ذات يوم كان إبن السلطان يتجول في السوق ورأى ذلك الشّغل في يدها، فتذكر الة في البحر ،إقترب من الغولةوسلم عليها ، وسألها هل إبنتك هي من صنع هذه الأشياء الجميلة ؟،تردّدت قليلا ،وأجابته: نعم يا مولاي وهي في ختك،قال لها :أريد أن أراها ،حاولت الغولة أن تتهرب ، وقالت له إنها ليست جميلة ،لكنه أصرّ،فلم تجد بدا من إستدعائه إلى دارها ،وهي تبالغ في إخفاء وجهها ،ولما وصلت إلى الكوخ ،صاحت: تعالي يا عيشة، أحدهم يريد رؤيتك !!!
جاءت البنت تجري، ولما رأت الأمير واقفا ،ويحيط به الحرس غطت رأسها بة الحرير التي في يدها ،فتعجّب الجميع من جمالها وحيائها ،وقال الأمير كنت متأكدا أن الأيادي التي عملت كل ذلك لا بد أن تكون صاحبتها جميلة !!!: سيأتي أبي لخطبتك من أمّك فلقد أمضيت أياما طويلة أحلم بك حتى وجدتك ،ستكونين أميرة قلبي وأعطي أمّك شترطه من مهر …
قالت عيشة: لا بدّ أن تخطبني إذا من أبي ،وهو يعيش على حافّة البحر ،ولقد تزوّج امرأة أخرى تكرهني، لذلك أعيش في الغابة مع أمّي !!! قال إبن السّلطان :لا بأس ،غدا نجيئ مع الهدايا ،ونذهب إلى داركم . لم تنم البنت ليلتها من شدّة السّعادة ،فالأمير كان لطيفا جدّا معها ،ويعشق كلّ عمله من زخارف ،لكنّها لم تكن مطمئنّة إلى زوجة أبيها ،فهي امرأة حقودة ،ولا تريد لها الخير .
في الصّباح جاء موكب السّلطان ،فأقبلت الجواري على عيشة، وأعددن لها حمّاما ،ومشطن شعرها، وألبسنها ثوبا من الحرير الوردي ،ووضعن عقود اللؤلؤ في رقبتها ،والأقراط في آذانيها، وخلاخل الذهب في رجليها ،ولمّا خرجت لتركب في هودجها ،بهت كلّ من رآها من الأعيان ،وأوّلهم السّلطان ،الذي كان منزعجا من أنّ عيشة ليست إبنة ملوك ،لكنّه سكت لمّا شاهد حسنها البديع ،حوّل إنزعاجه إلى غبطة ،فقبّل رأسها ،وقال: أهلا بإبنتي ،سترفعين قدرنا لمّا يأتي جيراننا من السّلاطين لحضور عرسك ،فلا أحد منهم له جارية مثلك في قصره .
كانت امرأة صيّاد السّمك تكنس أمام بيتها حين رأت موكب السّلطان، قالت في نفسها : لا شكّ أنّ زوجته أو إحدى بناته داخل الهودج ،فهو مجلّل بالحرير والدّيباج، لكنّها تعجّبت لماّ رأت الموكب يقترب منها ،والتفتت يمينا وشمالا فلا يوجد غير دارها الصّغيرة ،فماذا جاء السّلطان يفعل هنا ؟ عليها حبل أفكارها أحد العبيد يسألها عن زوجها ،أجابت : إنّه بالدّاخل !!! قال لها : أطلبي منه أن يجيئ لاستقبال مولاي السّلطان ،هيا أسرعي يا امرأة ،ولا تدعينا ننتظر !!! زاد تعجّبها، لكنّها جرت إلى داخل الدّار، وقالت لزوجها هناك ضيف في انتظارك ،سألها ومن هذا الذي جاء ليقلق راحتي ؟ أجابته: إنه السّلطان، قال: ويحك، هل هذا وقت المزاح ؟ ردّت عليه : إنها الحقيقة ،أخرج ،وانظر بنفسك إن لم تصدّقني .
