أعادت سلمى الضغط على بوق السيارة، لتحية العروسين، وقد علت ضحكاتهما على أفعالها، بينما أيوب يبتسم في رزانة.
تركت السيارة قلب المدينة العامر، وظهر طريق صحراوي ممتد، ليخيم على الجميع خشوع صامت، هتف الشيخ أمرا: أفتح يا أيوب، أي شيء بنسمعه.
ضغط أيوب مشغل الأغاني بعشوائية، لتصدح أم كلثوم، وصوتها يتسلل من العربة عبر الصحراء المترامية، خالقا جوا من السحر والروعة، وهي تؤكد في نشوة: وقابلتك أنت لقيتك، بتغير كل حياتي.. معرفش إزاي أنا حبيتك! .. معرفش إزاي يا حياتي..
ليشرد كل من بالعربة، البعض في أحلامه التي يرغب، وآماله التي يتضرع أن تتحقق، والبعض الآخر في ذكرياته البعيدة.. التي ولت وما زالت تلاحقه كظله، وما منها مهرب..
**************
وصلوا لذاك البيت الحجري الأبيض، كان رائعا بحق، أشبه بمحارة كبيرة بيضاء ألقاها البحر، لافظا إياها على الشاطيء الرملي الساخن، خطوات تبعد عتبات البيت عن أمتداد أمواج البحر الفيروزي، سنين طويلة خلت، منذ آخر زيارة لها إلى الإسكندرية ورؤية البحر، حيث كان يأخذهم أباها في رحلة إليها، لمدة لا تزيد عن ثلاثة أيام كل صيف،
كانت هذه الأيام القليلة العدد، هي زاد المتعة الوحيد في حياتها، والتي افتقدتها منذ رحل الوالد.
تشارك الجميع تحضير الغذاء كل على قدر طاقته، وشملت الحماسة ساجد، الذي استطاعوا السيطرة عليه بكل الوسائل مانعين إياه من الاندفاع للبحر وحيدا، دون أن يكون أحدهم برفقته..
نُصبت الشماسي، في ذاك الفراغ الأخضر المتوسط الاتساع أمام البيت، والمسيج بسور فاصل ما بين خضرة أرضه، ورمال الشاطيء الصفراء التي تميل للون الأبيض.
مر النهار سريعا، ما بين تجهيزات الغذاء، والبقاء على الشاطيء مع ساجد لبعض الوقت، وترتيبات المبيت، وتغيير الأغطية واعدادات الاستقرار بالمكان، ليصبح أكثر راحة ورفاهية..