الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فدونك أخي القارئ الكريم أثرا من أنفس الآثار، وأغلى الأخبار، لضبط الحياة الاجتماعية على الطريقة السوية، والسابلة المرضية، ذكره الشيخ النسابة أبو عبد الله المصعب بن عبد الله في كتابه «نسب قريش، ص273» في معرض حكايته قصة الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير بن العوام، في فتح افريقية فقال:

«وغزا عبد الله بن الزبير إفريقية مع عبد الله بن أبي سرح العامري.
قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير ملك إفرنجة في عشرين ومائة ألف؛ فأحاطوا بنا، والمسلمون في عشرين ألفاً، فاختلف الناس على ابن أبي سرح؛ فدخل فسطاطاً له، فخلا فيه، ورأيت غرة من جرجير: بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب، معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جنده أرض بيضاء ليس فيها أحد، فخرجت أطلب الإذن على ابن أبي سرح، لأخبره بغرته؛ فأتيت حاجبه؛ فأبى أن يأذن لي عليه؛ فدرت من كسر الفسطاط؛ فدخلت عليه؛ فوجدته مستلقياً على ظهره يفكر؛ ففزع واستوى جالساً؛ فقلت: «إيه، كل أزب نفور»(1)، قال: «ما أدخلك علي يا ابن الزبير، بغير إذن؟ قلت: رأيت عورة من العدو، فاخرج فانتدب الناس»،قال:«وما هي؟» فأخبرته؛ فخرج معي مسرعاً؛ فقال: «يا أيها الناس! انتدبوا مع عبد الله بن الزبير»، فاخترت ثلاثين فارساً، فقلت: «احموا لي ظهري»، وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير.
فما كان إلا أن خرقت الصف إليه، فخرجت صامداً إليه؛