وضت الدلو في المطبخ وجلست تستريح ،فلما رأتها أمها قالت :هل نفذت ما قلته لك ؟ أجابتها :نعم يا أمي !!! فتحت لها السرداب ،وأدخلتها، وقالت لها: سأعطيك سلة طعام ،وإذا إحتجت شيئا أطرقي الباب بقوّة وسأفتح لك ،هيا إنزلي ،ولا تخافي ،لن يحصل لك شيئ ،ستأتيك قطة بيضاء،،فاتبعيها، وستجدين في طريقك الذّهب والحرير .
جلست الفتاة في الظلام ،وفجأة رأت عشرات العيون الحمراء تق فيها ،أحست بالذعر ،فأشعلت عود حطب ،كان هناك من الفئران الصغيرة هجمت عليها وأشها ا وقرصا ،بدات تجري ،حاول إبعادها عن وجهها ،لكنها قضمت أذنيها ،ولمّا توغّلت وسط الدهليز ،وجدت صندوفا من الفضة ،ففرحت ،وبمجرّد أن فتحته هجمت عليها الدّيدان والصّراصير، ودخلت في أثوابها وفمها ،وأخذت تتخبط نفسها، ثمّ واصلت الجري ،حتى تعبت، ووقفت وهي تلهث .
نظرت حولها فرأت جرة ماء بارد ،فأخذتها وشربت، وبعد لحظات بدأ بولها يسيل على ساقيها، ولم تعد قادرة أن تتحكّم فيه،، وواصلت الجري ،فصادفها صندوق مليئا بعطر الزّهر البرّي ،ولمّا فتحت أحد القوارير ،فاح شذاها في الدهليز ،فقالت :سأصب على نفسي شيئا منه، فحالتي أصبحت شديدة السوء !!! لكن بعد قليل أصبحت تفوح منها رائحة العفن ،أمسكت أنفها ،ورجعت إلى مدخل الدهليز ،وأخذت تطرق الباب بشدة، وهي تصيح بأعلى صها .
لمّا فتحت لها أمها الباب إنزعجت من قذارة إبنتها ،وأعدّت لها حّماما ،ونظفتها ،لكنّها أصبحت ة المنظر، وامتلأ وجهها بالّ والقرص ،وصارت تبول على نفسها ،فت زوجة الأب غضا شديدا ،وقالت : كل ما حصل لإبنتي هو من تدبير عيشة ، لقد خدعتني ،سأعرف كيف أنتقم منها، الويل لك يا إبنة صيّاد السّمك منّي ..
في أحد الأيام قالت زوجة الأب لعيشة :سأجمع ب الأعشاب لأصنع منها دواءا لأختك ،أريد منك مرافقتي للغابة !!! أجابتها : حسنا ،سأفعل طلبينه منّي . إبتعدت المرأة كثيرا على الدّار ،وكلّ مرّة تسألها البنت ،تقول لها : ليس بعد ،حتّى وصلتا إلى جبل مرتفع ،وقالت لها: هناك تنبت عشبة الهندباء ،وهي حمراء اللون ،أحضريها لي، فأنا أشعر بالتّعب، وسأنتظرك هنا ،هيّا أسرعي، لا وقت لدينا !!!
لمّا صعدت عيشة للجبل إبتسمت المرأة، وخاطبت نفسها: سأنصرف الآن ،ولن تعودي للدار حيّة !!! فهذا الجبل مليئ بالثّعالب والضّباع ،والعقارب السّامة ،وحتّى لو نج منها ،فلن تقدري على الرّجوع ،وستمين من البرد والجوع عقابا لك على ما فعلته بإبنتي ،فلقد قضمت الفئران أذنيها ،وأصبح شكلها قبيحا .
فتّشت عيشة عن الهندباء ،لكنها لم تعثر على شيء ،ولمّا رجعت إلى زوجة أبيها ،وجدتها قد إنصرفت ،ركتها وحيدة .حاولت أن تتذكّر الطريق الذي جاءت منه ،لكن لم تفلح في ذلك، فكلّ المسارب متشابهة ،بدأت في ال لعلّ أحدا يسمعها ، وفي الأخير تعبت ، وجاءت تحت شجرة ،وبدأت في . وفجأة سمعت ص متين تتخاصمان ،وقال الذّكر :لقد إتفقنا ان ندّخر الحبّ للشّتاء ،لكنّي لاحظت اليوم نقصانه !!! أجابت الأنثى : صدّقني، لم ألمس منه شيئا .
