-٤- تدابير القدر
بداخل إحدى المطاعم الراقية والتي تحتل مكانها في الطابق الأخير لفُندق من فئة السبع نجوم والمُطل على النيل مُباشرة، ظهر انعكاس واضح لقسمات رجولية وسيمة؛ أعتلت اللوح الزجاجي الشفاف للواجهة اللامعة للمطعم، فاختلطت تفاصيل وجهه بالمنظر الخارجي حيثُ صفحات المياه الواسعة الهادئة التي تلألأت باللون الفضي تحت ضوء القمر الوّضاء ..
كان يجلس بهدوء حول مائدته المُفضلة التي تحتل رُكن من الأركان ذات الإضاءة الخافتة، ورغمًا عن برودة الطقس إلا إنه استمتع بنسمات الهواء الباردة التي تسللت إليه من الفتحة الصغيرة بجانب طاولته والتي اعتاد نادلي المطعم إعدادها له خصيصاً كُلما تردد على المكان، داعبت الريح اللينة وجهه بلُطف قبل أن يبدأ في تناول وجبته المُفضلة احتفالًا بنفاذ الطبعة الأولى كاملة لروايته الجديدة مع بداية اليوم الثاني للمعرض ..
ارتشف رشفته الثانية من كأس المياه الموضوع أمامه في نفس الوقت الذى التقطت فيه أُذناه تلك الموسيقى الكلاسيكية الخاصة بموتزارت والتي بدأت سمفونياتها الرائعة تملأ المكان وكأنها عُزفت خصيصًا له تكريمًا
لنجاحه المُتوَقع …
أقتطع بسكين طعامه اللامعة قطعة صغيرة من صدور الفراخ الموضوعة بداخل صحنه الرئيسي والمُغطاة بكمية وفيرة من الصوص الفرنسي الخاص بها والمُعَد له خصيصًا بواسطة الشيف الرئيسي للفُندق ..
قضم قضمته الأولى بتلذذ شديد مُحركًا أصابعه التي تحمل السكين بانسيابية وبصورة تتماشى مع الموسيقى التي تملأ الأرجاء وكأنه مايسترو مُتمرس يقف وسط مسرح كبير عارضًا فَنُه على قطعة الدجاج اللذيذة الماثلة أمامه قبل أن يبتلعها وتختفى بداخل جوفه ..