يعشق كل تفاصيلها.. قالتها بكل نبضة تدق له هو وحده وليس في قلبها اي شريگ، يالها من فرحة قلبه الآن فقط شعر بأنه دلف إلى نعيم جنتها، وسينعم داخل احضانها ويرتوي من شهد ثغرها، ويغمرها بحبه وعطفه ويعوضها سنوات الحرمان والضياع، فمنذ تلگ اللحظة يبدأ عنوان السعادة طريقها لايامهما سويًا.
فقد تركته عشرة عمره يعاني فقدانها سنوات، ولكنها تركت روحها تسري في كل مكان حوله، فـ لقد أغلق كل أبواب قلبه من بعد رحيلها، سجنه بداخله، ولن يفتح لأحد الا سواها ! ظل هكذا سنوات يعاني فيها الحرمان، لا يد تربت عليه، ولا قلب يسمع مناجاته إلى أن ظهرت أمامه غزالته الشاردة الحزينه، لا يكذب إذا قال أنها حركت بقايا الحب داخله، شعر أنه ما زال حياً ويتنفس.
من أين جاءت ومن أرسلها إليه؟
هل هو قدر الله أن يرسلها في طريقه، أم أنه أختبار له؟
لا يعلم ! ولكن ما يعلمه حقًا هو إنه وقع في براثن هواها وليكن ما يكون، وياليت فؤاده يظل صامتًا أمام عاصفة حبها المجنون.
احبها ولن يتنازل عنها، وسيكون لها كما تتمنى؛ رجلًا استثنائيًا في كل شيء.
وبعد هذا الإعتراف لم يستطع “أمان” الصبر دقيقة واحده، هاتفها وابلغها بأنه سيأتي فورًا لطلب ودها، وافقت بدون تردد وتراقص قلبها بشوق لم تشعر بهذه السعادة مطلقًا من قبل، فأن كل شيء تشعر به معه يكون للمره الأولى، انهى حديثه عن عجل، وهاتف اخته “آلاء” التي سعدت جدا لهذا الارتباط، وجهزت نفسها لتتوجه معه لطلب ودها، وهاتف ايضًا والدته لتكون برفقته، وما ان ابلغها حتى صاحت تطلق الزغاريد مهلله، فقد احس “أمان” ان كل الكون يرقص ويغني معه، ويشاركة في سعادته.
هاتفت اخاها لكي يأتي لها مسرعًا، وافق وقلبه يدعو لها ان تحيا معه في سعادة وهناء، مر وقت قصير وكان الجميع في انتظار قدومه،
ونظرًا لقدومه فجأة هاتف “سند” مطعم شهير يتعامل معه، وجهز طلب اوردر طعام يأتيه في أسرع وقت قبل ان يأتي.
طرق بابها بكل حب، نهضت الغزال الممشوق في فتحه، ورمقته بابتسامتها الرقيقة، ثم صافحته واشتد في عناق كفها، سحبته منه باحراج، ثم عانقت والدته، و”الآء” وشاورت لهما بالدخول، وتم الترحيب بهما من قبل اخاها ووالدته، وضع “أمان” باقة الورد وعلب الحلوى ثم جلسوا، وبدأت والدته بالتحدث طالبه يدها لابنها، وافق “سند” ورحب بشدة، وباركت الأم في فرحه وسعادة والجميع عانقها ودعا لهما بالسعادة، قدم لها “أمان” خاتم الارتباط، ومعه المحبس والبسه اياها، ثم قبل كفها والسعادة تتطاير من مقلته والفرحة تعتلي كل أنش في وجهه، قدمت لهم “سمية” كاسات بها شربات الفرح، وصوت الأغاني يصدح أركان المنزل.
بعد تناول العصير، تحدث “أمان” وحدد موعد لعقد القرآن وبعدها سيخطفها ليقضيان شهر العسل في قرية تونس من شدة حبها واعجابها بها.
