول خالد سيف من سيوف الله.
فـ عن أبي هريرة رضى الله عنه أخرجه الترمذي.
قال نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فجعل الناس يمرون، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا؟ فأقول: فلان، حتى مر خالد، فقال: من هذا؟ قلت: خالد بن الوليد، فقال: نِعْمَ عبد الله هذا
[sc name=”ad4″ ][/sc]

سيف من سيوف الله.
صمتت خديجة مليًا بعينين ممتلأتا بالدمع، وقالت في بسمة حالمة :
– الحديث عن خالد لا ينتهي أبدًا، يحتاج لملايين من الصفحات، بطولاته ستظل خالدة على مر الزمان، وشجعاته ستظل لا نظير ولا مثيل لها.
ثم ضحكة ضحكة خفيفه وتمتمت في تهدج وهي تكبح دموعها :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– كان خالد يأمن الجيش قبل أن يخوض القتال، فأمر النساء بأن يمسكن السيوف وامرهم بالوقوف خلف صفوف المسلمين وقال لهن من يولي( هاربا ، فاقتلنه ) فقد كان يخشى ان يفر هاربًا احد افراد جيشه من هم حديثي العهد بالإسلام، اما وفاته.
وهنا وأنفجرت خديجة باكية في تأثر أليم، موجع وغمغمت في بكاء، جعل أعيُن الصغار تذرف الدمع :
– مات خالد على فراشه، وهو الذى كانت حياته كلها فوق صهوة جواده تحت صليل السيوف، هو الذى غزا مع الرسول، وقهر الردة، وحارب فارس والروم، وفتح العراق، والشام، قال خالد حينما شعر بدنوا اجله
[sc name=”ad4″ ][/sc]

“لقد شهدت كذا، وكذا زحفا، وما في جسدي موضع الا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، أو رمية سهم .. ثم هأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء “.. !
ومات من قال عنه الصحابة الرجل الذي لا ينام ، ولا يترك أحدًا ينام )
مات و ودعته امه قائلة:
أنت خير من ألف ألف من القو م اذا ما كبت وجوه الرجال
[sc name=”ad5″ ][/sc]

أشجاع ؟ فأنت أشجع من ليث غضنفر يذود عن أشبال
أجواد .. ؟ فأنت أجود من سيل غامر يسيل بين الجبال
غطت خديجة وجهها بين كفيهَ تبكي حزنًا وشوقًا للقاء رسول الله وصحابته وأهله.
رفعت وجههَ في تذكر وقلبت بصرها في وجوه الصغار الذى غشاها الدمع وتمتمت باسمة تلتمع بعينيها وهي تكفكف دموعها :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– نسيت أخباركم عن قلنسوة خالد، لقد سقطت منه يوم اليرموك فأضنى نفسه والناس بحثًا عنها، فلما عوتب في ذلك قال” ( إن فيها بعضا من شعر ناصية رسول الله وإني أتفائل بها وأستنصر )
ثم رددت رافعة كفيهَ و وجهها إلى السماء :
– اللهم أرحم خالد ابا سليمان وأرضي عنه هو و الصحابة أجمعين.
آمن الصغار لدعاءها وشكرها خالد ممتنًا وقد ذاد قلبه حبً وفخرًا بأسمه.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

“ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا”
غشىٰ ضوء الصباح أرجاء الأرض مُعلنة عن يومٍ جديد بأحدثٌ جديدة، خرج الصغار من المنزل جميعهم عند وصول الحافلة التي ستقلهم إلى المدرسة، وبعد ركوبهم أنطلقت الحافلة إلى وجهتها، ولكن في منتصف الطريق صدت سيارة سوداء طريقها ليقف سائق الحافلة تلقائيًا، وهو يشرئب برأسه من النافذة صائحًا فيمن تلك السيارة التي تقف معترضه طريقة :
– يا عم أنت اتحرك في حد يقف الوقفة دي؟
[sc name=”ad4″ ][/sc]

هم بالترجل ولكن عاد جالسًا ما أن خرج رِجلاٌ مُلثمون كُثر من السيارة وأندفعوا تجاه الحافلة مُشهرِ سلاحهم، صاح الصغار صارخون في رعب ملأ أفئدتهم، وأرتجفت أجسادهم في خوف، بنظره واحده من احدى المجرمين كتموا أفواههم فزعًا وهم يحملقوا بهم في رعب، مد احدى الملثمين كفه للآخر وهو يقول في حِدة :
– هات الصورة.
ناوله الآخر أحدى الصور ليمعن النظر فيها لهنيهة،قبل أن يرفع رأسه ناظرًا بتمعن إلى وجوه الأطفال، ثم أشار بسبابته إلى “خالد، حمزة، مالك، مُعاذ” وقال آمراءً الرجال:
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– هما دول هَتوهم بسرعة!
إتسعت أعين حمزة وخفق قلبه ولكنه وقف دافعًا الرجل عنه، وصاح فيه :
-أبعد كدا عني، وملكش دعوة بأخواتي!
صاحت المُدرسة التي كانت ترتعش خوفًا :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– انتوا عايزين اي سيبوا العيال؟!.
رمقها احدى الملثمين بنظرة مخيفة جعلتها تنزوى على نفسها في حين كان احداهما خدر السائق، اما باقي الأطفال فقد وضعوا كفوفهم على أفواههم ولم تكف اعينهم من ذرف الدمع، في لحظة مباغتة كانوا الملثمين يخدروا الصغار، تليها اتجهوا إلى الفتيات، لتختبئ أروى في ملك التي ضمتها لصدرها وهي تحملق في الرجال في صدمة وفي لحظة كانوا يخدروهم وحملوهم للسيارة، أخرج احدى الملثمين ورقة مطوية أهداها للمُدرسة التي كان قلبها يرتجف خوفًاويبكي عجزًا :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– الورقة دي تديها لأهل العيال دي.
مدت المُدرسة كفها بيد مرتشعة، ليقترب منها الملثم بوجهه وهو يستند بكفيه حاولها، قائلاً في صوتٍ كـ الفحيح :
– واياكِ بقك ينطق بحرف من اللي شفتيه لحد.
اومأت المُدرسة تباعًا في عشوائية، ليرحل الملثم صاعدًا امام وقود السيارة وأنطلق في سرعة جنونية، لينفجرَ الصغار في الصياح وتسرع المُدرسة إلى السائق المغيب عن الوجود، وراحت تلطم وجهه وهي
[sc name=”ad4″ ][/sc]

تنادى عليه بلا فائدة، لذا أمسكت قرورة ماء لتنثر القليل على وجهه فـ بدأ رويدًا رويدًا في استعادة وعيه، فما أن فاق حتى أخرجت هاتفة لتسرع بالإتصال بـ أسماء التي أجابة فورًا قائلة :
– استاذة مريم أخ……..
قطعة كلماتها انفجار المُدرسة في البكاء وهي تقص عليها ما حدث.
في آوان ذلك، كادت خديجة بالدلوف إلى مدرستها الثانوية، حينما وقفت أمامها مباشرةً سيارة سوداء وفُتح بابها وظهر منه مُلثمان هم احداهما بأمسكها، ففاقت خديجة من صدمتها لتتراجع للخلف في عنف،
[sc name=”ad5″ ][/sc]

