للفصول السابقة
يُقال أن المرء يُهزم بأشيائه التي يُحبها، لكن .. ماذا لو كان يعشقها، لو كان مُتيم بها ؟ ماذا لو تعلق بها حد الإدمان !
هُنا تُصبح أكثر من هزيمة، تتحول إلى حسرة وألم وضياع ..
فكيف له أن يُشفى منها بعد تغلغلها بداخل أوردته واختلاطها بكرات دمه لتصبح مصدر من مصادر غذاء شُريان قلبه الرئيسي والذى لا يقو على ضخ ما يحتاجه جسده للعيش.. إلا بها .. وبها هي فقط !
هل يستطيع وبلا أي مقدمات انتزاع صفائحه الدموية من داخله لإخراج كُرات حبها من مجرى دمه فتعود من جديد مجرد كرات دم حمراء وبيضاء فقط يؤديان وظيفتهما للبقاء على قيد الحياة !
حياة !! عن أي حياة تتحدث !
مازال ذلك السؤال يلح عليه آلاف المرات يوميًا ..
ما قيمة حياته دونها حتى في وجود غيرها !
لم يغب عن ذهنه يومًا صورة شعرها الأسود المُنسدل على كتفيها بنعومة، فهو كثيرًا ما جردها في خياله من حجابها الذى ارتدته مُنذ عشرات السنوات، فيراها من جديد بداخل عقله مُتزينة بسواد الليل الحالك بعد أن نما وزاد طوله حتى غطى خصرها، هو لازال يحتفظ داخله بجميع تفاصيلها المُخبأة عن أنظاره ولم يتناسى يومًا كل جزء عشقه بها ..
رغمًا عنه خانته قواه فور رؤية وجهها المُزين بخصلات شعرها الحريري والذى طالما داعبه عندما كانت مُجرد طفلة تنمو بين أحضانه، لكنه سُرعان ما عاد إلى رُشده متذكرًا واقعه الأليم ..
فأشاح بنظره عنها مُلقيًا التحية وأتبع قوله بالسؤال عن خاله ..
أصابها التوتر مثلما أصابه فعدلت من وضع حجابها بعد أن اختبأت بوجهها خلف الباب لعدة ثوان مرت عليه هو كالدهر، فهو حقًا لا يستطيع استيعاب تدابير القدر، لقد حاول كثيراً تخطى خيباته مُلتفتًا الى مصادر السعادة
في حياته إلا إنه في كُل مرة ينجح في تناسيها سُرعان ما يجد نفسه أمام نفس السؤال من جديد :
_ لماذا جاء بها القدر إليه من البداية ! لماذا أحبها وأحبته “على حسب قولها” !
لماذا زُرِع عِشقها بداخله واستقرت بداخل تلابيب فؤاده منذ ولادتها إلى تلك اللحظة، ولماذا لا يستطيع نسيانها !
أفاق من شروده في نفس اللحظة التي تصاعد فيه صوتها قائلة :
_ أتفضل بابا جوة ..
تقدم أسامة عده خطوات إلى الداخل لتُلاحظ شمس العديد من الحقائب البلاستيكية التي يحملها، وفى هذه الأثناء ترامى إلى مسامعهما صوت أبيها الذى هم لاستقباله بترحاب قائلًا رغمًا عن علامات الإجهاد التي تملأ وجهه :
_ أهلًا ياأسامة يابني ..مكنش له لزوم تيجي وتتعب نفسك ..
أسرع أسامة بالتحرك مُتجهًا إلى محمود كي يوفر عليه جُهد الوصول إليه قائلًا بأدب :