وها هي الآن اكتملت فرحتها وسعادتها بارتباطها بمن احبته وكان عوض لها، فـ لو خيروها بين الحياة والموت، لأختارت أن تموت بين أحضانه لقد اختارته وحسمت إختيارها، فقد اختارت أن يكون هو آخر تلگ الاختيارات في هذه الحياة، بأن تكون نظرة عيناه هي آخر ما تراها؛ أن يكون هو الحبيب والرفيق الذي سـ يرافقها لنهاية عمرها، فهو وافق أن تموت بين يداه، أن تكون هي عشيقته في عالم الأحلام ؟
فـ عالمها ليس كـ أي عالم، فـ هو بحرٌ من العشق والهيام، فـ لينهض مهرولا، ويبحر معها؛ ليسعد معها في عالم الخلد الذي لا ينتهي ابدا مع مرور الأعوام، سـ تكون فيه أميرته المتوجة، الساحرة، المتلهفة، لأميرها، وسيدها، ومحبوبها العاشق الولهان، سـ تبني قصورًا من الخيال، وتحيط بهما النجمات حارسات، وتدور حول مجرة حبهما ليلاً تبعث ضوءها الخافض ينير سماء قلوبهما المشتاقة، وتزداد توهجًا، واشتعـالا، فـ ينير الكون كله ويظهر عشقهما وضوح الشمس صباح النهار !!.
جلسان داخل شرفة بيت والدتها بمفردهما، استندت برسغها على السور هروبًا من ملاحقته لها، فنظراته تزيد من ارتباكها، وقف بجانبها وقال بحب :
– غزالتي شارده عني وبتفكر في اية؟
التفتت ناحيته ورمقته بتعجب مسائلة:
– غزالتي ؟! دي اول مره تناديني بغزالتي يا أمانِ؟
اتنهد بآآه وجع خرجت من أعماق قلبه رادفًا:
– كنت طول الوقت بقولها بيني وبين نفسي، وعمري ما بطلت اقولها، ولما جه الوقت اللي من حقي فيه اني اقولها صرحت بيها وهقولها بصوت عالي انگ بقيتي غزالتي انا وبس.. وحببتي وروح قلبي وملكتيه بكل نبضاته.
صمت وتذكر اخر جملتها وقال بمكر:
– طب وانتي كمان اول مره تناديني بأمانِ، عمرگ ما قولتيها قبل كده، ده انا طلع روحي عشان بس تشيلي لقب دكتور وترفعي الحاجز بينا.
اقتربت من يده الموضوعه بجانب يدها، واشتدت عليها ونظرت في مقلته حتى يرى صدق كل حرف يخرج من ثغرها هاتفه:
– كنت طول الوقت بحسها وبقولها بيني وبين نفسي وعلى طيات اوراقي، كنت دايما بوصفگ بأنگ أماني اللي بحسه بوجوده… أنت أسم على مسمى يا أمان.. انت حبيبي، وعوض سنيني اللي ربنا رزقني بيه، وحب يكافئ قلبي على كل الوجع اللي شافه زمان، ومع تجربتي الفاشله وظروف فقداني لابني؛ جيت انت وفادي وطيب قلبي المجروح، ورجعت ليا غزال اللي كنت خلاص نستها في دوامة احزاني… آه لو تعرف انا كنت بتعذب اد ايه بترددي، وخوفي اني افقدگ كان عامل فيا اية؟
وضع سبابته على شفتاها، ليقطع أي حديث يذكره بما مضى من لحظات حزينه، ويعكر عليه صفو فرحته، ورد بهمس:
– ششش مش عايز اسمع اي كلام عن اللي فات، يكفي اننا مع بعض، وبإذن الله هتكون مع بعض لآخر يوم في عمرنا.
غزالتي انتي عمرگ ما هتتخيلي او تتصوري انا بعشقگ اد اية.. بحبگ حب انا نفسي مش قادر اعبر بيه، لكن وحيات قلبي اللي كل دقة بتنطق اسمگ لأعبرلگ بالأفعال مش بالاقوال، وعمري ما هزعلگ ولا اجرح مشاعرگ الرقيقة ابدا.
وعند كل هذا الفياض الذي اغمرها به، لم تستطع أن تصمت رد على حديثه قائلة بعيناي تدمع من شدة السعادة:
– أنا بحبگ اووي يا أمانِ.. بحبگ وهفضل أحبگ لآخر يوم في عمري.
