كانت الرائحة القوية لقهوة (الأسبرسو) تملأ أرجاء غرفة المعيشة ذات الطابع الحديث حيثُ استرخى مصطفى بجسده جالسًا أعلى أريكته الجلدية السوداء، وعم الدفيء الأركان التي تصاعد أعلاها بعض الأدخنة التي نفثها هو بتلذذ بجوار تناوله لرشفتي القهوة داخل فنجانه، بينما أصابعه عبثت بشاشة هاتفه ببطء مُستمتعًا بصور وأخبار حفل توقيعه التي ملأت مواقع السوشيال ميديا واعتلت صفحات الجرائد الإلكترونية …
في جميع الصور المُلتقطة والتي مسح أدق تفاصيلها بعدستيه كان يبحث عن وجهها بلهفة وسط مئات الأوجه التي ملأت حفلته بالأمس، كاد أن يفقد الأمل في الحصول على صورة تضُمها إلى أن حالفه الحظ بالنهاية
فظهرت بوضوح كزهرة زرقاء مُتفتحة تجلس بِرقة وسط الصفوف الأخيرة ..
لفتت أنظاره إليها من أول وهلة بمعطفها الأزرق الرقيق ذات القُلنسوة المُضادة للمياه، والتي ظهر من أسفلها حجابها الوردي المُزركش عند اقترابها، كانت عيناه مُثبتتان عليها اثناء احتمائها بغطاء عربة الطعام تلك، رآها وهى في غاية ارتباكها تُحاول إغلاق أي منفذ في ملابسها يَسهُل من خلاله دخول قطرات المطر إليها قبل أن تتناول ما طلبته وتعدو باحثة عن مكان تجلس به ..
تمنى داخل قرارة نفسه أن تأتى للجلوس على طاولته، لكن ما الذي يدفعها لذلك رغم تواجد العديد من الطاولات الخالية من حوله، لحُسن حظه وبسبب تدافع قطرات المطر واقتراب طاولته إليها رآها تعدو نحوه على عجل فتصنع العبث بهاتفه وراقبها بأطراف عينيه حتى وصلت إليه ..
يبدو أنها لم تُلاحظه في البداية، هذا هو ما أدركه عندما شعر بارتباكها وترددها وأحس باستعدادها للمُغادرة، لذا فضل الخروج عن صمته ودعاها للجلوس مُتحججًا بانهطال الأمطار التي بدأت في التزايد ..
أنشرح قلبه فور رؤيته لغُلاف روايته الجديدة تعتلى حقيبتها، فحاول تجاذب أطراف الحديث معها مُستمتعًا بالنظر إلى ملامحها الجميلة الهادئة، فوجهها مُشرق مُستدير بغير امتلاء، يُزينه عينين واسعتين صافتين هادئتين ذات أهداب كثيفة وكأنهما لم يقعا أبداً على شر يُعكرهما، ذات أنف صغير يتناسب مع حجم وجهها وشفتان مُتناسقتان يُزينهما ابتسامة جانبية خجلة ..
أعجبه تورد وجنتيها أثناء الحديث وعدم نظرها إليه بصورة مُباشرة، إلا إنه ورغم ذلك كان ينتظر الفوز برهانه والتحقق من لون عينيها التي ظن أنها ستكون بلون العسل أو البُندق، لم يستغرق الأمر منه سوى عدة لحظات