فما أن رآت الأسلحة بأيديهم حتى قلقت على المارين حولها إذ فرت من أمامهما، فرفعت كفها موقفة من مد يده لسحبها، فترجل في هدوء لتصعد هي دون أدنى معافرة تعلم جيدًا أنها لا جدوى منها، فما أن أستقترت حتى أنطلقت السيارة، فـ أسدلت أجفانها وهي تردد “لا إله إلا الله” ليطمئن فؤادها، ويسكن من رعبه القائم، أخرج احداهما شريطة ليربط عينيها تحت أستسلام منها تام.
يتبع……
إحنا لسه في البداية مدخلناش في الجد هاااا؟
[sc name=”ad4″ ][/sc]

اللي جاي دمار يا بوي..
حديث خديجة في الدين هيكون بالفصحى عشان محدش يتلخبط، رأيــــــــــكم بقا؟
من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى اللَّهُ عليهِ عشرَ صلواتٍ ، وحُطَّت عنهُ عَشرُ خطيئاتٍ ، ورُفِعَت لَهُ عشرُ درجاتٍ. صحيح الألباني صلوا على الحبيب” اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد “
يتبع…
[sc name=”ad5″ ][/sc]

عوضني يا الله على كل ما ألَم بيّ بمنزلةً في الفردوس الأعلى، ورؤية الحبيب المصطفى والشرب من كوثره، اللهم إن كان بلاءً فـ أغفر لي يا غافر الذنب وأعفو عني وتب عليّ يا تواب يا رحيم، وإن كان ابتلاءً فذني وذدني ستجدني صابرة حامدة شاكرة لا اعصي لك امرًا وبشرني بِــ “وبشر الصابرين” يا رحمن يا رحيم.
نزل الخبر على قلب أسماء نزول الصاعقة، وقع منها الهاتف وهي تهب واقفة في صدمة، لم تستعب ما سمعته للتو، ربما خُيل لها ما سمعت؟!
تنفست في عمق، وعشرات الاسئله تتزاحم في ذهنها، وإذا بها تشهق باكيةً في لوعة وقد تملكها الخوف والقلق وكاد أن يمزق أوردتها، أندفعت خارج مكتبها لتنصدم في والدها الذى كان آتيًا إليها، تسائل
يوسف وهو يمسك بمنكبيها مزعورًا :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– في ايه مالك؟! حصل حاجة؟ اهدي اهدي وقوليلي في ايه؟
بأنفاس متقطعة وصوتٌ متهدج غمغمت أسماء باكية:
– الـ…. العيال اتخفطوا يا بابا كلهم.
همت أن تسقط أرضً فلحق بها يوسف وهو يضمها إلى صدره قائلاً برفق :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– اهدي يا حبيبتي مفيش حاجه خير بإذن الله، بس تماسكِ كدا، عشان نروح للمار، وبلاش تقولي لحد، عرفتي إزاي الأول؟!
كابدت أسماء وجع فؤادها ورفعت رأسها إليه هامسة في شهقات متقطعة :
– المُدرسة كلمتني… وهي اللي قالتلي.
قصت عليه كل ما أخبرتها به المُدرسة، فأغمض يوسف عينيه في بطئ وهو يقول :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– تمام، تمام.
فح جفنيه وقال في ثقة ليبثها بالأمان :
– العيال هيرجعوا، أطمني.
ثم أمسك بكفها وغادرا مبتغيًا لمار، وقال :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– يلا نروح للمار وهي هتحل الموضوع أنا متأكد.
استقلا السيارة و وصلا إلى مكتب لمار ودخلا لديها ليخبرها يوسف بما قالته أسماء، فـ تلقت لمار الخبر في صدمة، وهن فؤادها، وتملك القلق من روحها، وجلست مطرقة الرأس تستعب ما علمته للتو، في حين أسند يوسف رأسه إلى الجدار، يدعوا الله أن تمر تلك النكبه بسلام وتنزاح هذه الغمة بخيرٍ وسلامة، لم تكف عينين أسماء من تدفق الدمع، فُتح الباب ودخل ياسين ببسمةً سُرعان ما تلاشت وهو يرَ أخته تذرف الدمع بغزارة، فدنا منها على عجل وهو يقول في لهفة :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– أسماء… مالك يا حبيبتي؟ بتعيطي ليه؟!.
استوت أسماء واقفة وارتمت في حضنه بنشيج مزق قلبه، فردد ياسين بصره في والده ولمار وهو يهز رأسه وتتسائل عينيه عن ما بها، فـ أنتزع يوسف بسمةٌ من الآمه وقال ليطمئنة :
– مفيش حاجة خير بإذن الله، اقعد واحكيلك عشان تسمعني بهداوة.
أمتثل ياسين لوالده وجلس منصتًا له في أهتمام، وراح يوسف يسرد عليه ما أخبرته به أسماء، فـ ضغط ياسين على أسنانه وقد أدراك أن هناك أمرًا جلل وقرر في نفسه أن يذهب لهذهِ المُدرسة، علها تكون قد
[sc name=”ad5″ ][/sc]

رأت احدى الخاطفين، او في جعبتها رسالةً ما تركها إحداهم؟
مسح ياسين على وجهه في قلق ونهض قائمًا وهو يقول :
– قومي تعالي أوصلك البيت وبلاش تقولي لحد حاجة.
أغمضت أسماء عينين تذرفًا الدمع وهي تهز رأسها نفيًا، وقالت :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– انا مش هتحرك من هنا قبل العيال ما ترجع.
هُنا ورفعت لمار رأسها قائلة في بحة لا تقبل النقاش :
– قوم يا يوسف روح أنت وبنتك قعدتكم مفيش منها فايدة، أنا هتصرف و وجود أسماء هنا هيقلقني.
ألتفتت إليها أسماء قائلة في عصبية :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– أمشي إزاي من غير عيالي، ومش عارفه هما فين ولا بيعملوا فيهم اي ؟
تنفست لمار في حرارة، ونهضت وهي تكبح ما يعتمل صدرها من غضب تجاه من أخذ أحفادها، وأقتربت من أسماء في تمهل، ومالت عليها هامسة وهي تمسك بكفيها في ثقة :
– أسماء … أنتِ واثقة فيا؟
رفعت أسماء عينين يغشاهما الدمع وهزت رأسها مؤكدة وهي تردف في صوتٍ متهدج:
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– ايوه.
ضمت لمار وجهها بين كفيها وهي تقول في تأكيد :
– قومي روحي مع أبوكِ، وتأكدي أني مش هرجع البيت إلا والعيال معايا، اطمني وعد مني هيناموا في حضنك أنهاردة، وأنا قد كلمتِ.
شُعاعٌ أمل غزا قلب أسماء ليشرق وجهها بنور الأمل مهلالًا، وأومأت برأسها على يقين أن عمتها طالما وعدت ستوفى، وسيعودون أطفالها لحضنها في طرفة عين.
نهضت لتغادر مع يوسف الذى ضم كتفها إليه وأنصرفا، في حين إتسعت عيني لمار بشرارةٌ من الغضب وألتفتت إلى ياسين، وهمت بالحديث إلا إنه كان يدري ما ستوكُله به فـ ردد في ثقه :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– أنا رايح أقابل المُدرسة، وهبعتلك عثمان وأنس و ورد.
تبسمت لمار في ثقة وهي تؤشر له بعينيها تطمئنة مهمًا كان فهو أبٌ، و وحيدته لا يعلم عنها شيء.
غادر ياسين صافقًا الباب خلفه واوقدت النيران في قلبه، بينما جلست لمار خلف مكتبها في ذهن طوحن في التفكير، ليخترق سكونها إشعار رسالة على هاتفها، لتلتقط الهاتف وتقرأ فحوى الرسالة الذى كان مضمونها :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