كاد قلبه ان يقف بعد سماعه بأحب حروف كم تمنى ان يسمعها منها، والآن قالتها، ود ان يضمها لقلبه لتشعر بمقدار حبه، لكنه لم يستطع، فعليه ان يصبر، وما اقساه هذا الصبر..؟! رفع كفيها وقبلهما عده قبلات، ثم قال وغمز لها بطرف عيناه:
– مش مسموح غير ايديگ دلوقتي، لكن بعد كتب الكتاب مش ضامن نفسي هعمل اية؟
احرجت من مغذى كلامه، وتوردت وجنتيها وصبغت باللون الأحمر، سحبت يدها، وانتبهت على دلوف “فادي” قائل:
– غزاله انتي كده خلاص مش هتسبينا وهتفضلي معانا على طول؟
احتضنته وقبلته بحنان وقالت وهي تعبث بخصلات شعره:
– اه يا حبيبي، مش هسيبگ ابدا ابدا، وهنفضل مع بعض على طول.
– طب يالا بقى عشان تروحي معانا.
نظرت لـ “أمان” الذي انقذ الموقف ورد نيابه عنها قائلا:
– هي هتيجي معانا يا فادي، بس مش دلوقتي يا حبيبي، لازم نجهز الشقة ونحضر اوضة جديدة عشان تنام فيها.
– مش مشكلة تشتري الاوضة بعدين، انا سريري كبير تنام معايا.
نظره بصدمه وقال وهو يضربه بخفه على رأسه :
– تصدق انگ فالح اوي، لا متشكرين على اقتراحتگ الفزة دي، غزالتي هتنام معايا أنا.
رد بعناد وحده:
– لأ هتنام معايا أنا، هي بتحبي، مش إنتِ بتحبيني انا يا غزالة؟
– طبعا بحبگ يا روحي.
– شوفت أهي قالت بتحبني.
أخرج طرف لسانه ليغيظ والده، فضم “أمان” شفتيه وطبقهما فوق بعض بضيق وقال له:
– ماشي يا سيدي بتحبگ، بس برضو مفيش نوم معاگ.
عبس وجهه وقال بتأثر وبنبره حزينه:
– أنا كان نفسي تنام وتاخدني في حضنها زي اصحابي ما مامتهم بتاخدهم في حضنها، مش هي هتبقى مامي، تيتا قالتلي أنها هتبقى في مقام ماما.
أنهى جملته وادمعت عيناه، فلم تحتمل “غزال” و والده حديثه، جذبته بقوة الي حضنها واشتدت في ضمه واغمرته بوابل من القبلات في كل انش في وجهه وقالت وهي تجفف له عبراته:
– اوعى تبكي يا قلبي، هخدگ والله في حضني كل يوم، ومش هتبعد عنه ابدا، وليگ عليا مش هقوم غير لما تروح في النوم خالص، ولا تزعل ابدا، انت ابني اللي ربنا عوضني بيه عن اللي راح، وكلام تيتا صح، أنا هكون مامتگ، ومش هتفارق حضني ابدا.
خرج من حضنها وتهلل اسارير وجهه من جديد، ثم قال بفرحه:
– خلاص ما دام هتبقي مامتي، فـ أنا مش هقولگ غزالة تاني؛ هناديكي بماما غزالة.
وإلى هنا إنتهى حديثنا لهذا الحد لنتعرف سويًا الايام القادمة هتخبي اية تاني لغزال وأمان؟
يتبع…
ياعوض ايامي وسنيني.. يا اجمل نصيب كتبه الله لي، فكانت اجمل فرحه وجف وتراقص لها الفؤاد..
احببتك بشده كأنك ولدت من داخل رحمي، فكنت لي الإبن الذي عوضني عما اخذه مني قدري..
* * * * * * *
– خلاص ما دام هتبقي مامتي، فـ أنا مش هقولگ غزالة تاني؛ هناديكي بماما غزالة.
تسارعت دقات قلبها حين سمعت حروف كلمته، كم تمنت انها تسمعها من صوت ابنها الراحل، وظنت انها حرمت من سماعها، لكن شاءت الأقدار ان يكون اول من يقولها لها هو “فادي” قبلته وقالت:
– دي أحلى كلمه سمعتها منگ يافادي، قولها تاني وتالث ولاخر العمر.
