قهقهاته، التي كان من النادر سماعها، والتي تكاد تقسم، أنها تتردد حولها اللحظة مع استحضار الذكرى.
نهرت نفسها في حزم، وقد قررت الخروج من غرفة مكتبه قبل أن تصاب بالجنون، فما من شيء بهذه الغرفة لم يكن له ذكرى تحملها بين طيات روحها، مع هذا العزيز الغائب، الذي مس أعماقها بشكل عجيب لم يحدث مع
مخلوق قبله، وهذا أكثر ما يثير رعبها، ويجعل النوم يولي هاربا من على أعتاب جفونها.
أغلقت الإضاءة، وجذبت الباب تغلقه في رفق، كأنما تجذب باب الذكرى عنوة، لتغلقه ببالها لعلها تستريح ولو قليلا من ذاك الصراع الداخلي الذي يمزقها، مصاحبا للقلق والخوف على مصير هذا الرجل، الذي تدين له بالكثير.
دخل سعدون لتوه إلى الفيلا، فاندفعت صوبه تسأله في لهفة: في جديد يا عم سعدون!
هز سعدون رأسه نفيا، وقد ظهرت على قسمات وجهه كل أمارات الحزن والتعب، فقد كان أكثر الجميع تأثرا بغياب أيوب، لكنه يشبهه كثيرا في قدرته على إخفاء مشاعره وأوجاعه، هامسا في نبرة تعكس عجزه: مفيش يا آنسة سلمى، في تكتم رهيب على الموضوع، واللي بنسمعه من معلومات من هنا أو هنا، غير مؤكد.
هتفت سلمى تتعجله: سمعت إيه!
أكد وهو يجلس في وهن: بيقولوا أن الحكومة بتحاول التفاوض على تنفيذ بعض الطلبات، لأن واضح أن الحكاية كبيرة، ولها شق سياسي محدش يعرف عنه حاجة، وواضح أن الموضوع مش هايمشي بسلاسة، ربنا يستر، ويعديها على خير.