” أزيك يا بنت الشرقاوي؟ يارب تكونِ بخير؟، متقلقيش العيال مش هيجرالهم حاجة امممم ممكن أروى بس عشان حابب أحرق قلب بنتك وجوزها، اممم لسه بفكر أأزيكِ في مين؟! ولكن أطمنك هيرجعولك كلهم بس متفكريش أن دي بداية الأنتقام تؤ تؤ تؤ دي متجيش حاجة قبل الجحيم اللي هعيشك فيه دا إذا كان ليكِ عمر طبعاً، ولو موتِ بردوا أنتقامي هيفضل، أوعدك أني هدمرك، وهدمر عيلتك كلها وهخليكم تكلوا في بعض واللي منك هيكون عدوك، رسالتي مجرد بداية للنهاية، متحاوليش تبحثِ عني لأنك مستحيل تعرفيني ولا تشوفيني،أنا قريب وتلميذك كمان وتعلمت منك إزاي أكون عفريت أنتقم وأقتص حقي من غير ما حد يشوفني،أنتِ علمتيني مقفش غير للحق بس للأسف علمتِ الشخص الغلط،لأني معرفش يعني ايه حق، واللي مقدرتش أعمله في الأول وفشلت فيه وعد لو آخر نفس فيا هعمله وهنتقم
[sc name=”ad5″ ][/sc]

وأنتظري قريب هديتي “.
أعادة.” لمار ” قِراءة الرسالة مرارًا وتكرارًا، علا وجيب قلبها من الغضب، ودت لو كان أمامها مُرسل الرسالة لكانت أحرقته في أرضه،
هيهات أن ظن أن بأمكانه التوغل داخل أواصر عائلتها وتفكيكها، هيهات أن جعلته يعيش بالأساس.
وبقى سؤال محير يدور كـ الرحىّ في قرارتها؟
[sc name=”ad4″ ][/sc]

من ذا قد يكون؟ من يريد الأنتقام منها لتلك الدرجة؟
أن يكون عدوك أمامك حينها ستطمئن، ولكن أن تقاتل من لا تراه عيناك، ولا تدري متى تأتيك الطعنة في اي وقت وزمن ومِن مَن شيءٌ صعب يوهن الأعصاب.
هذه الرسالة الغامضة من وراءها، وما الجدوى منها، ماذا يريد؟
طرق طارق منتشلًا آياها من دوامة تفكيرها التي ظنت أنها لن تحور منه، أبعدت وجهها عن كفيها تستطلع الآتي الذي لم يكن إلا عثمان الذي ردد وهو يخطو نحوها في غضب :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– مبن اللي خطف العيال؟ وإزاي ده يحصل؟ أفتراض حصل لهم حاجة…..
بترت كلماته قرع لمار على المكتب وهي تهب واقفه صارخةً فيه :
– اسكت أياك اسمع صوتك … دلوقتي بس عرفت أن ليك عيال؟!
كنت فين لما كانوا بيسألوا عنك؟! يدوروا عليك وأنت ولا هنا؟! كنـــــت فين من حياتهم؟
[sc name=”ad4″ ][/sc]

لُجم عثمان و وقف كـ الصنم جاثمًا في أرضه، رفرف بأهدابه قليلًا قبل أن يجلس واضعًا وجهه بين كفيه محاولًا كبح وجعه الذى أذداد عسرًا، فـ رق قلب لمار ودنت منه قائلة في ثقة :
– العيال هيرجعوا يا عثمان، فوق كدا لنفسك مش عايزة حد يشوفك بالضعف ده.
رفع عثمان رأسه إليها هاممًا بالحديث ألا أن طُرق الباب لتدخل منه ورد هادئة وهي تلقي السلام، ثم جلست تلتقط أنفاسها، فقلبت لمار بصرها في حيرة من أمرها وتسائلت بمكنون فؤادها :
– ورد؟! مالك هادية كدا ولا كأن عيالك أتخطفوا.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

تمتمت ورد في ثقة :
– تقلقي هقولك إزاي نوصلهم وبعدين أخاف إزاي خديجة مع العيال أصلاً.
رفعت لمار حاجبها في دهش، فـ إذا بـ عثمان يقول :
– المهم هنعرف نوصلهم إزاي؟
[sc name=”ad4″ ][/sc]

أومأت ورد لتصفح في هدوء وهي تسرد عليهما :
– من لما حصل وحاولوا يخطفوا خالد بسبب احدى القضايا اللي كنت ماسكها ونجي الحمد لله قررت أني هحط جهز تعقب في شنطهم.
تبسمت لمار في فخر وهي تربت على كتفها وبدأوا بتعقب المكان ليتأهبوا للذهاب على أتم أستعداد لأي مواجهة.
?اللَّهُمَّ أنَْتَ رَبيِّ لَا إلِهََ إلَِّا أنَتَ، خَلَقْتنَيِ وَأنََا عَبدُْكَ، وَأنََا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. ?
[sc name=”ad5″ ][/sc]

قطع ياسين الرواق دالفًا إلى غرفة مدير المدرسة الذى كان في إنتظاره، وجه ياسين دون كلمة سؤاله للمُدرسة التي كانت مطرقة في خزى وحزن على الصغار الذين أنتشوا منهم عنوة :
– لو سمحتِ قولي ليّ لو تعرفي أي حاجة عن الخاطفين ؟
– شفتِ حد منهم؟ او سابوا اي رسالة؟
انكبت المُدرسة مجهشه في البكاء، وقالت :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– لا، معرفش اي حاجة ولكن سابوا ورقة فيها رقم تلفون! وطلبوا مني أسلمه لحد من أهل العيال
لمعة عينا ياسين في أمل وهو يقول في لهفة مادًا يده :
– تمام جداً، فين الرقم؟
دست يدها بحقيبة كتفها مُخرجة الورقة، ليتناولها منها ياسين ناظرًا في تمعن للرقم مليًا، قبل أن يتساءل في اهتمام :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– ممكن حضرتك بس تحكي لي بالتفصيل أيه اللي حصل؟
أومأت المُدرسة، و شرعتٍ في قص ما حدث، فما أن فرغت حتى أنصرف ياسين صاعدًا سيارته مدونًا الرقم في هاتفة مُجريًا أتصال على الرقم والذى كان دوليًا، أنتظر قليلاً حتى هتف هاتف مُرحبًا :
– ياسين الشرقاوي، كيف حالك يا رفيق طمئني؟ آه يا عزيزي أعلم أنك لست بخير، وكيف لك أن تكون بخير و وحيدتك في جحري الآن.
أنهى جملته مقهقها في إنطلاق، ليصيح ياسين صارخًا بأفزع الشتائم :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– أنت مين يا ابن الـ********، اياك تقرب من حد من العيال ولا تمس شعرة منهم أقسم بالله أدفنك في أرضك من غير رحمة.
 جز المجهول على أسنانه قائلًا في غيظ بيّن :
 – لن أأذي أحد ألا أبنتك، والذى لم أستطع أخذه فيما مضى سأتخذه عاجلاً أم أجلاً.
ولا ترهق نفسك في البحث عني لأنه من المستحيل أن تعرفني أو تجدني.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