رددها “فادي” بكثره كأنها كانت سجينه بداخله واخيرا تحررت الحروف، ومع كل مره ينطقها تزيد سعادته وسعادتها، بهذه الحروف الاربعه برغم بساطتها وتكرار الحرفين الا ان تأثيرها عليها كان له مفعول السحر، تأثر “أمان” وعندما شاهد رد فعلها وسعادتها مع صغيره الذي انصرف عندما نادته جدته، امسگ كتفيها وقال وهو ينظر لمقلتيها بعشق:
– قوليلي احبگ أية اكتر من الحب اللي بحبهولگ في قلبي، أنا محتاج قلب اكبر من قلبي عشان يساع حب اكبر من كده، مش عارف اقولگ اية على حبگ وحنانگ لفادي، وعايزگ دايما تعذرية في حبه ليكِ؛ فادي اتحرم من أمه ومشفهاش، فانتِ هتبقي بالنسبه ليه كل حاجة، وخايف يتحول لتملگ.
– متخافش عليه، ده شيء طبيعي تعلقه بيا، عشان احساس جديد هيجربه بحكم انه محروم منه، وهو شايف اصحابه مع والدتهم، لما الموضوع يعتاد عليه هيقل مع الوقت، وهو ما شاء الله كبير وذكي هيستوعب بسرعة.
– بس اية حكاية صحيح وعدگ ليه ده؟
– وعد اية؟!
– انگ هتنامي وتاخديه في حضنگ كل يوم، لا معنديش الكلام ده، حضنگ ده ملكي أنا وبس.
– أمان اختشي، ده طفل ولازم اعوضه عن اي لحظة اتمنى فيها انه يكون مكان صاحبه، انت متتخيلش قلبي وجعني من كلامه ازاي؟!
– سلامة قلبگ، يا روح قلب قلبي.
– تاني، انا هسيبگ وربنا وادخل ليهم جوه.
نهضت لتقوم من مجلسها، امسگ يداها وقال بترجي:
– لأ خلاص مش هقول حاجة، بس خليكِ جنبي، نفسي اشبع منگ يا غزالتي، وفي نفس الوقت مش عايز اشبع، قوليلي اعمل ايه في شوقي ولهيبه اللي مش عايز ينقص، بل بيزيد كل ما عيني بيجي على جمال عيونگ؟
كادت أن تجيبه، إلا أنها سمعت صوت والدتها تخبرها بأن المائدة جاهزة لتناول الطعام، تبسمت ونهضان متشابكين الأيدي تجاههم، وحين وقف امام المائدة، حرگ المقعد لها لتجلس اولا، ثم جلس بجوارها، وابنه بالجانب الاخر ليكون قريبا منها، تناولوا الطعام في سعادة لم تشعر بها من قبل، وكأن الأيام تذيقها من شهدها من بعد ما تجرعتها مرارها وظلمها، الآن فقط تصالحها بأجمل هديه وعوض.
وبعد انتهاء الطعام، جلسوا يحتسوا القهوة والشاي مع الحلوى، ثم انصرفوا على مضض، فكل من “أمان” وابنه لا يريدان الانصراف وتركها، لكنه اقتنع بوعد انها ستأتي لمشاهدة شقتهما غدا، لتغير ديكوراتها.
استقلوا السيارة وطوال الطريق لم تكف والدته عن المدح بها من حيث ادبها وحسنها، كما اثنت على ابنها بأنه أحسن الأختيار، وانها دلفت قلبها من اول وهله رأتها فيها، كم شعر بالسعادة والفخر بأن من تملكته هي غزالته الشاردة، والآن فقط رست داخل شباكة او بمعنى أدق، داخل ثنايا فؤاده وتربعت وسرت تجري في شريانه.
السعادة كانت تغمر البيت، فكلهما قلوبهم تتراقص من أجلها، الجميع سهرانين الفرحة جفت النوم من جفونهم، دخلت “غزال” غرفتها، تنظر لمرآتها وتقبل انعكاس صورتها بحب، نعم احبت نفسها حين عرف الحب وطرق بابه أمانها، ادارت تلف وترقص وهي تردد بصوت هامس:
– أنا بعشقگ.. أنا.. أنا كلي ليگ أنا
أنا.. أنا.. أنا… يامن ملگ روحي بهواه، الأمر لگ طول الحياة
ظلت تردد كلمات هذه الاغنية، حتى فاقت على رنين هاتفها برقمه، ردت بشوق:
– أمانِ وصلت حبيبي؟
– اه ياروحي، لسه داخل في بيت ماما، مرضش اروح بيتي، قولت مش هدخله غير معاكِ يا عمري.