لمّا خرج ،قال له العبد: تعال سلّم على سيّدك !!! ولمّا رأى السّلطان واقفا أمامه، اعتقد أنه جاء لجمع الضّرائب ،فأخرج صرّة من المال ،وقال له: أعذرني يا مولاي أنّي تأخرت في الدّفع ،ضحك السّلطان ،وقال: لم أجئ لأخذ مالك بل لخطبة ابنتك عيشة ،إحتار الرّجل ،وقال : لقد اختفت في الغابة . ولا أعرف مكانها !!! أجاب السّلطان: لا تقلق ،إنها معي في الهودج ،ثمّ ناداها ،وقال: تعالي يا عيشة ،جاءت البنت إلى أبيها ،وهي في أحلى زينة ،فعانقها ،وقال: كيف تذهبين تركينني ؟ أجابت: سأخبرك بكل شيئ فيما بعد ،لا بد أن نتكلم ،قال: بالطبع، لكن لنقود أوّلا ضيوفنا إلى الداّخل ،ونقدّم لهم شيئا يأكلونه، ويشربونه .
دخل السّلطان وإبنه والغولة ،وجلسوا ،ثمّ قال لهم الصّياد: سأشوي لكم سمكا طازجا ،وستنضج إمرأتي خبز الشّعير والمرق على الحطب ،أمّا عيشة ستق لكم شراب الورد !!! لمّا سمعت زوجة الأب بالحكاية، أحسّت ب، وأظلمت الدنيا في عينيها، وقالت :كلّ مرة أطردها ،ترجع منتصرة ،لا أعرف ما الذي عليّ فعله للقضاء عليها ؟ لمّا حضر الطعام أكل الجميع ،وانبسطوا ،وسرّ السلطان لهذه الضّيافة ،وقال : سأطلب من طباخي أن يعدّ لي مثل طعامكم فلقد كان مذاقه جيدا .
أمّا الآن فماذا تريد مهرا لعيشة ؟ رد الصياد: لا شيئ، فقط أتمنى أن أراها كل يوم ،قال السّلطان: لك هذا بإمكانك أن تأتي للقصر متى شئت، وسأمنحك مائة بقرة ،ومثلها من الخرفان والماعز ،وعشرة من العبيد ،وهذا ليس كثيرا على عيشة !!! لم يصدّق الصّياد نفسه، فلقد أصبح بفضل إبنته غنيّا ،ونسيب السلطان .
كانت زوجة الأب تفكّر في حيلة لإفساد زواج عيشة ،فهي لا تطيق أن تتزوج تلك اللعينة إبن السّلطان، بقى إبنتها بائرة ،وفجأة خرجت الغولة أمام الدار ،وكانت تعتقد أنها وحدها ،فرفعت ال عن رأسها، وقالت : ما أشدّ الحرّ هذا اليوم ،فرحت المرأة لما رأتها ،وقالت في نفسها: الآن أعرف كيف سأفسد زواجك ..
في المساء ت زوجة الأب إبنتها، ا عيشة من بعيد حتّى عرفتا دار الغولة ،وإنتظرتا حتى خرجت مع عيشة للسّوق ،ثم دخلت المرأة ،وقيّدت إبنتها في دهليز العولة ،بعد ذلك جرت إلى قصر السّلطان،وقالت للأمير : أنصحك بالإبتعاد عن إبنة الصّياد فهي ة ،وأمّها غولة، وهما يان الأطفال و يأكلونهم !!! لم يصدّق الأمير ،وقال لها : ويحك ،لو كنت تكذبين لت عنقك .
قالت له تعال معي وسترى بعينك ،سار الأمير في حرسه ،ولما وصلوا لدار الغولة ،وجدوا بنتا مقيّدة في الدهليز، وبجانبها سكاكين كبيرة ، ولم دخلوا غرفة رأوا حذاءا أكبر من كل أحذية المدينة، وجميع الأشياء كانت ضخمة. إنتظر الأمير حتى رجعت الغولة من السّوق ،ثمّ وقف. وقال لها :إرفعي هذا ال ،وأرني وجهك !!!
