رواية عشق (كامله جميع الفصول) بقلم عمرو علي

وكأنها الشمس غربت فجأة، لم يكن الفلاح صادقًا في قوله، لم يكن ترحابًا كما اعتقدنا.. عجيب أمر هذه البلاد رأينا حلوها ولم نذقه، جئناها طوعًا، كثمرةٍ أكلها آدم طمعًا في الخلود وما نال منها سوى السقوط، البيت من الخارج كان بسيطًا فقد تم بناؤه من الحجر الأبيض ومرصوص دون أي شكل جمالي وسط مجموعة من البيوت أظن أنها كانت لعمال المزرعة.. حين دخلنا وما إن جلسنا حتى قدم لنا ما يسمونه بشاي الترحيب، كنت أتامل البيت أمامي الأرض التي يعلوها سجادة صغيرة تخفي أرضية رديئة الصنع، وهذا كل ما رأيته لأن عيني لم ترتفع إلا لأخذ كوب الشاي والارتشاف منها لمرة واحدة.. مرة واحدة ولكنها كانت قادرة على أن تجعل عقلي يتوقف وأسقط في إغماءة لا أعرف مدتها..

مجموعة متضاربة من الأحلام ومع نهاية كل حلم أسقط في حفرة عميقة فأستيقظ فزعة لأجدني في كابوس آخر فأسقط ثانية، حتى وقع فوق رأسي جبلا جليديا فشهقت فأصحو على الكابوس الحقيقي، عيناي مغمضتان رغما عني بقطعة قماش، ارتعد جسدي من البرد والبلل، صوت عالي لوقع أقدام تدور حولي، يد خشنة وضعت على كتفي وصوت ضابط المطار يقول:
– أخبرتك بأننا سنتقابل من جديد، ولم يمر سوى بضع ساعات، اعذرينا اشتقنا لك.

كنت متخيلة بداخلي وجهه وهو يبتسم ابتسامته السمجة، لم أنطق ببنت شفة بل حاولت أن أكتشف منه سبب حضوري، ظننته أبلها، لا أعرف أين كنا بالتحديد، فأنا شبه مقيدة على مقعد حديدي، ولكن صوت ضربة عالية بكف يده على المكتب جعلتني أعرف بأنني أصبحت في عقر داره بالجهاز الذي يعمل به، استطرد بصوته الأجش:
– أعرف أنك مزدوجة الجنسية وتظني بأن لك حصانة، ولكننا أخرجناك من المطار حتى لا نكون تحت الأنظار وأيضا أنتِ الآن في عين سفارتكم الحامية ما زلت في المزرعة.

قلت دون تفكير: أما زلنا في المزرعة؟

– بالتأكيد لا، ولكنهم يظنون ذلك، هذا معناه أننا لم نركِ سوى بالمطار.

ابتسمت ابتسامة صفراء، مقررة أن أقول كل ما أعرفه، أما عني فدائمًا ما كنت فتاة عملية، لا أظن أني فكرت أني سأجن وأخوض تجربة الحب في يوم ما، فالحب للمرفهين مرهفي الحس، ولكني انغمست في دراستي وتشربت الطب فأدمنته كما تتشرب المراهقات حبهن الأول.. في صفي التاسع بمدرستي سمعت عن أول عناق وأول قبلة قد تؤخذ خلسة من خلف ظهور الأهل، ولكني عانقت دراستي واتخذتها حبيبًا بل تزوجتها زواجا كاثوليكيا حيث لا طلاق، ورؤيتي لوجهه بالمطار وسماعي لصوته الآن أكدا لي بأنني كنت محقة، وكأن هناك مرض أصاب العقول.. فبدلا من مساعدتي يقومون بحجزي والتحقيق معي.. فطنت من ثقته في نفسه وقد يكون محقًا، فبالتأكيد لديهم الطرق في التخلص منا دون أن تتلوث أيديهم بالدم، بل سيظهرون للعالم بأنه حادث مدبر ويتوعدون الفاعل بالعذاب الأليم!

اضطررت أن أكشف له عن بعض أسرار عملي بالخارج، قلت وأنا أرفع رأسي قبالته حيث لا أراه من إثر تغطيتهم لعيني:

– أسمعت عن الدولة الوحدة ذات القانون الواحد والدين الواحد؟
لم يأتني جواب لسؤالي وكأنه يريدني ألا أطرح الأسئلة وأن أسترسل فيما أجيب فأكملت:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top