– ان شاء الله هندخله على خير.
– يارب حبيبتي، قوليلي كنتِ بتعملي اية؟
– ولا حاجة، بصراحه كنت بفكر فيگ، وبغني اغنية ليگ.
– يا سيدي، واسمها اية بقى الأغنية؟
– انا بعشقگ أنا.
قالتها بنبره حانية، بصوت هامس مغلف بدلال لم يعهده منها، شعر بأن كل اوصاله ذابت مع حروفها، ودقات قلبه دقت كالطبول تعزف أجمل الألحان، تنهد بحب ولهفه لها وقال:
– غزالتي ارحميني من دلعگ أنا اقسم بالله ما قادر اتحمل بُعد وشوق اكتر من كده، أنا مشتاق ليكِ بصوره رهيبه، لدرجة خايف على قلبي ميصمتش لحد لحظة القرب.
– اخس عليگ يا أمان، اوعى تقول كده تاني.. حرام بجد ليه عايز توجع قلبي اللي ما صدق يفرح ويرقص، الدنيا من غيرگ متتعش لحظة.. أنا اصلا مش عارفه ازاي كنت عايشة بدون ما تكون جنبي وجوه في قلبي، كلمة بحبگ بقت شوية على اللي قلبي حاسه تجاهگ، خايفة اكون بظلمگ لما اقولها.
– حبيبتي لو كل الظلم احساسه جميل كده، انا عايزگ تظلميني كل شوية وتسمعيني حروفها من شفايفگ اللي خايف ميتحملوش هجومي عليهم.
صمتت لحظات وايقن انها خجلت منه، فرد عليها وقال:
– خلاص متتكسفيش اوي كدة، والله لابطلگ الكسوف ده، بس اصبري عليا.
ضحكت عليه، واستمر الحديث بينهم لا ينقطع إلا إذا القى عليها عبراته التي تزيد من حياءها، وصاح أذان الفجر بصوت الحق، فنهى معها حتى يلبيان نداء ربهما ويصليان ويشكرناه على السعادة التي غمرهما بها.
واشرق الصباح بنور ضياءه على الاحباب بكل الفرح، نهضت “غزال” القت على والدتها الصباح، كان وجهها يشع نور، متوردا من شدة البهجه، جلست بجوارها وقالت لها:
– في موضوع فكرت فيه وكنت عايزة اخد رأيگ في يا ماما.
– خير يا غزال؟
– خير ماقلقيش، أنا بقول اكلم بابا محمود واقوله أني اتخطبت، وارجعله مفتاح شقتي، لأنها دلوقتي بقت مش من حقي بعد اللي حصل، وكمان انا مش هقدر اقعد فيها لحظة وكل ركن له ذكريات اوحش من بعضها.
– اللي تشوفيه يا بنتي، احنا عمرنا ما اكلنا حق حد، هتصل بسند واخد رأيه عقبال ما تجهزي لشغلگ.
اومأت لحديثها وتوجهت لترتدي اجمل ثيابها، فاختارته بعناية شديدة ليكون هو مرآة لما تشعر به من حب وسعادة… فقد كان الديرس الوانه مبهجه مليئة بالتفاءل به ورود بكل الوان الطبيعه، وشعرها الطليق مثلها منسدل على ظهرها يزداد من جمالها، وعندما خرجت كبرت في سرها والدتها وقرأت المعوذتين لتحفظها من كل عين، وابلغتها بموافقة أخاها، فقالت لها عن عجل:
– خلاص هتصل بيه لما اوصل الشركة، او في الطريق وابلغه، سلام بقى عشان متأخرش.
خرجت وهاتفت في طريقها حماها، الذي تعلم انه دائم الاستيقاظ مبكرا، رد عليها بحب:
– ازيگ يا غزال، كده نسيتيني، وبطلتي تتصلي بيا؟
– أنا مقدرش انساگ ابدا ياجدو، وعشان تعرف أني دايما فكراگ، بتصل بيگ عشان ابلغگ أني اتخطبت إمبارح لدكتور تغذية محترم جدا، وبيحبني ويقدرني.
