لا تعرف لها تفسيرا في غيابه، كأن الفيلا ينقصها شيء ما أشبه بافتقاد البدر في ليلة ظلماء بقلب صحراء قاحلة، عجيبة هي مشاعر الإنسان تجاه نقيضه، قد تكون قمة في الانسجام وقد تجنح لتكون قمة النفور، لا وسطية إطلاقا في اشباه الاضطاد، فلا رمادية بين أبيض ناصع وأسود حالك، لكن علاقتهما أعجب من أن تكون مثار تفسير أو
حتى محض صدفة.. فلا صدفة فيما يخطه القدر من خطوات..
جلست على الأرجيحة اللطيفة تحمل كتابها، ترتشف من كوبها مع كل صفحة تقلبها، وقد نسيت تماما، أن هزاع ليس هناك بموضعه، ولم تتذكر ذلك، إلا عندما سمعت زمجرة ما تقترب من موضعها، ما جعلها تتنبه رافعة ناظرها لتجد (مالو) حارس البوابة الهندي، يمسك بهزاع محاولا أن يمنعه من الهجوم عليها، وقد بدأ في النباح
بصوت عالِ، انتفضت منكمشة على نفسها، تحاول الابتعاد قدر امكانها عن هزاع، لكن كلب بهذه الضخامة، لن يستطيع ذاك الشاب الهزيل السيطرة عليه، فقد ينفلت من يده عقاله، وكان توقعها صحيحا، فمحاولة مالو في التحكم في هزاع باءت بالفشل، ليندفع هزاع صوب سلمى، التي كانت على أهبة الاستعداد للركض هربا، تصرخ مذعورة، وهزاع في عقبها نابحا، دارت حول الفيلا قرابة المرتين في صراخ مستمر، وهزاع خلفها، يتبعه مالو أمرا
هزاع بالتوقف، مرة بلغته العربية الضعيفة، ومرات أخرى بالهندية، لكنه لم يستجب أبدا، إلا بأمر قوي اللهجة من سعدون، الذي ظهر فجأة، وقد جذبه صوت صراخ سلمى من الداخل، ما جعله يتسمر موضعه، لكن سلمى ظلت تركض، معتقدة أنه لا زال يركض وراءها، لتقع أمام تلك العربة الأنيقة التي دخلت لتوها البوابة التي كانت مفتوحة ولم يغلقها البواب الهندي حين حضر بهزاع من فترة التمشية التي كان يقوم بها هو أو سعدون في غياب أيوب عن الفيلا في رحلات عمله.