بعد أن اشتد زحام الطُرقات واستغرقها الأمر ما يزيد عن الساعة والنصف حتى تصل إلى منزل والديها حيثُ تُقيم مع إبنتها …
أغلقت باب المنزل بحذر ثُم انحنت لتخلع حذائها المُلوث بالطين من آثار المطر، وقبل أن تستقيم من جديد جاءها صوت والدها الحازم من ورائها قائلًا بسخط :
_ كنتي فين طول اليوم وإزاي تسمحي لنفسك إنك تتأخري للوقت ده ..
رفعت رأسها إليه ببطيء حيثُ كان يقف أمامها مُباشرة واضعًا كفيه بتحفز داخل جيبي منامته الصوفية البيضاء ذات الخطوط الرمادية الرفيعة، فأجابته مُعتذرة بأدب وهى تُحكم الإمساك بحقيبتها وكأنها تُحاول إخفاء جريمتها :
_ أنا آسفة يابابا مش هتتكرر تاني ..
لم يُهدئ إذعانها ذلك ولا اعتذارها من ثورته بل أشتد سخطه قائلًا بتصميم وبنبرة أكثر حدة :
_ بقولك كنتي فين لحد دلوقتي ؟
كان الإرهاق والتعب قد تجاوز حَدُه داخلها، وشعرت بذلك الدوار المُعتاد يُسيطر عليها فلم تستطع التحدث بل خرجت كلماتها مُرتعشة ضعيفة غير مفهومة، وفى تلك اللحظة ظهرت الأُم من خلف إحدى أبواب الغُرف قائلة
وهى تُغلقه من ورائها برفق:
_ شششش وطي صوتك يامحمود .. البنت نامت ..
انتبهت الأُم إلى وجه إبنتها الشاحب فقالت بجزع :
_ مالك ياشمس في إيه ..
زفرت الابنة بإرهاق مُجيبة وهى تتوجه إلى غُرفة إبنتها بسُرعة مُحاولة الفِرار من براثن أبيها الغاضب :
_ عاوزة أنام ياماما تصبحوا على خير …