ما أن سمع حديثها والصدمه تجلت عليه، فلجم لسانه، وحزن بشدة، نظرت “غزال” تتأكد ان المحادثة ما زالت مستمره، فقالت:
– جدو انت معايا؟
– اه معاكِ يا حبيبتي، ربنا يسعدگ ويهنيكِ يارب، ويعوضگ خير.
قالت بنبرة حب لم تستطع ان تدارية:
– الحمدلله يا بابا، عوضني براجل بجد، أمان ده مفيش راجل زيه، مثالي في كل حاجة بيعملها، اتمنيت اقابل حد يكون شبه سند اخويا في حنيته وعطفه عليا؛ ربنا كافئني بأكتر ما كنت بحلم ورزقني بأجمل أمان في الدنيا.
برغم أن اي أحد يسمع حديثها يشعر بكم الحب والسعادة التي تصفها به، لكنه كان حزين جدا لضياعها من ابنه، كان يتمنى ان تعود المياه وتتصل بينهما من جديد، لكنها اختارت ان تكون مع رجلًا اخر بدلا منه، فهو لا ينكر انها تستحق الافضل، اتنبه على حديثها هاتفه:
– كنت عايزة ابلغ حضرتگ أن دلوقتي شقة الزوجية بقت مش من حقي، وبيني وبينگ انا مش هقدر اقعد فيها بعد اللي راح، وسبتها من فترة وقاعدة في بيت والدي مع أمي، في اقرب وقت هاجي اجبلگ المفتاح، بس بعد ماهاخد حاجتي من هناگ.
– والله يا غزال، القرار ده مش قراري ومش هقدر اخد منگ حاجة غير لما ارجع لصاحب الشأن، هبلغه كلامگ.
– اوگ، ولما يكلمگ اكون انا اتصرفت في حاجتي، لاني اكيد مش هحتاج منها حاجة في بيتي الجدبد.
– ماشي ياحبيبتي، مبروك وربنا يتمملگ بخير.
أغلق معها والحسرة تملكت قلبه، حاول ان يبلغ ولده بأمر زواجها، لكنه لم يستطع فهو متأكد من انه بعد فقدانه لصغيره الأمر اصبح من الصعب الرجوع لها، بينما الآن اصبح مستحيلًا بعد ارتباطها.
قرر ابلاغه بالأمر دون الغوض لامور جانبيه، وحين علم “فؤاد” بما قالته، فكر لحظات وحسم قراره، وطلب منه شيئًا أن ينفذه في اقرب وقت دون ابلاغها، لانه يعلم بعدم موافقتها، سعد الأب لقرار إبنه الحكيم، ووعده بتنفيذه في اقرب وقت دون ابلاغها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
دلفت “غزال” داخل مكتبها اندهش الجميع من جمالها ورونقها الزائد اليوم، وتعالت الأسئلة عليها من قبل زملاءها عندما لاحظوا خاتم الارتباط مزين بنصرها، وحين علموا بأمر ارتباطها صاحت التهاني عليها والمباركات من قبل الجميع، ثم باشر الكل عمله في نشاط، وبين الوقت للحين يهاتفها امانها ليسمع صوتها لبضع دقائق، ثم يعاود بعد دقائق الإتصال بها، لدرجة لفتت انتهاه اصدقاءها، اللواتي لم يصمتوا من تلميحات ولمزات عليها، منهم من سعيد لها، ومنهم من يتحسر على حاله، واخريات من يرمقها بنظرات حقد وحسد، ارسلت له رسالة تحسه بالا يهاتفها مرة ثانية حتى لا يصابن بعين الحاسدين
مر الوقت بطيئًا عليه، حتى جاء موعد انصرافها، وركض مسرعًا إليها، وصعد ليتوجه لمكتبها، وحين لمحها تقدم نحوها مناديًا بأسمها المفضل لديه، وصافحها بحب، وطبع قبله على يدها بكل تقدير، تحت نظرات وذهول من في المكتب، فخافت عليه من كثر النظرات التي ترمقه، خطفت حقيبتها بسرعة، كمن تريد ان تخطفه هو وتختفي عن انظارهم، تحركت معه إلا ان زميلة سألتها عنه وهي تبصره بنظرات اعجاب لهيئته، فهي لا تنكر انه شديد الوسامه وزادت تلگ الوسامه لحية المهذبه، فهو يتمتع بجسم ممشوق رياضي، وعينانه البنيه التي تضو مع ضوء الشمس، من يراه يجزم انه نجم سينمائي، نظرت لها بحده وعينان ثاقبتان، وعرفته على الجميع، وهي واضعه يديها بين يده بتملگ، ثم انصرفت ونيران الغيرة تنهشها، جلست بجواره صامته لكن وجهها الغاضب يبوح بثوران داخلي يريد ان ينطلق لهيبه، امسكت يدها وقبلها وقال في حنو:
– ممكن أعرف غزالتي مضايفه ليه كده ومش عايزة تبصلي ولا تكلمني؟
زفزت انفاسها بضيق وقالت بعصبيه وغضب:
– يعني مش عارف سيادتگ أنا مضايقة ليه؟ ولا كان عاجبگ نظراتهم ليگ وهما هيكلوگ بعنيهم.