شرارة من الغضب كانت تنطلق من عينا ياسين الذي يتنفس في سرعة جنونية ثم صاح فيه وهو يضرب مقود السيارة بقبضته :
– بنتي أياك تقرب منها لو راجل فعلاً واجهني يا كلب و متبقش جبان.
أنهى المجهول المحادثة بعدما قال في تحذير يشُبه التهديد :
– احذر يا هذا، وانتبه جيدًا لزوجتك فـ أنا لن أترك أنتقامي ومن اليوم لن تستتب الأمور أبدًا ولن تكون على سجيتها مجدًدًا سأقلِب حياتكم جحيم.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

صرخ ياسين ما أن رَ أغلاق الهاتف، كان على شفا الانهيار ولكنه ضرب بقبضته عدت مرات على المقود، ليزفر ويستنشق الهواء مرارًا قبل أن يرن بأذنة تحذيره على سجى، ليسرع في الاتصال عليها، بقلبٍ يخفق في لهفة، سكن روعه ما أن آتاه صوتها الحاني القلق :
– ياسين!! أروى…
قاطعها ياسين هامسًا في خفوت وقد سكن وجيب قلبه واضطراب نفسه :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– قلب ياسين… متقلقيش أروى هترجع وهتنام في حضنك أنهاردة أطمني.
– ردت سجى في ثقة واطمئنان :
– أنا واثقة فيك يا ياسين خلي بالك من نفسك ومتأكدة أنك هترجع أروى والعيال كلهم أنهاردة، دعواتِ معاكم.
أغلق معها منطلقًا بسياراته إلى وجهته.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

?”رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”. ?
تجلسان بافئدة مكلومة قلقة، يكاد الخوف يأكل شغافها، من حين لآخر يصدر صوتٍ بكاء يقطع نياط القلب في مكمنة، من قلبٌ أرهقه التفكير، أنتحبت “أسماء” قائلة في لوعة :
– يا ترى عيالي هيرجعوا تاني لحضني؟
هشوفهم تاني ولا مش هشوفهم؟
[sc name=”ad5″ ][/sc]

يا ترى بيعملوا اي فيهم دلوقتي؟
في حين كانت “سجى” ساكنة تمامًا لا يرقأ لعينيها دمع ولا يصدر لها صوت، تُناجي الرحمن بفؤادها، تضم أسماء لصدرها وتربت على كتفها برفق، وتبثها بكلمات مطمئنة ما بين الحين والآخر :
– هيرجعوا بإذن الله، ربنا مش هيأزينا أبدًا فيهم، أبشري يا حبيبتي.
أقبلت مكة ساكنة لا تدمع ولا تتحدث، مُستسلمة كُليًا لكل شيء، وجلست بجانبهم واضعة يدها أسفل خدها وقد غشاها الصمت كأنها في واديٍ آخر.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

في آوان ذلك كانَ الصغار جميعًا يفترشون الأرض في إحدى الغرف، فُتح الباب فجأة بكف رجل ملثم يقف جانبًا مفسحًا الطريق لـ خديجة التي كانت حذره من أن يدنوا منها أحد، فما أن وقع بصرها على الصغار، سقط فؤادها من مكمنة وهي تهرع نحوهم في فزعٍ محاولة إفاقتهم ودموعها تنسابت في خوف.
تباعًا حاولت إفاقتهم واحدٍ تلو الآخر تدعوا الله أن يكونوا بخير.
رفرف مُعاذ بأهدابه وهو يستشعر صوتًا قريب ينادي عليه، وقع بصره على خديجة سُرعان ما أطبق جفنية مرة آخرى مستحضرًا ما مر عليه منذُ قليل، ثم استوى صارخًا وهو منفجرًا في البكاء، لتضمه خديجة
[sc name=”ad5″ ][/sc]

إلى صدرها هامسة وهي تحاول تهدئته :
– اهدئ يا معاذ … اهدئ يا حبيبي أنا جنبك أهو.
خبئ معاذ رأسه بها، محاولًا طرد أفكار عقله التي أعترته وهمس من بين بكائة :
– أنا خايف اوي يا خديجة، مين دول؟ وفين أختي لمياء وملك ومالك وخالد واروى وحمزة انا شفتهم وهما بيخدروهم.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

مسحت خديجة برفق على خصلاته هامسة في قلق :
– “متخافش هما هنا، وهيكونوا بخير”
ثُم تساءلت في تذكر وهي تنظر له:
– “معاذ هما خدروكم ولا ايه؟”
[sc name=”ad5″ ][/sc]

أومأ معاذ برأسه تباعًا وهو ينتفض قائلاً :
– “لازم نصحيهم، هحاول أفوق حمزة”
توجه نظره لـ حمزة المسجى بجواره وراح يلطم على وجهه مناديًا حتى أفاق، وتناوب على البقية هو وخديجة حتى أفاقوا جميعًا.
• تناهى لهم وقع أقدام قريبة فنهضت خديجة تاركة أروى جانبًا متوجها نحو الباب، ودنت بأذنها لترهف السمع فـ إذا بصوت رجل يأتيها قائلاً وعلى ما يبدو أنه يتحدث بالهاتف :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

-” أنا دي هعرفها إزاي يا بيه؟
صمت قليلاً بدا إنه يستمع للطرف الآخر، ثم ردد في ثبات :
-” تمام يا بيه هي أصغرهم أسمها أروى، أبعت الصورة يا بيه واترك الباقي عليٌ وانا هحل الموضوع ده “
سكت لـ هنيهة ثم تابع :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

-” هستنى يا بيه لحد الصورة ما توصلي، سلام”
حدقت عينا خديجة في زهول وهي تغط فمها بكفها في عدم استيعاب وتلقائيًا زاغ بصرها نحو أروى التي يظهر عليها التعب على سماتها، فطرفت بعينيها قليلاً قبل أن تتوجه لهم جالسة بجوارهم، فتسائل حمزة في ضيق وهو ينظر لـ خديجة :
— وبعدين هنعمل ايه؟ هنخرج من هنا إزاي”
[sc name=”ad5″ ][/sc]

تبسمت خديجة وهي تغمض عينيها في صمت تام، تستحضر روحًا صدفة ألقاها لها القدر، لتكون له سببٍ لهدايته، ويكون سببًا في نجاتها، ترحمت عليه وطيفة يمر ملقيًا الأمل في فؤادها، لتفتح عينيها ناظرةً للصغار وهي تضم أروى التي بدا أنها تختنق وتتنفس بصعوبة وهمست :
– تعرفوا اني اتخطفت قبل كدا؟!
تجلت الصدمة على وجوه الصغار، فـ بادر خالد متسائلًا في تعجب :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– بجد يا خديجة؟
أومأت خديجة قائلة :
– ايوة، اتخطفت وكنت وحدي بس مكنتش خايفة! عارفين ليه؟
تساءل الصغار جميعًا في صوتٍ واحد :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– ليه؟
تبسمت خديجة قائلة في هدوء :
– شان كنت عارفه أن ربنا معايا وهينجيني.
تساءل حمزة في رفق :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– ومخفتيش!؟
-خوفت طبعًا، مخافش إزاي؟! بس كان عندي امل وحسن ظن في ربنا انه هينجيني وحتى لو كان خلاص بيني وبين الموت خطوة كنت هثق ان ربنا هينجيني، ولو موت فـ ده نصيبي وكل نفسٍ ذائقة الموت، والروح امانة ربنا متى شاء اخذها، وكمان كنت واثقة أن لمار هتنقذني.
تبسموا الصغار وصبوا جام أهتمامهم على خديجة وقد تبدد خوفهم وتربعوا في أريحية، وقال معاذ مقترحًا، ليتناسوا ما هم به :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– اي رأيك تحكيلنا عن معاذ بن جبل، لأن أسمي على أسمه.
اومأت خديجة مرحبة وقد راق لها اقتراحة، فبدأت تقص عليهم قائلة:
-معاذ بن جبل أعلم الناس بالحلال والحرام…
قاطعها مالك في تساءل :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– حقًا هل كان يعلم الحلال والحرام جيدًا؟
أشتملته خديجة بنبرة دافئة، وتنهدت في حبور متابعة في هيام متناسية ما هم فيهِ :
– مُعاذ بن جبل؟ جبل من العلم هو ذاك الراجل إنه إمام العلماء يقدمهم يوم القيامة بدرجة، فـ عن عُمر _رضي الله عنه_قال: لو أدركت معاذًا، ثم وليته، ثم لقيت ربي، فقال: من استخلفت على أمة محمد؟ لقُلت: سمعت نبيك وعبدك يقول: يأتي معاذ بن جبل بين يدي العلماء، برتوة.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

