هزت سلمى رأسها مؤكدة: حاضر، هحاول تاني وعاشر، ده بياكل بالعافية، وبخاف اضغط عليه اكتر من كده يتعب، بس عندك حق، لازم ياكل حاجة عشان ياخد ادويته، كده ما ينفعش.
وضعت سلمى بعض الحساء في طبق، وحملته صوب غرفة الشيخ، طرقت الباب، وللمرة الأولى منذ جاءت لهذه
الدار، لا تسمع صوت أم كلثوم يشدو من داخل هذه الغرفة، يسود صمت اجواءها منذ جاء خبر طائرة أيوب الصادم، جاءها صوته المتحشرج أذنا بالدخول، دفعت الباب في تؤدة، ورسمت على شفتيها ابتسامة مفتعلة، هاتفة في مرح، كان من الواضح أنه لم يكن تلقائيا: كيفك يا طويل العمر! عساك بخير!
هتف الشيخ، وقد كان يغالب دموعا ما جفت بمآقيه، هامسا: أي خير يا بنتي! وحبة العين غايب، وما حدا بيعرف إن
كان راجع، أم..
قاطعته سلمى مؤكدة: هيرجع، والله راجع..
وضعت طبق الحساء قبالته، هاتفة في نبرة حانية: ياللاه، هناكل بقى عشان ناخد الدوا.
هتف الشيخ، وهو يحاول إبعاد طبق الحساء، مؤكدا: ما في نفس لأي طعام، ما أني قادر.
همست سلمى، وهي تجلس أرضا، بالقرب من قدميه، متطلعة نحوه في رجاء: طب لو قلتلك عشان خاطري، طب يرضيك أيوب بيه يرجع، يلاقيك تعبان ومش بتاكل كويس ولا بتاخد ادويتك، عارف هيعمل فيا إيه!
تساءل الشيخ: وأنتِ ايش ذنبك!
أكدت وهي تحاول التظاهر بالثبات، تبتلع غصة بحلقها، تنتزع ابتسامة من قلب الوجع، تعلقها على قسمات الوجه:
أصله وصاني عليك وعلى ساجد.
تطلع الشيخ نحوها في عدم تصديق، لتستطرد مؤكدة، بإيماءة من رأسها: أيوه، وصاني على كل اللي فالفيلا، ولو حصل حاجة بقى، أنا اللي هتعلق على باب الفيلا، وهبقى عبرة لمن يعتبر، يرضيك يا شيخ!
ابتسم الشيخ مؤكدا: والله ما يصير أبد والشيخ حي يرزق، إن حداً يمسك بسوء، ولا حتى أيوب يعملها، ما بتهوني من الأساس، إلا أنتِ يا غالية.