وبعد ثلاثة أيام، أمرني الطبيب الذي أجرى العملية الج@راحية لابنتي بمغادرة المستشفى.. فطلب oــني صاحبي الذي
التقيته أول يوم أن تمكث الطفلة في بيته أسبوعًا آخر حتى تسترد عافيتها وتستكمل نقاهتها، لأن السفر متعب والمسافة
بعيدة..!!
استحييت من كرمه وخيره، لكني استجبت له.. ومكثت في ضيافته سَبعة ليالٍ، وكانت زوجته تخدم ابنتي وكان هو
وأولاده يترفقون بي وبابنتي ويعاملونني بمنتهى الرقة واللطف والأدب…
وفي الليلة السابعة، لمّا وضعوا الطعام عـLـي المائدة، وتحلقوا للعَشاء، امتن@عت عن الطعام، وبقيت صامتًا لا أتكلم، قال لي
الرجل: كُلْ يا عم.. كُلْ.. ما ألمَّ بك..!؟ قلت وبصوت مرتفع ونبرة ح@ادة: والله لن أذوق لكم طعاما إلا إذا أخبرتموني مَن أنتم..؟
ومَن تكونون..؟
أنتَ تخدمني طوال أسبوع كامل، وأنا لا أعرفك.. تخ@دمني وتُبالغ في إكرامي..!! وأنا لم ألتقي بك سوى مرة واحدة في
المستشفى..!! مَن أنت..!؟
قال: يا عم كُلْ.. هيا كُلْ وبعد العشاء أخبرك.. قلت: والله لن تـــــ⊂خل فمي لقمة واحدة، ولن آكل طعامك إنْ لم تخبرني من أنت؟
ومن تكون؟
حاول الرجل الته@رب من الجواب لكنه وأمام إصراري.. أطرق برأسه قليلا.. ثم قال بنبرة خافتة:
يا عم إن كنتَ تَذْكُر.. فأنا ذاك الطفل الذي أعطيته خمسة دنانير سنة 1964 عندما كنتُ أجلس خلفك في الحافلة انـL ابن فلان
ابن فلان..
آه تذكرت.. أنت ابن فلان من قريتنا..!! نعم.. نعم.. لقد تذكرت.. يومها كنت في الحافلة متجها من قريتنا الفلاحية
إلى إحدى المدن القريبة، وكان يجلس خلفي صبيان عمرهما لا يتجاوز، عـLـي ما يبدو، سبعة أعوام، سمعت أحدهما يحدث
الآخر قائلا له: هذا العام شحت السماء، والخريف يوشك أن ينصرم، والأرض لا تُنبت شيئًا، وأبي فلاح فقير ليس بيده ما ينفقه
عليَّ، ولذلك فأنا مضطر لترك مقاعد الدراسة هذا العام..!!