كان ذلك اليوم حارا جدا :فقالت له عيشة : لا تظلم زوجتك لقد جفّ الحبّ بسبب الحرّ ،ولمّا ينزل النّدى، يرجع كما كان !!! نزلت الأنثى ،وجلست في حجر البنت ،وقالت لها :أشكرك، لولا نصيحتك لكنت الآن في ورطة ،كيف يمكنني أن أرد لك معروفك ؟ أجابت عيشة :إنّي بحاجة للهندباء لأختى ،وأرغب في الرجوع لبيتنا قرب البحر ،المشكلة أني لا أعرف الطريق !!! تعجّبت ة وقالت : تلك العشبة لا تنبت في الجبال ،من الذي أتى بك لهذا المكان الم ؟
فهمت عيشة أن امرأة أبيها قادتها إلى هنا لتهلك ،وأنه يجب أن تحذر منها في المرّة القاة ،وبينما هي غارقة في التفكير جاءتها ة بعشبة حمراء في منقارها ،وقالت لها : إتبعيني سأريك الطريق إلى البحر ،ولو أسرعت لوصلت قبل حلول الظلام .
لما إقتربت عيشة من الداّر كانت تحسّ بألم شديد في قيها ،فلقد جرت دون أن تتوقّف. كانت تسمع وراءها عواء الذئاب وأصوات البوم ،فيزيد من خوفها .دخلت ،وأغلقت الباب وراءها ،وهي تلهث .كانت امرأة أبيها تنظر إليها بدهشة ،وهي تتساءل كيف وجدت تلك اللعينة طريقها وسط الغابة ؟ إستعادت عيشة أنفاسها ،ت بالأعشاب على الطاولة ،وقالت بحدّة: سأذهب لأستحمّ ،وأ ،ولا تطلبي منّي شيئا المرة القاة ،وإلا أخبرت أبي بما حصل ،هل فهمت ؟
زاد غيظ المرأة على عيشة، وقالت: ت الآن؟ لا بقاء لي هنا، إن لم أجعلها تدفع الثمن. لاحظت أن البنت تحب الصعود على مركب أبيها ،نزل إلى الأسفل ،بقى هناك تطرّز ،فلقد كانت تشعر بالراحة بعيدا عنها وإبنتها ،وذات صباح إنتظرتها حتي صعدت، ثم جاءت إلى الأجير وأعطته صرة نقود وطلبت منه أخذها في فسحة لتروح عن نفسها.
تحرك المركب وإبتعد في عرض البحر ،وكانت عيشة تطرّز ،وفجأة أحست بحركة الأمواج ،وص الرياح ،فخرجت لترى ما يحدث ،فوجدت إمرأة أبيها أمامها ،وقبل أن تفتح فمها ،دفعتها في ،ووجدت نفسها تسقط في البحر،وفي يدها ة الحرير . إبتعد المركب وبدأت عيشة تغرق لكن الريح كانت تهب إلى الشّمال ،وخرج من القوقعة التي في رقبتها موسيقى جميلة وراحت في غيبوبة .
لمّا فتحت عينيها وجدت نفسها في جزيرة صغيرة مليئة بالطيور ، وجوز الهند ،ساءلت : من الذي أتى بها إلى هنا ؟ وفجأة سمعت ضحكة ورائها ،ولمّا إلتفتت رأت السمكة الغريبة التي أطلقت سراحها منذ شهر ،فصاحت بدهشة : هل هذا أنت !!! أجابت السمكة: نعم ، أنا هي، لقد سمعت يقى ،فجئت كما وعدتك . ت البنت بيدها على رأسها ،وهتفت :آه القوقعة ،لقد نسيت أمرها تماما،ومن حسن حظي أنها في رقبتي ،وإلا أصبحت الآن طعاما دسما للقروش .
كان ابن السلطان في زورق يصيد السمك ،ورأى شيئا أبيض تجرفه الأمواج ،فإلتقطه ،ولما رآه وجدها ة من الحرير عليها زخارف بديعة لم ير مثيلا لجمالها ،وكان عليها عطر فواح ،قرّبها من أنفه ،وإستنشقها ،فأه رائحتها ،وقال في نفسه ،سأبحث عن صاحبتها ،وأتزوج منها سواء كانت من الإنس أو الجن أو حتى من حوريات البحر …
…