رددت خديجة بصرها بينهم مُدركة :
– رتوة! أيّ بدرجة او خطوة مسافة.
ثم حدقت في الفراغ مرددة وقد شملتها البهجة، وأغدق عليها السكون، وغمرها الأشتياق، وقالت بنبرة تفيض حبٌ :
– وقال أيضًا عنه عُمر _رضي الله عنه _”عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ”.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

وقد كان من الأربعة الذين جمعوان القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ عنه القرآن، فـ عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا القرآن من أربعة: من مسعود وأبي، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة “
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “نعم الرجل معاذ بن جبل”
وعن عاصم بن حميد السكوني أن معاذ بن جبل لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج يوصيه، ومعاذ راكب، ورسول الله يمشي تحت راحته، فلما فرغ قال: يا معاذ، إنك عسى ألا تلقاني بعد
[sc name=”ad5″ ][/sc]

عامي هذا، ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري، فبكى معاذ خشعًا لفراق رسول الله.
وقد كان رسولنا يحب معاذ وأعلمه بذلك.
صاح “معاذ” مقاطعًا خديجة بعينين أمتلأتَ تلألأٌ وغبطة :
– حقًا يا خديجة، أخبره الحبيب بأنه يحبه؟
[sc name=”ad4″ ][/sc]

أومأت خديجة في بسمة مُشرقة على وجهها المضيء وقالت:
– نعم، فـ عن معاذ قال: لقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا معاذ والله إني لأحبك في الله.
قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا والله أحبك.
فقال له رسول الله: “أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر” أي بعد”كل صلاة: قُل اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

وعن ابن مسعود: إن معاذ بن جبل كان أمةً قانتًا لله حنيفًا، فقيل إن إبراهيم كان أمةً قانتًا لله حنيفًا، فقال ما نسيت هل تدري ما الأمة وما القانت؟ فقلت: الله أعلم، فقال: الأمة الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله عز وجل وللرسول، وكان معاذ بن جبل يعلم الناس الخير وكان مطيعًا لله عز وجل ورسوله.
صمتت خديجة لوهلة مطرقة الرأس، مترقرقة الدمع في عينيها، ثمة حزن خيم على فؤادها، حزنّ عظيم مفعم بالتعجب والعظمة، ألا وهو صبر معاذ على أبتلاءه.
سُئلت ملك وهي تضع كفها على منكب خديجة جاذبه أنتباهها مائلة نحوها تنظر إلى وجهها المطرق بأعيُن قلقة :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– خديجة!! لماذا سكتِ ما بكِ أنتِ بخير؟
تنفست خديجة في عمق ورفعت رأسها نحوها تهزها مطمئنة إياها وقالت :
– الحديث عن معاذ لا يكفى لأيام وسنين، وكيف نكف عن أحديث من اخبره حبيبنا انه يحبه، هنيئًا لمعاذ محبة الحبيب،وأما عن مرضه فأنه كان محبٌ للبلاء، لما يعلم ما فيه من عظم الثواب ورضا رب العالمين،
فـعن عبد الله بن رافع قال لما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف على الناس معاذ بن جبل واشتد الوجع فقال الناس لمعاذ ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز فقال إنه ليس برجز ولكنه دعوة نبيكم، وموت
[sc name=”ad5″ ][/sc]

الصالحين قبلكم وشهادة يختص الله بها من يشاء من عباده منكم، أيها الناس أربع خلال من استطاع منكم أن لا يدركه شيء منها فلا يدركه شيء منها، قالوا وما هن قال يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويصبح الرجل على دين ويمسي على آخر، ويقول الرجل والله لا أدري علام أنا؟ لا يعيش على بصيرة ولا يموت على بصيرة، ويعطى الرجل من المال مال الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله، اللهم آت آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة، فطعن ابناه فقال: كيف تجدانكما؟ قالا: يا أبانا {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} قال: وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين، ثم طعنت امرأتاه فهلكتا وطعن هو في إبهامه فجعل يقبلها، ويقول: اللهم إنها صغيرة فبارك فيها فإنك تبارك في الصغيرة حتى هلك.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

رددت خديجة بصرها فيهم وقالت منهية الحديث:
– كفاية كدا خلونا نفكر هنعمل ايه، وبإذن الله لو لينا عمر هكملكم قصة معاذ وهحكيلكم زهده وروعه عن الدنيا.
قطب حمزة بضيق وقال :
– لا يا خديجة كملي.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

فكرت خديجة قليلاً ثم تبسمت قائلة :
– طيب، لقد جاء في كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي أن معاذ بن جبل لما حضره الموت دعا “اللهم إني قد كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، إنك لتعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر”
وقد قال ايضًا “مرحبًا بالموت حبيب جاء على فاقه”
[sc name=”ad4″ ][/sc]

تنفست خديجة مغلقة العينين وهمهمت غارقة في بحر الحنين، لربما بذكراهما ترتوي أشتياقها لهم :
– بِذكراهم تطيب القلوب، وتحلق في سماء السكينة، وتحيا في رحاب الرسول، عسى الحنين أن يُروى من ينبوع أريجهم.
?لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ?
بعينين مشخصتين بسقف الغرفة كانت ترقد وعد على الفراش، بذراعان مسترخيان بجوارها فَقِدان الحركة، وقدمين عاجزتين ممدتين، وروحًا تستشعر أنها تنسحب من مكمنها رويدًا رويدًا، لا تقو على الصراخ،
[sc name=”ad5″ ][/sc]

ولا أن تستغيثُ بأحد كأن لسانها قد عقد، وما تبقي منها إلا عينان مفتحتان، ونفسٌ يدخل ويخرج من رئتيها، أم جسدها فـ سلامًا عليه تحت الثرى مأسُرًا.
وفي إحدى أركان الغرفة، ساجدٌ رحيم للرحمن يُناجية بفؤادٍ مكلومٌ جار عليه الزمن ودُهس، يبكِ كـ طفلاً صغير فقد وطنه، وصوت نشجيه يمزق القلوب الحية لتندثر تحت التراب، وخاطب الرحمن بصوتًا يملؤه الرجاء ، يُناديه بكل ذرة حب بداخله، أن يُعيدها إليه، أن يعرف ما بها، لقد أكد الأطباء أنها سليمة لا يوجد عِلة بها بتاتًا، ريشةً هو تتقاذفها الأطباء بما يحلو لهم فكل طبيب يشخصها بما يشاء، تائهًا هو ولا غير الله يهدي له السبيل وينجيها، هو المستغيث من كل كربٌ وبليه، لن يتركها هكذا سيفعل كل ما بوسعه حتمًا.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

فرغ من صلاته، ولم يبرح مكانه وكأن مصلاه منبعًا لراحة قلبه المكلوم، وترميمًا لروحه المشيعة بجوار زوجته، ألقى نظرةٌ إليها وأغمض عينيه في قوة، لا يريد رؤيتها هكذا جثة فقط لا حياة بها، ورفع كفيه مناجيًا الرحمن ألا بذكره تنجلى الهموم مهما عظمت؟
ويحيّ الأفئدة علها تحيا، بلى هو كذلك، فـ الرحمن لا يرد راجيًا. الرحيم يسمع ويعلم ويرَ وسيداويه، وسيستجيب له ويكشف ما بها من ضر، ليصبر فقط وينتظر فرج الرحمن وعوضه الذى لا نظير له.
فاق من مناجاته على عاصم الذى أرتمى في حضنه هامسًا في نبرة باكية:
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– هي ماما زعلانة منى يا بابا؟ هي مش هتكلمني تاني؟ طب أنا عملت اي؟
ضمه رحيم إلى صدره وران على قلبه الوجع، وأغمض عينيه كلا تهطل دموعه، وقال في صوتٍ ضعيف :
– لا يا حبيبي ماما بتحبك وبتحبك اوي كمان فوق ما تتخيل، وأنت كل حاجة عندها.
ثم قال مستدركًا متذكرًا :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– مش ماما مكنتش بتنام إلا وأنت جنبها؟ وكمان لما بتتعب تفضل سهرانة جنبك؟ وبتتألم لألمك؟
صب الصغير جام تركيزه في حديث والده وأومأ برأسه مؤكدًا، ليتابع رحيم وعيناه تلقائيًا تتحول إلى جسد وعد :
– ماما دلوقتي تعبانة، تعبانة اوي، أدعيلها وخليك جنبها زي هي ما كانت بتعمل لما أنت بتتعب، وقريب اوي هتخف وترجع لك.
مسح رحيم على خصلات أبنه الذى ضمه وهو يقول :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– حاضر يا بابا، هفضل جنبها عشان تخف بسرعة وتقوم تلعب معايا وتجهزني للمدرسة وتأكلني بأيدها وتعلمني إزاي أدافع عن نفسي.
أكد رحيم وهو يقبل رأسه :
– هتقوم بإذن الله وهتعملك كل اللي أنت عاوزه.
?سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر ولا إله إلا الله ?
[sc name=”ad4″ ][/sc]

تم رصد المكان الذي خُطف فيهِ الصغار، أُرسلت لمار قوة في قيادة ياسين وعثمان، وبقت هي في المكتب تنتظر ما سيحدث وما سيتم، وما سيترتب على كل ذلك؟ تكاد تجن من يكن لها كل هذا البغض؟
من مُرسل الرسالة، وعلى ما ينوي؟ يا ليته أمامها، أو تعرفه أو له آثر، حتى الرقم الذي أُرسل به الرسالة أستعلمت عنه دون جدوى، هي الآن وسط حريقٌ لا تدري كيف النجاةً منها، وكيف أندلعت من الأساس، وتخشى أن يأتي هذا الإعصار فيكتسح كل شيء ويطمسه طمسًا، ولا تدري مِن مَن وكيف ومتى ستأتيها الطعنة، أخبرها ياسين بمضمون محادثة هذا المجهول، فـ أستبانت أن ذاك المجهول يريد الأنتقام وبالتحديد من أبنتها سجى وياسين ومنها، وعلى ما يبدوا أنه على دارية بها وهي أيضًا، سُفرت أنه عدوٌ قديم تعرفه عز المعرفة، هذا ما أستنتجته من حديثه المبهم.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

تنهدت وهي تتقلب في الحيرة، ورجعت بظهرها لظهر المقعد مسندة رأسها تنظر للسقف في شرود تفكير جم يلتهمها ألتهامًا.
وصل ياسين قريبًا من المخزن الذي محتجزة فيه الأطفال، أقترب ليفحص في نظرة سريعة ثغرات المكان ومخارجة، وعاد للقوة مجددًا معطيًا لهم إشارة في تعقبه بعدما أوصاهم وشجعهم ببعض الكلمات والتحذيرات.
رفع ياسين مسدسه و تحرك بحرص وجميع الجنود من خلفة يسيرون على نفس النهج من الحرص والحذر، يترصد لأي حركة مفاجأة من العدو، أستمر سير القوات المسلحة على حذر تام، حتى وقفوا في كلا
[sc name=”ad4″ ][/sc]

الجانبين من باب المصنع فئة برفقة ياسين والآخرى عثمان، أشار لهم بالتوقف وخبئ السلاح خلف ظهره، وإذا بهِ يقف امام الباب طارقًا عليه، ما هي ألا دقائق وكان يُفتح وقبل أن يلفظ الرجل بكلمة، كانت رصاصة ياسين تخترق جسده ليقع جُثةٌ هامدة، أشار بيده على الهجوم فأندفع سيل الرجال للداخل كان صوت إطلاق النار يصمُ الأذان، كـ حربٌ أندلعت تحرق كل ما يُقابلها، نشبت الحريق ولا يمكن إطفاءها ألبتة.
أندفع ياسين يبحث عن الصغار بقلبٌ يكاد يخرج من مكمنة رعبًا، يطلق دون تأني على من يقابله فيصيبه قتيلًا، ويسقط على أثرها جثةٌ هامدة، آنذاك كان باقي الجنود أنهوا على من تبقى من الرجال، صُدم
[sc name=”ad5″ ][/sc]

ياسين إذ لم يجد أي آثر لصغاره، ولكن وجد شيئًا آخر، أقترب عثمان منه مُهدئًا آياه وهو يقول في جمود:
– ياسين المجرم دا طالبك بالأسم، عشان كدا محدش قرب منه…
حملق ياسين في الرجل وقد أشتعل أتون النار في قلبه أنقض عليه يهيل له اللكمات دون رحمة، وهو يصرخ في جنون :
– العيال فين انطق، وربنا ما هرحمك….
[sc name=”ad4″ ][/sc]

أبعده عثمان عنه في صعوبة، وهو يقول :
– يا ياسين سييه شوف الأول هيقول اي، العيال في ايدهم دلوقتي ممكن يعملوا فيهم اي حاجة.
أبتعد ياسين عنه، موليًا ظهره للجميع يلتقط انفاسه اللاهثة، يمسح براحته رأسه نازلًا بها إلى وجهه، ثُم ألتفتت له قائلًا :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– العيال فين.؟
نهض الشاب في تثاقل وهو يأخذ أنفاسه بصعوبة التي على شفا التلاشي، ثُم أخرج من جيبه ورقةً مطوية مد يده بها له، تناولها ياسين في حيرة وتعلقت كل الأنظار فيه بترقب كان على وشك قراءتها حينما دوى صوت أطلاف النار، ليرفع ياسين رأسه محملقًا في صدمة للشاب الذي اهداه الورقة جثة هامدة على الأرض إذ أطلق الرصاص على نفسه مصيبًا رأسه.
أعاد ياسين النظر إلى الورقة، وأنتقلت عيناه بين حروفها التي كادت أن تصيبه بالشلل فقد كان فحواها :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

