بسببه، اللي مش قادر استوعبه لحد اللحظة دي، وانا شايف حبگ ليها ازاي كنت بتسمح انه يجرحها ويعاملها بالقسوة دي؟
رد عليه بحده:
– مفيش داعي لكلامك ده، راعي انه مهما ان كان ابني، ومسمحش بأي تجاوز فيه، خصوصا انه مش موجود عشان يرد عليك، وحتى لو هو غلطان، حسابه عند اللي خلقه مش انت ولا انا اللي هنحاسبه.
رمقة بغيظ شديد على دفاعه ضد من ظلم وذبح بكل قسوة، كاد ان يرد عليه بعنف اشد؛ لكنه لمح قدوم غزالتة آتيه بقدح القهوة وضعتها على المنضده، تبسم لها وشكرها وقال وهو يلجم نفسه وكتم ما يشعر به واجحمه بداخله ليكون هادئ في رده عليها:
– تسلم ايديگ يا حياتي، بس اعفيني مش هقدر، ممكن نمشي عشان معاد العيادة مش عايز اتأخر عليه.
– تمام اللي تشوفه حبيبي، بعد اذنگ يا بابا اشوفگ على خير، ومتنساش تاخد علاجگ وتشرب الكركديه، وابعد عن القهوة.
– حاضر يا غزال، تسلميلي يابنتي.
ودعته بحنان، ثم انصرفان وبداخل كل منهما احاسيس يحاول يخبئها عن الآخر… غزال شريط احزانها ورحلة اوجاعها منه تتكرر أمام مقلتيها، وضعت كفيها عليها واغمضتهما بقوة حتى تمحيها من امامها للأبد، القى نظرة خاطفة عليها ولاحظ تبدل تعبيرها وعبوس وجهها، قبض قلبه لها، ازاح كفها وامسگ بيده وجهها لترمقه وقال بلهفه:
– فيكِ اية يا نن عيوني من جوه؟ بتشكي من اية بس قوليلي؟
اشتدت على يده وأطلقت العنان لمحراب عيناها التحرر وقالت:
– قلبي اللي تعبان يا أمانِ، بعد ما صدقت انه خلاص طاب؛ الكلام صحى الجرح من تاني مع اني كنت فاكره انه التئم، طلعت غلطانه ومع اول ما داس عليه اتفتح ونزف من جديد.
اشتد في ضمها ومالت على كتفه الأيمن، دافنه نفسها داخل حضن موطنها وامانها، ربت بحب عليها واحتواءها في اشد لحظات ضعفها قائلا:
– سلامة قلبگ وروحگ يا عمري، فداكِ روحي، عشان خاطري بطلي عياط، انا معاكِ وجنبگ لحد امتى هتفضلي تعذبي نفسگ كده، انسي واطوي صفحه الماضي ودوسي عليها تحت جزمتگ، ومش عايزگ عشان خاطري تتواصلي مع العيلة دي تاني، بلاش تفتحي على نفسگ ذكريات لازم تنسيها، خلينا نبدأ حياتنا على نور وصفاء ذهن بدون أي تشويش.
رفعت حمرة عيناها واحتضنته بهما وقالت بحزن ساكن في حنايا فؤادها:
– نفسي انسى وكل ما بحاول واقول لنفسي اني خلاص قويت ونسيت، الاقي حاجة تصحي موج احزاني من تاني وارجع لنقطة الصفر.
أمان احميني من نفسي.. خليگ جنبي واوعى تزهق من مشاكلي، اياگ تقول في يوم دي مش وراها غير الحزن والألم، ومعندهاش حاجة تقدمهالي، اوعى تكسرني مش هتحملها صدقني، الضربة منگ هتبقى اقوى من اي ضربات اخدتها في حياتي.