قهقه بعلو صوته مما زاد غضبها، وحين لاحظ استشاط لهيبها، تنحنح وقال وهو يرمقها بعشق:
– مكنتش اعرف ان غزالتي غيرتها وحشة كده، انا لازم اخاف منگ بقى.
– أمان انا مش بهزر.
– ولا أنا بهزر ياروح وعقل وقلب أمان من جوه.. غزالتي خلي اللي يبص، يبص المهم انا عيني شايفة مين؟ قلبي بيدق لمين غيرگ.
لو حطوا قدامي كل نساء العالم، هختارگ انتي وانا مغمض… هشوفگ بقلبي قبل عيني.. لأن قلبي مدقش ولا هيدق لغيرگ في يوم، اطمني يا حبيبة عمري.
رمقته بنظره كلها خوف وترجي بأنه يكون حقيقي صادق فيما قاله، بادلها بنظره قوة مأكده، تسرب بداخله ان هناگ ما زال رواسب بداخلها من الماضي فقال بحزن عليها :
– أنا مش زيه يا غزالتي، ولا عمري هكون ابدا هتصرف معاكِ تصرف كان بيعمله، انسي واطمني انا مستحيل اوجعگ.
– نفسي يا أمان الخوف اللي جوايا يروح ويختفي.. نفسي افقد الذاكره ومفتكرش في حاجة غيرگ انت وبس، يارتني كنت اقابلتگ من زمان، وكنت أنت اول بختي وقسمتي.
– ومين قالگ اني مش اول بختگ، اللي عشتيه قبلي مش محسوب من عمرگ ولا هيتحسب، العمر الحقيقي هيتعد من وقت ما شوفتيني وقلبگ دق بحبي، انا الحب الحقيقي اللي بإذن الله هيعيش لاخر عمرنا.
كان له تأثير قوي على مشاعرها واحتواءها في غضبها، وعرف كيف يمتص غضبها في لحظة وجعله كأنه لم يكن وحول ردها لأجمل كلمه تطرب اذناه حين قالت بحب:
– بحبگ اوي يا أمانِ.
– وانا بعشقگ ياقلب أمان، وانتي متعرفيش بتعمل فيا اية الكلمه دي يابنت الناس، بقولگ اية إحنا لما نروح شقتي وتشوفيها يادوب نديها وش بياض وتغير الوانها، وننزل نشتري اوضة نوم جديده، وتتجوز، حرام نأجل، وبعد الجواز تبقي تعملي كل اللي عايزاه على مهملگ، انا مش قادر على بعدگ، ارحميني.
– هانت يا حبيبي، اشوفها بس وبعدين نحدد، وكله بمعاده، انت صبرت كتير مجتش على الشوية دول.
– حاضر، الصبر من عندگ يارب.
– ادينا وصلنا، هطلع بسرعة انادي ماما، واجي.
دقائق مرت وجاءت ممسكة بيد والدتها واستقلوا بالداخل، وسار نحو شقته التي كان هناگ في انتظارها والدته وابنه، وما ان رآها ركض نحوها معانقها بحب منادي عليها، بادلته محبته اكثر منه، فهمس “أمان” لها في اذنيها: