أَوْ : يُحْمَلُ النَّهْيُ حَيْثُ يُخْشَى أَنْ تَبْدُوَ الْعَوْرَةُ وَالْجَوَازُ حَيْثُ يُؤْمَنُ ذَلِكَ .
قُلْتُ : الثَّانِي أَوْلَى مِنِ ادِّعَاءِ النَّسْخِ ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْبَيْهَقِيّ وَالْبَغوِيّ وَغَيرهمَا من الْمُحدثين .
وَجزم ابن بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ .
وَقَالَ الْمَازِرِيِّ إِنَّمَا بَوَّبَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ ، لَا فِي الْكُتُبِ الصِّحَاحِ ، النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى.
لَكِنَّهُ عَامٌّ ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعُ ، وَاسْتِلْقَاؤُهُ فِي الْمَسْجِدِ : فِعْلٌ ؛ قَدْ يُدَّعى قَصْرُهُ عَلَيْهِ ، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَوَازُ .
لَكِنْ لَمَّا صَحَّ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ : دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ بَلْ هُوَ جَائِزٌ مُطْلَقًا .
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا : صَارَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ تَعَارُضٌ ؛ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا .
فَذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ .
وَفِي قَوْلِهِ عَنْ حَدِيثِ النَّهْيِ : لَيْسَ فِي الْكُتُبِ الصِّحَاحِ : إِغْفَالٌ ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ مُسْلِمٍ ، فِي اللِّبَاسِ ، مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ .
وَفِي قَوْلِهِ : فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَوَازُ : نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ .
وَالظَّاهِرُ : أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ . وَكَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الِاسْتِرَاحَةِ ، لَا عِنْدَ مُجْتَمَعِ النَّاسِ ؛ لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ مِنَ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمْ بِالْوَقَارِ التَّامِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “. انتهى
وبهذا يظهر وجه الجمع بين نهيه صلى الله عليه وسلم وفعله .
والله أعلم .