-” ماذا؟! هل فكرت أني لن أعلم بأجهزة المراقبة في حوزة الصغار!؟ غبي يا ياسين لقد فاق عقلي توقعك يا بن الشرقاوي، يؤسفني أنك لم تجد شيئًا، ولن تجد يا هذا إلى اللقاء، ولكن لا تقلق ربما عما قريب يرق قلبي لأعيدهم من يدري وربما لأ أيضًا “
جز ياسين على أسنانة وهو يكور قبضة يده على الورقة، ليأخذها منه عثمان قراءً ما بها في غضب، ولم يلبسوا إذ غادروا.
في مكانٍٍ آخر بالتحديد خارج مصر في تركيا، لم يكن الأمر عاديًا، منزلًا كبير لا تدري بدايته من نهايته، ذات آساس فخم، وألوان هادئة، حديقة رائعة منتشرة بها أزهارٌ شتى، تحيي ألوانها الأفئدة وتبدد ظلمتها،
[sc name=”ad5″ ][/sc]

مُحاط بأسوار عظيم شامخ، ورِجلاٌ جمة تنتشر خارجة وداخلة برشاشات في أيديهم، من يرآهم يدب الرعب بأوصاله، ولظن أن الحرب ستقوم لا محالة، في الردهة كان يجلس في هيبة حوله الرجال في انتظار إشارة منه وأمامه يجلس آخر منكمشًا في نفسه، يُكاد يشيب من فرط خوفة ومع ذلك يبدوا ثابتًا، تحدث الرجل وهو يجلس على مقعدة في رزانة :
– لقد تم ما أردته وأكثر! الآن ستدلني بكل المعلومات عن مصر.
مال للأمام مشيرًا له في تحذير عينيه تبث الرعب في الوجدان :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– ولا تنسى أنا فقدت عملت ذلك من أجل ما فعله المرحوم والدك معي وإذ فعلت ما لا يروق ليّ أنتَ أعلم ما سأفعله.
أرتعد جسده ولا ارديًا تذكر حينما جاء لأول مرة، لقد رَ ما جعله يود لو تنشق الأرض وتبتلعه قبل أن يطأ بقدمية في هذا الجحيم.
كان يدخل من البوابة الحديدية برفقة الرجال وإذ به يقف مصدومًا حينما رَ شاب في عمر العشرين في لمحة عين يخرج نصل حاد ويلقية بأحترافية وعن بعد في عنق احدى الرجال لتفصل رأسه عن جسده، وتبسم الشاب الذى تناثرت الدماء عليه وهو يقبل نحوه ملتقطًا نصله الحاد من الأرض، وقال مرحبًا :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– أوه هذه أول مرة يشرفنا فيها مصريًا في بيتنا.
أذرد لعابه في خوف، هل هذا حقًا قد ذبح أنسانًا توًا؟
ما باله يتبسم باريحية وكأن شيئًا لم يكن.
فاق من شروده في الجثمان المجسى ارضً على صوت الشاب الذي قال وكأنه قرأ ما يفكر به :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– يا رفيق لا تشغل بالك كان يستحق ذلك.
أستدار برأسه للجثمان، وقال في صوتًا گ الفحيح :
– هذا جزء الخائن، لقد وثقت به وطعني لذلك أخذت حقي.
عاد ببصصره له مرة آخرى مصافحًا آياه في بسمةً مُتسعة :
[sc name=”ad5″ ][/sc]

– أراس جومالي يا هذا، وأنت؟
_فاق من شروده على صوت اراس المقبل ملثمًا كف والده جومالي في أحترام جم :
– لا تنسى يا هذا لولا أن حذرتك بشارة الترقب لم تكن لتنجح.
أنهى جملته وهو يلقي بنفسه على الأريكة فاردًا ذراعية على ظهرها في أسترخا، ليومأ الرجل المصري تباعًا في خوف :
[sc name=”ad4″ ][/sc]

– أجل، أجل لولاك لما كانت خطتي نجحت.
هُنا وصاح السيد جومالي في حسم وهو ينهض:
– أنتها النقاش عليَّ المغادرة، سيصلك أسمك الجديد ويوم عميلتك حينما يحين الأمر، تفضل.
أشار له بكفه لينصرف، فوقف ولا يكاد يصدق، كشخص قد تم نجاتة من الشنق أنفًا، هرول مسرعًا.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

ليلتفت أراس إلى والده وهو يدلك رقبته قائلًا :
– هذا الرجل لا يروق ليّ، لماذا تفعل عداوة مع مصر نحن لا نريد ذلك، ألا يكفى ما نحن فيه؟
تحدث والده في برود وهو يغادر :
– أنا أفعل ما شئت يا بُني، ليس لك شأن في هذا.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

تنهد أراس وهو يميل للأمام واضعًا وجهه بين كفية في هم :
– وما الذي ليّ شأن فيه يا أبي، حياتي وقد أنهيتها حينما أدخلتني في هذا العالم الذى كُنت مجبورًا عليه قسرًا، لقد جعلت اخي يتركنا ويرحل ماذا تريد ان تفعل بنا أكثر من ذلك، سامحك الله.
تنهد في ألم وهو يلتفت لمن هتف له محادثًا آياه وهو ينحني مقدمًا له الحاسوب :
– سيدي … كل ما طلبته قد نُفذ، وأتضح أنه يخططف صغار بينهما فتاة تكبرهما سننًا، كما أنهم احفاد لمار.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

نظر له أراس في تعجب ودهش، فـ اومأ الشاب بعينية متابعًا:
لمار الشرقاوي أكيد تعلم من تكون؟!
جذب أراس منه الحاسوب وهو ينهض منصرفًا دون كلمة، مرتقيًا الدرج شبه راكضًا، ليقطع الرواق في خطوات سريعة، حتى ولج إلى غرفته جالسًا على فراشه، مربعًا قدمه اليسرى أسفله والآخرى متدلاه، ونقر
عدة نقرات على الحاسوب قبل أن تظهر له صورة خديجة والصغار من حولها يكادوا يلتصقون بها على قدميها أروى الشبه متغيبة، تمسح على رأسها في حنو، وفي صوتٍ رخيم يسلب الألباب كانت تتلو خديجة
[sc name=”ad4″ ][/sc]

آيات القرآن الكريم، فستمرت عينية عليها، لم يشعر بدمعه الذي أنساب لا إرديًا يهوى هويًا إلى وجنته، وخفق قلبه متأثرًا، وقد فعل صوتها المرتلًا الأفاعيل في نفسه، رويدًا رويدًا لم يشعر بنحيبه الذي علا.، وفي حركة سريعة كان يغلق الحاسوب في عنف، ملقيًا آياه عرض الحائط ليقع متناثرة شظاياه، وازاح دمعه في قوة وهو يتنفس في سرعة وكأن ثمة وحشًا يلاحقة، عيناها التي لم يرَ غيرهما لم تبرح مخيلته، صوتها قد بث الراحة لفؤاده لدقائق، هل بكى؟ أحقًا بكى؟
هل لشيطان مثله ان يبكي؟
[sc name=”ad5″ ][/sc]

