وهذا واقع مرئي مشاهد، وأمر محسوس متعاهد، فإن منشأ الخير ومبدأ الفضيلة ومهبط المكارم لا ينتج منه إلا أمثاله كما قال عز وجل:«ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم»(آل عمران:34).
قال السعدي-رحمه الله- في (تيسير الكريم الرحمن ص134):«﴿ذرية بعضها من بعض﴾ أي: حصل التناسب والتشابه بينهم في الخلق والأخلاق الجميلة، كما قال تعالى لما ذكر جملة من الأنبياء الداخلين في ضمن هذه البيوت الكبار ﴿ومن آبائهم وإخوانهم وذرياتهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم﴾».
قال تعالى في قصة مريم البتول لما أتت قومها بالمسيح تحمله: «ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا»(مريم:28).
ساق ابن جرير الطبري بسنده عن قتادة في قوله تعالى: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ قال: «كانت من أهل بيت يُعرفون بالصلاح، ولا يُعرفون بالفساد، ومن الناس من يُعرفون بالصلاح ويتوالدون به، وآخرون يُعرفون بالفساد ويتوالدون به» (تفسير ابن كثير –رحمه الله-(109/3)).
قال الألوسي –رحمه الله- في روح المعاني(409/6):«﴿ما كانَ أبُوكِ امْرَأ سَوْءٍ وما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ تَقْرِيرٌ لِكَوْنِ ما جاءَتْ بِهِ فَرِيًّا أوْ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ ارْتِكابَ الفَواحِشِ مِن أوْلادِ الصّالِحِينَ أفْحَشُ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الفُرُوعَ غالِبًا تَكُونُ زاكِيَةً إذا زَكَتِ الأُصُولُ ويُنْكَرُ عَلَيْها إذا جاءَتْ بِضِدِّ ذَلِكَ».
قال تعالى: «والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا» (الأعراف:58).
ومن الآثار المحسوسة لذلك، ما جاء في تفسير قوله تعالى في سورة الكهف: «أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا» (الكهف:82)، فقد قال صديق حسن خان القنوجي –رحمه الله- في فتح البيان(94/8):
«(وكان أبوهما صالحاً) فكان صلاحه مقتضياً لرعاية ولديه وحفظ مالهما، فظاهر اللفظ أنه أبوهما حقيقة، وقيل هو الذي دفنه، وقيل هو الأب السابع من عند الدافن له. قاله جعفر بن محمد وقيل العاشر وكان يسمى كاشحاً وكان من الأتقياء قاله مقاتل، واسم أمهما دنيا. ذكره النقاش، ففيه ما يدل على أن الله يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعدوا. قال ابن عباس: «حفظا بصلاح أبيهما».
وأخرج ابن مردويه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله عز وجل يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده وأهل دويرته، وأهل دويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله تعالى ما دام فيهم»، وعن ابن عباس نحوه وقال: «موضع حفظ الله في ستر من الله وعافية».
قال سعيد بن المسيب: «إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي».
وقد رُوي أن الله يحفظ الصالح في سبعة من ذريته، وعلى هذا يدل قوله تعالى (إن وليّيّ الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين) قاله القرطبي».
قال الألوسي –رحمه الله- في روح المعاني (13/16):
«وأيًّا ما كانَ فَفي الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ صَلاحَ الآباءِ يُفِيدُ العِنايَةَ بِالأبْناءِ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ في الزُّهْدِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ خَيْثَمَةَ قالَ: «قالَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ طُوبى لِذُرِّيَّةِ المُؤْمِنِ ثُمَّ طُوبى لَهم كَيْفَ يُحْفَظُونَ مِن بَعْدِهِ وتَلا خَيْثَمَةُ هَذِهِ الآيَةَ».
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ وهْبٍ قالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعالى لَيَحْفَظُ بِالعَبْدِ الصّالِحِ القَبِيلَ مِنَ النّاسِ».
وعَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ قالَ لِبَعْضِ الخَوارِجِ في كَلامٍ جَرى بَيْنَهُما: «بِمَ حَفِظَ اللَّهُ تَعالى مالَ الغُلامَيْنِ؟