تخللها بعض التردد، فشعرت هي بغرابته التي تزداد بين الفينة والأُخرى، إلا إنه سُرعان ما قال بابتسامة مُطمأنة وكأنه قد حسم أمره ووجد مُبتغاه :
_ تتجوزيني ياجيداء !
*********
_ تقدر تتفضل حضرتك ..مفيش جواز لا النهاردة ولا بعدين ..
نطقت العروس جُملتها تلك بنبرة حاسمة قاطعة تُعاند بها ضعفها وتَشدُد من أزر نفسها الواهنة والتي بدأت تتجسد في بضع قطرات لمعت بعينيها، لذا اخفضت وجهها بحسرة وبداخلها غصة؛ هاربة من مواجهة عيني مُصطفى المذهولة الغير مُصدقة ..
لكنها لم تستطع الثبات لأكثر من ذلك وسط نظرات الجميع ففرت إلى غُرفتها هاربة من نفسها قبل كُل شيء، لقد كانت على أتم استعداد للتضحية بسعادتها وفَرحة قلبها من أجل أن تبقى ابنتها داخل أحضانها، فهي لن تتركها لبراثن أبيها الجشع كي يفعل بصغيرتها مثلما فعل بها من قبل ..
ارتمت شمس أعلى فراشها بحسرة بعد أن أغلقت باب غُرفتها المُظلمة من ورائها، ومن دون أن تُنير ضوءًا كانت على مقدرة لأن ترى على سنا ضوء القمر المُنبعث من نافذتها؛ تلك الحقائب المُعدة والتي كان من المُفترض أن تنتقل إلى منزل زوجها اليوم، تصاعدت شهقاتها بأسى على حلمها الذى فقدته في لمح البصر، لكنها حاولت التربيت براحتها على قلبها المُنقبض علها تُوقف ذلك الإحساس بالحسرة والضياع الذى يكاد أن يخنقها بل
ويبتلعها بداخله، قاومت كثيرًا البُكاء إلى أن انهارت في النهاية وسمحت لشلالات من المياه بالتدفق من مقلتيها بحرارة بل ودفنت رأسها أسفل وسادتها لتكتم صوت نجيبها المُتصاعد حتى لا يصل إلى مسامع من بالخارج ..
بعد عدة دقائق ارتفعت الدقات على باب غرفتها، فلم تُجيب الطارق بل جلست بميل خفيف يُخفى وجهها وانشغلت بإخفاء أثر بُكائها قبل أن يُفتح الباب وتتسلل الاضواء الخارجية إلى داخل غرفتها، كانت تلك الغمامة لازالت تُظلل عينيها فلم تتمكن من استبيان هوية القادم، إلا أن حفيف الحذاء الرجولي مكنها من استبعاد كونها والدتها، لذا قالت دون أن تنظر إلي القادم مُتصنعة القوة و الثبات ففاتها تمييز ذلك العطر الذى امتزج بهواء الغرفة
قائلة :
_ أرجوك يابابا ..أنا مش هتجوز وأسيب بنتي تضيع مني .. قول لمصطفى يمشى خلاص كُل حاجة انتهت مفيش نصيب ..
ما إن نطقت كلماتها الأخيرة حتى شعرت بالقهر يُسيطر عليها من جديد، فلم تستطع منع نحيبها من التصاعد وأجهشت رغمًا عنها ببكاء حار لم يتوقف سوى بتلك اللمسة الدافئة من يديه اللتان احتوتا كفها الصغير،