طَل عليهم كعادته بهيئته الكلاسيكية الجذابة وكأنه إحدى أبطال هوليود، فلم يملك الوالدان سوى الانبهار بكل شيء به تمامًا كما انبهرت ابنتهم به لأول مرة، والتي خفق قلبها بقوة عندما لمحته أثناء توجهه إلى غُرفة الصالون، كانت تراه من جانبه فلم يُلاحظها هو، لذا استطاعت تأمل مظهره الأنيق بأعين مسحورة دون خجل، فقد كان يرتدى بِنطالًا رماديًا كلاسيكيًا وقميص أبيض ناصع يُبرز طول وقوة جذعه العلوى، تتداخل أطرافه مع بداية بنطاله ويربط بينهما حزام جلدي باللون الرمادي القاتم ..
كان يُشمر عن ساعديه أسمري اللون ويحمل بإحداهما _والتي تزينت بساعته الرولكس الأنيقة التي نادرًا ما تُغادر معصمه_ باقة كبيرة من الورود البيضاء، أما يده الأُخرى فقد كانت تحمل حقيبة كبيرة من الورق المُقوى مُبهجة مُتداخلة الألوان لا يتضح ما بداخلها ..
كانت تبدو كالحالمة وهى تنظر إليه وكأنها تراه لأول مرة فتخيلته أطول بكثير مما اعتادت، وظنت لوهلة إنه لن يستطيع المرور من ذلك الباب ذو الارتفاع الصغير لغُرفة الصالون، لكنه بالكاد مر من خلاله بفرق بضعة
سنتيمترات، وما إن اجتازه حتى تنفست هي الصعداء وأخذت شهيقًا مسموعًا ممزوجًا برائحة عطره النفاذة المختلطة بطيف خفيف من عبق سجائره المُميزة …
وعقب اختفاءه أفاقت شمس من تلك الحالة الحالمة التي شملتها وتوجهت إلى غُرفتها مرة أُخرى حيثُ صغيرتها لتساعدها على ارتداء ملابسها وتُكمل هي زينتها التي بدأتها، إلا إنها وقبل اختفائها لمحت والدتها تخرج من المطبخ عابسة الوجه مُكفهرة الملامح في طريقها إلى غُرفة الصالون بتحفز حيثُ مصطفى، وكأنها على وشك افتعال شجار أو إلقاء قنبلة، تحمل بين يديها أكواب العصير وبعضًا من الحلوى بتبرم وكأنها مُرغمة على ذلك
دون إرادة منها ..
لذا انقبض قلبها في الحال خوفًا من تلفظ والدتها ببعض كلماتها الغير محسوبة أو المُتعمدة قاصدة إحراجه، لذا تتبعتها بخفة وألقت على الجمع نظرة مُتلصصة طويلة من تلك الفتحة الصغيرة عند مِفصل الباب، فرأت مصطفى يستقيم واقفًا ما إن رأى والدتها وقال بلُطف مُقترن بابتسامته الجذابة الدافئة :