تفاجأت عيشة من وجود الأمير هنا ،وسألته: لماذا لم تعل يا مولاي بنزولك ضيفا علينا ؟ أجاب :ب : لقد حاولت خداعي ،فما أنت إلا فتاة سيّئة ،تعاشرين الجن والأغوال، و تتضاهرين لي بالطيبة !!! إسمعي ، لا أريد رؤيتك بعد الآن ،فقد عرفت كلّ شيء،ى إليها بالمنديل الذي وجده في البحر، وقال : الآن عرفت لماذا لا نجد لزخارفك نظيرا عند الإنس !!! بكت عيشة لمّا سمعت هذا الكلام ،ولم تردّ عليه .
لمّا إنصرف موكب الأمير،إحتضنتها أمّها الغولة ،وقالت :إني أشمّ رائحة امرأة وفتاة كانتا في داري !!! مسحت عيشة وعها ،وأجابت: دون شكّ هما : زوجة أبي وإبنتها.لقد فهمت لماذا تغيّر فجأة الأمير . هذه المرّة لن تمرّ فعلتها دون عقاب والويل لها منّي .في الليل لم تنم عيشة ،ولمّا تذكرت الأمير ا الحسرة ،وسالت وعها ،وبينما هي كذلك أحسّت ،بشيئ دافئ بجوارها ،كانت صديقتها القطة ،وقالت لها :لقد سمعت بكائك فجئتك ،قصي على ما حدث ،وما هو سبب حزنك ؟ حكت لها عن امرأة أبيها وكيف نغصت عليها ،عيشتها، وأفسدت عرسها.
هزّت القطة رأسها وأجابت : يبدو أنّ تلك اللعينة لم تفهم الدّرس، المرّة الفائتة ،أمّا الأمير فاتركه لي ، وسيجيئ لحدّ قيك يطلب رضاك ،الآن هيا ي ، فالصّباح أوشك على الطلوع . في الغد طلبت القطة من الغولة أن تصنع طبقا من الحلقوم بالفستق وماء الورد طيّب الرائحة. ثم أخذت عشبة ،و في القدر ،وقالت: السّحر لن يصيب إلا الأمير ،.
لمّا حضر الطّبق ،تنكرّت عيشة ،وذهبت للقصر، ولما سألها للحرس عن سبب مجيئها أخبرتهم أنها زوجة صيّاد السّمك ،وبما أنّ إبن السلطان يحب الحلقوم فإنها اجاءته بهدية . لمّا رأى الأمير الطبق إشتهى أن يأكل منه ،وكالعادة جاء الطباخ ،ذوّق ة ،ثمّ قال : والله لم أذق في حياتي أطيب منه طعما ،ثم أكل الأمير ،حتى شبع لكن في المساء أصبحت أذناه طويلتان مثل الأرنب،فإختفى في حجرته، ولم يعد يخرج منها ،وأمر بزوجة الصّياد وابنتها فجائوا بهما ،وهم العبيد بقسوة ،وهما في سرداب مظلم مليئ بالخنافس عقابا لهما .
وفي أحد الليالي أخذت القطة شكل جارية جميلة ،ولمّا فتح الأمير عينيه وجدها أمامه ،فصاح : من أنت ؟ ومن سمح لك بالدّخول ؟ أجابته: ما حلّ بك ،هو جزاء من الله على ظلمك بنيّة يتيمة ،فعيشة تحبّك ،لك الغولة تعتبرها إبنتها ،و لقد تغيّر طبعها ،وأصبحت مثلكم ،أمّا رأيته في الدّهليز هو من كيد زوجة أبيها !!! وإعلم أيّها الأمير أنّ بنات ملوك البحر والجنّ هن صديقات عيشة، وهي الوحيدة التي بإمكانك أن ترفع عنك السّحر .