إنَّ هؤلاء لم يُؤدٌّوا العبادات، أو يُقيموا الصلوات، لم يعرفوا السٌّجود والبكاء من خشية الله، فقط قالوا كلمة حق لطاغية فوضعوا بها رِحالهم في جـnَّةٍ عرضٌها السَّموات والأرض أُعدَّت للمٌتَّقين.وحتَّى تستقيم قِيمٌ الإسلام في نفوسنا، وتتَّضح تلك الغاية في عٌقولنا، كان لابٌدَّ من هذا التوجيه النَّبوي الحكيم، الذي يُربِي فيه المسلم نفسه تربيةً إسلاميةً
متكاملة، ينتقلٌ بها بين مواطنِ الخير، يأخذُ منها ما يٌناسب الوقت ويُبلِّغه الغاية، فتجدُه يسأل الله أن يبلِّغه ليلة القدر وأن يكونَ له فيها أسعدَ حظٍ واوفرَ نصيبٍ، وهو مع ذلك يعتقد اعتقاداً أرسخ من الجبال الرواسي، أنَّ موقِف ساعةٍ في سبيل الله، أو كلمة حقٍ عند سُلطان جائر، أو إقامة شعيرةٍ من شعائر الإسلام المجهولة، هو خيرٌ له من طُولِ لزُومِ فرديٍّ للعبادة، من صلاةٍ وذكرٍ ولو كان ذلك عند الحجر الأسود وفي ليلة القدر، وهو مع ذلك يعي ويفهم أنَّ الخيرية هذه لا تعني الاستغناء عن عبادة التبتل، واغتنام الأوقات الفاضلة، والانقطاع لله، بل يُقرُّ الأمرين معاً،ويجتهد أن يأخذ ثواب الله من كليهما، فالأمران متلازمان متكاملان، وإلا فإننا نعرفٌ عُلماءً كانوا ومازالوا يُحدِّثونا عن فضل ليلة القدر، ويحثُّونا على كل أعمال الخير، بل إنَّ بعضهم أقام إماماً بالنَّاس العشرات من ليالي القدر عند الحجر الأسود، ولكنَّهم عندما احتاج الحقُّ منهم موقفاً سقطوا على رؤوسهم، وطَفقُوا يُبرِّرون الظٌلم ويكتمون الحق ويفترون على الله الكذب وهم يعلمون،