ارتفعت أنظاره إليها بعدم اقتناع لكنها أضافت بحماس مُمتلئ بالمرح :
_ ليك عليا ياسيدي من النهاردة أبدأ اقراله وأقولك رأيي فيه بكُل صراحة ..
ثم أضافت غامزة :
_ مش أنت بتثق في رأيي بردو !
ثبت أنظاره عليها لفترة ليست بالقليلة وكأنه قد شرد بتفاصيل وجهها الهادئ الجميل فاشرأبت وجنتيها بالحمار في الحال واخفضت نظرها عنه بينما هو استمر فى التأمل دون أن يشعر، فكُل مآبها يُذكره بوالدته الراحلة ..
لقد كانت كثيرة الشبه بأُمه، خاصة بشرتها القمحية تلك والأقرب إلى السمار، فلم يَكُن أبرز ما فيها جمالها رغمًا عن تواجده بوفرة في قسماتها الأنثوية، إلا أن ذلك الهدوء الذى يشع منها كان أكثر بروزًا ووضوحًا، هدوء
يتضح في صوتها الخفيض وابتسامتها الرقيقة ونظرات عينيها الحالمة وحديثها المسترخي العَف، فهو هدوء يدفعك إلى احترامها والاطمئنان إليها والثقة بها، وكان لها بعض المُصطلحات والكلمات الحانية التي تنطق بها بين كُل حين والآخر وكأنها تُربت عليه بعطف وتَشُد من أزره، تمامًا كما كانت تفعل والدته ..
في النهاية وعقب شعوره بالحنين داخله، انفرجت شفتيه عن ابتسامة واسعة شاكرة مُمتلئة بالامتنان لتواجدها بجواره ومحاولتها الدائمة للتخفيف عنه، فقال بصوت نابع من قلبه مُتناسيًا جواب سؤالها الذى طرحته عليه مُنذُ دقائق :
_ شكرًا ..
عبست جيداء بغير فهم مُحاولة تفسير سبب ذلك الشُكر المُفاجئ، إلا إن ملامحها سُرعان ما انفرجت عن ابتسامة واسعة مُرتعشة يشوبها الخجل قبل أن تحتل مقعدها السابق من جديد ..
*********
رغمًا عن تفاجأه، إلا إنه تقدم إلى أقرب مِقعد مُريح بخطوات ثابته واثقة لم تهتز، وأحتله بهدوء واضعًا ساق فوق أُخرى قبل أن يرسم ابتسامة بالغ في إظهار زيفها وهو يرمقها بنظرة طويلة قبل أن يلتفت إلى تلك اللوحة الزجاجية مُستطيلة الشكل أعلى مكتبها ويقرأها بصوت مسموع قائلًا باستخفاف :
_ لينا الوهداني ..