دمعت عيناها، وامسكت نفسها عن انجرافها في البكاء، تكبت رغبتها تلك، رغم أن كل ما يجري يدفعها للصراخ قهرا، وليكن ما يكون، فما تواجهه وحيدة منذ وطأت أقدامها أرض المطار، لهو أسوء ما يمكن أن يحدث لعروس، تنتظر البدء في حياة جديدة، تحدوها الأمنيات في دنيا بلا منغصات.
ابتلعت الغصة التي كادت أن تخنقها، وعبأت رئتيها بهواء نقي، حتى لا يتنبه جيرانها في المقاعد المقابلة لما تعاني، لكن ذلك الطفل الشقي، الذي يجول بالمكان في أريحية، لم يدعها لحالها، وكأنه كان ينقصها تلطيخه لفستانها البسيط، ببقايا الزيوت العالقة بأصابع كفه اليسرى، التي يتعمد لمسها لفستانها، مدعيا أنه يشاكسها، بينما تحمل
كفه الأخرى هذه الشطيرة الشهية، والتي قرقرت معدتها مزمجرة في قوة، لرائحتها المسيّلة للعاب، مذكرة إياها أنها لم تحصل على طعام منذ أربع وعشرين ساعة، أو يزيد قليلا، إنها تتضور جوعا، وذاك السمج الصغير، لا ينفك
يجيء ويروح قربها، دون أن يشاطرها حتى ولو بقضمة من شطيرته الشهية، لتسد بها رمقها، فلا مال تملك، لكانت ابتاعت ما يكفيها من طعام، ولا جوال يحمل رصيدا لأي اتصال، قد يخرجها من حالتها المعلقة تلك ما بين الواقع وكابوس سخيف، لا رغبة لها في تصديقه، وها قد اكتمل الأمر حين انفصل الهاتف تماما عن العمل.