وفعلت هي الاُخرى مِثل فعلته عقب ثلاث أسابيع فقط لاغير..
في الحقيقة، هو لم يعلم ما مر بها عقب خطبته، لكن مهما كان ذلك الذى شعرت به فهو لم يكن سوى نقطة في بحر تلك العاصفة التي اختلجته عقب خطبتها لغيره، عاصفة هوجاء اقتلعت أسمى معانى الإنسانية بداخله، فتحول إلى إنسان آخر غير الذى عهدته عائلته التي تغير سلوكه معها، فلقد أصبح يُدخن بشراهة وهو الذى لم يضع سيجارة واحدة بداخل فمه من قبل، أهمل في عمله الذى تميز بإخلاصه له، أضحى قاسى مع والدته
وإخوته الذين لم يعهدوا منه سوى الرقة والعطف والحنان، لم يُحِب أو حتى يهتم بأمر خطيبته التي أختارها بنفسه رغمًا عن تحملها لصعوبة طِباعه طوال تلك الفترة، هو يعترف بظُلمه لها فلم يُعاملها سوى بجفاء وإهمال، مُتناسيًا حقيقة كونها إنسانة تمتلك مشاعر توجب عليه اِحترامها وتقديرها، إلا أن تجاهله لوجودها وصل إلى حد موعد الزفاف الذى حدده بُناءاً على رغبة والدته التي أشتد بها المرض، وكأنه روتين يتوجب عليه فعله دون تفكير …
لكنه أفاق أخيرًا عندما ذهب لتسليم خاله دعوة الزفاف، ورأى شمسه تسطع بعد كل ذلك الغياب فأرتجف من جديد وشعر بآدميته، وكأنها لم تغب عنه أبدًا وكأن لقاءهما لم تقطعه الأيام، أحتضن يدها الصغيرة في كفه الكبير، وضغط عليها برفق كأنه يضُم جسدها كله في كفه، وكأن في كفه نبضات قلبه، تذكر أخيرًا كونه إنسان يمتلك قلبًا كان قد تناسى وظيفته، هاهو الآن يعمل وترتفع دقاته فور رؤيتها، تلك التي أختار لها اسمها ونمت تحت أنظاره، هاهي طفلته وحبيبته الأولى والأخيرة تطل عليه من جديد …