هل يجوز للجُنُب قراءة القرآن ولو في نفسه ؟

ثانياً :
نسب بعض العلماء إلى ابن عباس جواز قراءة القرآن للجنب اعتماداً على ما ذكره البخاري في صحيحه معلَّقاً بصيغة الجزم : ” وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسِ بالقِرَاءَةِ لَلْجُنُبِ بَأْساً ” انتهى .وهذا النقل المجمل قد سبب وهماً في فهم مذهب ابن عباس ، حيث ظن بعضهم أنه يرخص للجنب بقراءة القرآن مطلقاً ، بينما مذهبه الترخيص للجنب بقراءة الآية والآيتين فقط أو قراءة الورد ، لا الرخصة المطلقة بقراءة القرآن .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله – مخرِّجاً أثر ابن عباس الذي ذكره البخاري – : ” وَأما قَول ابْن عَبَّاس ، فَقَالَ ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف : حَدَّثنا الثَّقَفِيّ عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس : أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يقْرَأ الْجنب الْآيَة والآيتين ” انتهى من ” تغليق التعليق ” (2/171) .
ورواه ابن المنذر في ” الأوسط ” (2/ 98) من طريق الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُكْمِلٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : ” لَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْآيَةَ وَنَحْوَهَا ” .وفي هذا دليل على أن ابن عباس ممن يمنع الجنب من قراءة القرآن ؛ لأن ترخيصه في قراءة الآية والآيتين يفيد منعه من قراءة ما سواهما ، وإلا لم يكن لهذا التقييد فائدة .

ولا يشكل على هذا ما ذكره ابن المنذر في ” الأوسط ” (2/98) من طريق يَزِيد النَّحْوِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ وِرْدَهُ وَهُوَ جُنُبٌ ) .
قال الحافظ : ” وَإِسْنَاده صَحِيح ” انتهى من ” تغليق التعليق ” (2/172) .
لأن كلمة ( ورد ) أعم من قراءة القرآن ، فالمقصود بها الذكر الذي يواظب عليه صباحاً أو مساءً ، وهذا الذكر قد يتخلله آية أو آيتان من القرآن ، ولذلك فهو يلتقي مع قوله السابق في الترخيص بقراءة الآية والآيتين .
وإن قيل : المقصود منها ورده من القرآن ، فهو يدل على الترخيص للجنب في قراءة الورد ، فقط ، لا أكثر .ولذلك قال ابن قدامة في ” المغني ” (1/ 199) : ” وَلَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ جُنُبٌ … وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَقْرَأُ وِرْدَهُ ” انتهى .

والحاصل : أنه لا يثبت نص صريح عن ابن عباس يدل على جواز قراءة الجنب للقرآن مطلقاً ، وإنما هو ترخيص له بقراءة الآية والآيتين للحاجة ، كما هو قول كثير من العلماء ، أو بقراءة الورد ، فقط .
وهناك روايات أخرى عن ابن عباس قد يفهم منها الترخيص المطلق للجنب بقراءة القرآن ، لكنها لا تروى عنه بسند صحيح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top