هل رق قلبه لوهلة؟
ألا يذبح ويقتل ويفعل ما لا يخطر بقلب بشر أن يبكي لسماعه القرآن؟ مجرم مثله فُقد قلبه الرحمة وأنتزعت لا يحق له ذلك!
كان ما زال على حاله، الدقائق تمر دون أن يشعر بها، كأنه في عالم آخر، عينية تأبى أن تُنزل دمعها الذى يترقرق بها، قد تقرحت عينيه، وقر صوتها المرتل بالقرآن في قلبه، لا يشعر بأنفاسه التي تخرج في صعوبة وسرعة وكأنه في سباق، وما بين كل ذلك على حين غرة شقت بسمة خبيثة محياه، لينهض مغادرًا الغرفة، نازلًا للطابق السفلي في تعجل، خارجًا من المنزل، متوجهًا صوب مجموعة من الرجل، وقبل
[sc name=”ad4″ ][/sc]

أن يصل إليهم كان احدهما يقترب منه شبه راكضًا، هامسًا في تلعثم من نظرة الغضب بعينية :
– أراس أنت بخير؟
لم يجيب على سؤاله وأنما قال في نبرة حادة لا تخلو من الهدوء:
– نجيب … أرسل رسالة إلى المخابرات المصرية بعنوان الصغار.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

عقد “نجيب” حاجبيه في تعجب، وما هم بتحريك شفتية حتى قاطعة “أراس” قائلًا وهو يوليه ظهره مغادرًا:
– أفعل ما أخبرتك به، وأياك أن يعلم أحد بهذا!
عاد للمنزل مجددًا أخذًا معطفة مرتديًا آياه وهو يخرج من المنزل، ليتبعة رجُلاٍ ما أن شعر بهم حتى زفر في ملل و وقف قائلًا لهم :
– لا أحد يأتي وراءي!
[sc name=”ad4″ ][/sc]

طأطأ الرجلاٍ رؤسهما في صمت، فتنفس في ضيق وهو يسير في سرعة وهم خلفه، لاحظ خلو الطرق من المارة، ليحادثهم بعينين تدور في زهول للطريق الخالي :
– أين الجميع يا بُني؟ لماذا لا أرَ أحد؟!
نظر الرجُلاٍ لبعضهما قبل أن يجيب احداهما :
– ثمة مُبارة اليوم ولا بُد أن الجميع هُنالك يا أخي.
[sc name=”ad5″ ][/sc]

تبسم “أراس” بإتساع وأستمتاع وهو يغير طريقة نحو ساحة المبارة، وجد بالفعل جميع الرجال هنالك شبابٍ وكبار، ما أن أبصروه حتى وقف الجميع مُفسحون له الطريق، ومنهم من أقترب مصافحًا أياه في حماس خلع معطفة ليضعه جانبًا وأنضم لأحدى الفرق من الشباب، وأذاد لهيب الحماسة في وجوده، صياح عال وقهقهات عالية دارت، كان يريد أن ينسى لو قليلًا ما يمر به، ولكن حتى أن تناسى لبعض الوقت فهو سيعود مجددًا لتلك الحياة التي يبغضها، لا محالة للفرار من هذا الطريق، لقد وقع فيه ولا يمكن أن يخرج، تلك الحفرة عميقة للغاية وقد ألتهمته ألتهامًا هو هالك لا محالة لا يوجد نجاة مهما طال عمره.
? اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد ?
[sc name=”ad4″ ][/sc]

وصل للمار رسالة بمكان الصغار، كان مضمون الرسالة مبهم، من يساعدها وكيف على علم بكل ذلك، لم يكن ثمة وقت لتشغل بالها بمثل هذه الأفكار، كان عليها أن تنقذ الصغار، وستعود للتفكير على مهل فيما بعد، أرسلت قوة مرة آخرى برفقة ياسين وعثمان، ولكن تلك المرة كان المكان بعيد جدًا بالتحديد في الجبل، جلس الصغار مفترشون الأرض في احدى الكهوف، كان قد حل الليل، لم يدروا كم الوقت، ينتظرون ما سيحل عليهم من هؤلاء المجرمين، لا يدروا لماذا نقلوهم إلى هذا المكان المخيف، كان يغشاهما الصمت، أما إذا ذاد الخوف بفؤاد خديجة أسرعت لمناجاة ربها تتلو ما تحفظ من القرآن ليؤنسهم، حتى أخترق سمعهم صوت إطلاق النار فنهضوا في خوف جميعًا، وعلى عجل كانت تضمهم كـ الحصن المنيع، عيناها متعلقة على مدخل الدخول، ربما كان الموت قريبًا، صراخ الصغار كان ممزوج بصوت إطلاق
[sc name=”ad5″ ][/sc]

النار الذي كان كـ وابل من المطر، وبغاتهم دخول احد الرجال مسلحًا لتبتعد خديجة بالصغار للخلف حتى التصقوا بالجدار، أنطلق الرجل صوب خديجة يود أنتشال أروى من بين يديها ألا أنها احتضنتها بكل قوتها صارخة فيه أن يبتعد، دلف ياسين ليبصر الأمر واطلق رصاصة أصابة قدم الرجل، فركض الصغار ناحية ياسين بينما جذب الرجل ملك، والقى السلاح من يده وأستل نصلًا من جيبة، مبتسمًا في نبرة متهكمة قائلًا وهو يضغط بالسكين على عنق ملك التي تبكي في خوف :
-سيب السلاح من أيدك ولا هقتلها.
[sc name=”ad4″ ][/sc]

اومأ ياسين وقد بلغ الخوف ذروته في قلبه، بدأ ينزل في حذر ليترك السلاح أرضً بينما يمناه يرفعها في وجه الرجل كأنه هكذا يمنعه عن أزيتها، تمتم ياسين في تمهل :
– سيبا أنا سبت السلاح، هتكسب اي دي طفلة؟! سيبها وأوعدك هساعدك تاخد حكم مخفف.
نظر في عين ملك التي ترجوه بنظراتها أن ينقذها، في حين تسلل حمزة في حذر أثناء أنشغال الرجل مع ياسين، وسار خلفه وباغته في ضربة في قدمة أدت إلى تقهقر ولا ارديًا كان السكين يسبب جرحًا
عميقًا في عنق ملك، أسرع ياسين إليه ممسكًا بذراعه يهيل إليه اللكمات والضرب المبرح، لتسقط ملك أثر ذلك من على ذراع الرجل على وجهها تسبب في شج جبينها، لتشهق خديجة في فزع واضعة
[sc name=”ad5″ ][/sc]

يمناها على شفتاها وعيناها معلقة على نظر ملك التي غابت عن الوعي، في حين ظلت أروى تتشنج وتصرخ حينما رآت الدماء تسيل من ملك، بالخارج تم القبض على الرجال ليكتشف عثمان نفق تحت الأرض ممتلأ بالسلاح، بسبب مداهمة الشرطة على غفلة من أمرهم لم تسنح لهم فرصة فرار أو موارات شيئًا.
ما قد يُصيب مالك؟
من ذاك المجهول المصري؟ وما عداوته معهم؟
[sc name=”ad4″ ][/sc]

لماذا يريد أذيت ياسين بالتحديد؟
لماذا ساعدهم أراس وما الفائدة من ذلك؟
أنتظروا أحداث نار قادمة من جحر الشيطان.
يتبع…
[sc name=”ad5″ ][/sc]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top