عيناه دمعت وتمزقت اوصاله من اجلها، اوقف السيارة بجانب الطريق في مكان هادئ، وضمها لقلبه فشتد في ضمها كمن يريد ان يدخلها بين اضلعه ويغلق
عليها ويحميها من كل البشر، كان أفضل شيء يفعله بأن يحسسها بامانه الذي تفتقده، حين شعر بانتظام انفاسها، خرجت من حضنه فقبل جبهتها وقال:
– خليكِ واثقة فيا يا غزالتي.. ثقي في حبي ليكِ، حبي الصادق من جوة قلبي، تأكدي اني عمري ما هقدر اجرحگ ولا اكسرگ ابدا، هفضل لحد اخر نفس فيا جنبگ، مش عايز اقول كلامي ده كل شوية، فوقي من كابوسگ يا حبيبتي وأملي قلبگ بحبي وافرحي وخلينا نفرح سوا ونبني بيتا بالحب والثقة، والتفاهم، اوعديني زي ما انا دايما بوعدگ بالحب والأمان، انگ هتبقي اقوى ومش هتسمحي لأى ذكرى تخليكِ ضعيفة بالشكل ده مره تانية !!
اومأت له اماءه مضمونها رضا؛ حب، وثقة ورددت:
– اوعدگ يا أمانِ، بس مش هقدر انفذ الوعد ده لوحدي ابدا، طول ما ايدگ متشبكة بيدي هنعدي كل الآلام والعقوبات.
تشابگ بأناملها وقبلها بحب، ثم ابتسم لها إبتسامه مشرقه وتحرگ ليقوم بتوصيلها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
ظل “محمود على حالته يتذكر ما حدث منذ قليل واستماعه لوابل عتابه ولومه على ابنه، برغم دافعه المزيف له، ففي الحقيقة عيناه كسرت مثل قلبه، فهو من زرع بداخله حب التملگ، فحين يرفض له شيئًا عندما كان صغير، لم يهدأ له بال بالا إذا امتلاكها وحينها يتركها ويدهسها بقدميه بعد ان فقد شهوته لها؛ فـ هو الجاني المذنب الحقيقي.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وصلت “غزال” وقصت على والدتها ما حدث، وعاتبتها لعدم اخذ حقها، لكنها حسم قرارها بعدم قبولها وايدها في ذلگ خطيبها، تركتها ودخلت لغرفتها عندما وجدت الحوار بلا فائدة، فقررت تهرب من حالتها بالنوم، لكنها نهضت فجأه؛ وامسكت دفترها السري الخاص وسردت كلمات بها شكر وألم وعتاب..
اشكـــــــــــرگ
على حب كبير سكن أضلعي، وأنت كسرته بكل قوتگ، وجعلته فتتات على الأرض؛ ودهسته بقدميگ بكل جبروت…
اشكـــــــــــرگ
أنگ علمتني كيف أضع حبي بين يد من يستحق، ويقدره، ويضعه داخل حنايا فؤاده…
اشكـــــــــــرگ
على كل لحظة انتظار انتظرتگ فيها؛ واستقبلتها منگ ببُعد وجفا وهجران…
اشكـــــــــــرگ
على قلبي الذي توهم محبتگ في يوم، واستفاق على طعنة غائرة جعلته ينزف دمًا دون توقف….
اشكـــــــــــرگ
على مشاعرگ المزيفه، وكلماتگ التي اسرتني في يوم، وجعلتني مثل الفراشة الهائمه في رحاب محبتگ، وحين تملكتها كسرت جناحها وافقدتها روحها وقتلتها بالبطئ…
اشكـــــــــــرگ
على جرح فؤادي وزهقان روحه بيدگ، كالطير المذبوح يفرفر بجناحية من شدة الألم، وأنت ايضًا لا ترحمه ولا تشفق عليه…
اشكـــــــــــرگ
على تعلمِ للدرس، فأنت اثبت انگ في الخداع نجحت بدرجة أمتياز..
اشكـــــــــــرگ
على مشاعر نبيلة كنها قلبي لگ طوال الوقت، وأنت استهنت بها ولم تقدرها وتشعر بها في يوم…
اشكـــــــــــرگ
على تلگ الصفعة التي اخذتها لتفيقني من غفوتي، وكانت بمثابة قبلة الحياة لي، لتعيدني إلى أرض الواقع دون تزيف…
لست نادمه على شيئاً في حياتي غير إني عشقتگ في يوم.
