دخلت وقلبها وجل، متطلعة لذاك الجانب البعيد، لم تكن أبدا الحالة الأولى التي رأتها على هذا الشكل، طفلا يجلس وحيدا بأحد الأركان، يهتز بشكل رتيب متكرر جيئة وذهابا.
تبعها أيوب لداخل الغرفة، هاتفا بلهجة بدت لها ساخرة نوعا ما، أو هكذا حاول أن يظهرها، رغم كم المرارة التي يكتنفها: ساجد، ابني الوحيد، مريض توحد من الدرجة اللي معرفش كام، وفشل فالاندماج بثلاث مدارس، وحتى اللي عرفت ببعض علاقاتي التوسط لقبوله، رفضوه لأنه عنيف وغير قابل للتكيف مع زملاءه، ده اللي قاله تقرير كل
مدرسة، حاولت إرساله لكذا مركز تأهيلي، لكن للأسف، مكنش فيه أي تحسن، فقررت إحضار معالجين له فالبيت، لعل وعسى.
لا تعرف لما شعرت بالتعاطف معه لهذه الدرجة! رأت كثير من الآباء والأمهات في حالة أشد حزنا وقهرا، ما أن
يشخص طفلهم كطفل توحدي، لكن هذا الرجل الماثل أمامها اللحظة، جعلها تدرك معنى الوجع الحقيقي على فلذة الكبد، رغم كل تلك السخرية التي تبطن كلماته، والتي تبدو هازئة لحد كبير، مستنكرة حالة الطفل، لكنها توحدت مع حسرته، لتدرك معنى أن تتعايش الألم الحي مع أحدهم، بشكل أثار تعجبها شخصيا.
هزت رأسها كأنها تؤكد على تفهمها، ليهتف مقترحا: أنا بقول تشوفي تقارير المعالجين عن الحالة وتقارير المدارس
قبل ما…
أشارت مقاطعة بإشارة من كفها في ثقة لا تعلم من أين واتتها، هاتفة بنزق، انتقل كعدوى منه إليها: أنا أحب اتعرف عليه بنفسي.