فقد كنت لي ملاذي الذي اذاقني مراره لن تتكرر بعد الآن …!!
كنت لي حلماً منسوجاً من الخيال،
غزلت من خيوط العنكبوت أحلى الأحلام، فمزقتها بيدگ وما أضعفها خيوط… !
لا اتعجب ولا أحزن، بل أنا مديونه لگ بالشكر والعرفان؛ لانگ افقتني من أوهام سردها عقلي وكادت ان تهدم حياتي عبر الأزمان.
واخيرًا من كل قلبي اشكرك لانگ خرجت من حياتي للأبد، وعلمتني كيف احيا بدون خداعگ..
طوت الصفحة، وطويت معها كل احزانها ومراره أيامها، واغلقتها دون رجعه، و وقفت تنظر لهيئتها في المرآة وقالت في داخلها:
– خلاص أيام وراحت ومش هسمح لأي حد يفكرني بيها، غزال الضعيفة المهزومه؛ ماتت وادفنت ودلوقتي غزال الواقفة دي واحده تانية، كل حاجة اتغيرت
جواها، من جوه وكمان لازم تتغير من بره، لازم احس اني فعلا بقيت انسانة تانية.
وإلى هنا انتهت احداثنا عند هذا الحد لنتعرف غدا ماذا ستفعل غزال؟
وهل موقفها صح في موضوع بيع الشقة، ولا والدتها عندها حق؟
يتبع…
بدلت ملابسها مره ثانية وخرجت وحين سألتها والدتها، اجابتها بأنها ستذهب في عمل هام وسوف تتأخر، وطالبتها بالا تقلق عليها، وانصرفت متوجهه إلى مركز تجميل شهير خاص بالسيدات، وطلبت منهما تغيير شكلها وعمل نيولوك جديد، من خلال تسريحه الشعر وتغيير لونه للون البني الفاتح، وعمل خصلات بداخله، كما غيرت لون عيناها بتركيب عدسه لاصقة للون العسلي الفاتح، مر وقت طويل حتى انتهت، وعندما رأت نفسها لم تصدق عيناها ان تلگ الجالسه هي غزال التي أتت من ساعات قليلة، كان الميكب رقيق مع التغيير شعرت بالسعادة، وعاتبت نفسها انها أهملت كثيرًا بها وقصرت في حقها، لقد تحرر العصفور أخيرًا وذاق طعم الحريه ولن يحبس نفسه مره ثانيه حتى لو كلفه ذلگ فقدانه لحياته..
شعرت عندما انصرفت انها ولدت الآن من جديد، فكانت هذه الخطوة ضرورية ومع آسف جاءت متأخره، لكن ما مرت به من حزن هو الذي جعلها تنتظر حتى تخرج من بئر احزانها ولو قليلا، ثم وعدت نفسها بالا تهملها وتحبها كما هي في كل حالتها، فهي تستحق ان تحبها، فغزال دفنت وماتت، والتي تحيا مرأة محبه
لأمانها وللحياة.
عادت لمنزلها وعندما رآتها والدتها واخاها، اندهشا من جمالها الذي يشع من ضياء وجهها قالت لها:
– بسم الله ماشاء الله عليكِ ياغزال، اية الجمال ده، انتي اتغيرتي خالص.
استدارت “غزال” عده لفات في فرحه وهي تردد:
– بجد النيولوك اللي عملته رايق عليا؟
رد “سند” وهو محتضنها بكل حب قائل:
– هو رايق عليكِ وبس؛ ده مخليكِ زي البدر في اكتماله، مع انگ حلوه في كل حالاتگ يا قلب أخوكِ، بس التغيير مطلوب برضو، أمان شايفگ؟
– لا ميعرفش اني هقص شعري واغير لونه اصلا، هي طقت في راسي مره واحده وقولت هعملها.